مثال أعلى

مثال أعلى

02 فبراير 2016
لن يصبح لاعباً محترفاً غالباً (فرانس برس)
+ الخط -

مصطلح المثال الأعلى شائع جداً لا شك، وعابر الثقافات واللغات. يأتي في اتجاهين أساسيين، الأول يساير المجتمع ويلتزم حتميته التاريخية بشكل مباشر، فيختار مثالاً أعلى من داخله، قد يكون الزعيم أو الرئيس أو الثري أو البطل الفلاني. والثاني يتمرّد على المجتمع ويصبو إلى انفلات باختيار مثال أعلى من خارجه. لكنّه التزام غير مباشر بالحتمية.

ربما يختص الأمر أكثر بالصغار والمراهقين، خصوصاً مع ما في عالم اليوم من إعلان مرتبط بالاستهلاك. فالمثال الأعلى أو الشخصية المؤثرة ليست أكثر من تقليد أساسي في تنشئة الفرد وتعزيز اندماجه في مجتمعه، ولو كان يعتبر نفسه مميزاً. هي فكرة تهيئ له خروجه من قيد ما أحياناً، والتحليق بعيداً، لكن في الخيال فحسب.

ذلك الفتى مثلاً يتخذ لاعب كرة القدم الشهير مثالاً أعلى. يسعى أن يكون مثله. يستهلك الكثير من المال ثمناً لأحذية وملابس وكرات وقصات شعر وألعاب فيديو وكلّ ما قد يتولى اللاعب ترويجه. كذلك، يتدرب الفتى بجهد كبير أحياناً. يصل إلى مرحلة الإحباط في أحيان أخرى. إحصائياً، لن يصبح لاعباً محترفاً غالباً. وإذا أصبح فلن يكون نجماً. فلا مال ولا شهرة ولا دعاية ولا أمل في أن يتحول هو نفسه إلى مثال أعلى لفتية آخرين.

لكنّه المثال الأعلى هو من يقرر اتجاه الفرد وهويته.. وفي أحيان كثيرة تعطيله عن أداء دوره الاجتماعي. هو مثال أعلى جاهز ومعلّب أحياناً، كما هو الحال مع طالب أعجب بكتابات أستاذه فرغب في أن يكون مثله. جاراه واستنسخه فبات نسخة مبتذلة عنه. نسخة تتغافل عن كون أيّ فكرة مرتبطة بواقع اجتماعي محدد له ظروفه التاريخية المميزة وتجربته الشخصية المؤثرة.

ما يدعو إلى التوقف عنده، أنّ الحتمية تقع دائماً مهما شرّق الفرد أو غرّب. فطالما أنّه يعترف بالمجتمع وأدواته وبناه التقليدية، وطالما أنّه عندما يشذّ عنه، يشذّ بطريقة تقليدية تسخر من الثوابت، فيتحول شذوذه إلى ثبات من نوع آخر بدوره، فالحتمية تحدد مثاله الأعلى النهائي في من كان يعتبره أبعد من يكون عن ذلك المثال حتى. والوقائع حاضرة دائماً في عالمنا العربي خصوصاً، عن كيفية اكتساب المعارض أخلاق الحاكم لحظة تسلمه السلطة. أبسط من ذلك مثال آخر عن كيفية تحول العامل البسيط إلى متسلّط على غيره لحظة توليه منصباً يسمح له بالتحكم بمن هم أدنى منه.

هو مثال أعلى لا يفترض العلوّ بمعنى الأخلاق السامية (الحميدة كعرف). فالأخلاق ابنة المجتمع وهي نسبية واقعية كأيّ شيء آخر. لذلك لا شيء يحول دون أن يكون ذلك المثال الأعلى لدى شخص ما، أحقر مثال لدى غيره.

اقرأ أيضاً: غير معقول

المساهمون