صرخة معوّق: أعيدوني إلى بيتي

صرخة معوّق: أعيدوني إلى بيتي

10 نوفمبر 2015
يحرّك يده اليمنى بصعوبة شديدة (حسين بيضون)
+ الخط -

يعتذر رابح ب. مراراً بسبب الروائح الكريهة المنبعثة منه قبيل مقابلته القاضي الشرعي، لمتابعة قضية النفقة التي رفعها على والده. أعانه عدد من فاعلي الخير على الانتقال من مكان اعتصامه أمام منزل والدته في منطقة الظريف في بيروت إلى منطقة الطريق الجديدة حيث تقع المحكمة.
يجلس بكرسيّ نقال متداعٍ على باب القاضي. تبدو علامات الضيق واضحة عليه. يحاول التعبير عنها بهز الكرسي مرة، والانتقال من يمين باب القاضي الى يساره مرة أخرى. يستغرب التأخير: "وكأنّ الأشهر الطويلة التي قضيتها في الشوارع غير كافية لتنال قضيتي اهتمام المسؤولين؟". يناوله أحد الشبان الذين يساعدونه في قضيته، قنينة الماء، فيشرب منها بصعوبة. سرعان ما يعود إلى عصبيته ويتساءل عن أسباب التأخير. وينفعل بشدة عندما يخبره المحامي أنّ القاضي لن يتمكن من رؤيته. يحاول الصراخ، لكنّ صوته الضعيف لا يساعده: "دعوه يراني حتى يفهم حجم المعاناة التي أعيشها. حتى قطط الشارع تهرب من رائحتي. هذا لا يجوز!".

لا تنفع محاولات تهدئة الشاب الذي تحوّل الشارع إلى مقر إقامته الدائم بعد طرده من منزل والدته المُتوفاة نتيجة خلافات عائلية. وذلك بالرغم من حاجته للعناية الطبية المستمرة.
يملّ الشاب من تكرار قصته لمحدثيه الكثر. ويرجوهم أن يحدثوه عن حياتهم الشخصية أو عملهم. يُظهر معرفة واسعة بالأمور العامة ويحاول التفاعل بقدر ما يسمح له وضعه. يعتذر مجدداً لأنه لا يستطيع النظر إلى وجه محدثه: "أنا بحاجة لمشدّ للظهر حتى أتمكن من رفع كتفي ورأسي". تؤدي انحناءة رأسه إلى الأمام بشكل دائم إلى الضغط على أوتاره الصوتية، فيتحدث بصوت ضعيف، بالإضافة إلى معاناته من أوجاع في الظهر. يشير بأصابع يده اليمنى التي يحركها بصعوبة شديدة إلى ورم كبير في رجله اليسرى. يقارن بينه وبين حجم فخذه. الورم أكبر من فخذه! يؤكد أنّ ملابسه الرثة تخفي الكثير من القروح على ظهره، لكنّ رائحة القيح تدلّ بشكل أبرز إلى حجم المشكلة.
يتحدث بإسهاب عن المشاكل التي يعاني منها الكرسي الذي يستخدمه للتنقل والنوم في الشارع، ويقدم عرضاً عملياً لها. يرفع مكابح الكرسي ويشدها إلى أقصى حد، ثم يحرك الكرسي إلى الأمام والخلف: "تخيل أنني أستخدم هذه المكابح لنزول المنحدرات الكثيرة". يحاول تحريك وسطه للدلالة على عدم ملاءمة حجم الكرسي لجسده الضئيل. أكسبته سنوات الإعاقة الطويلة معرفة واسعة بأنواع الأدوات الصحية التي يستخدمها بشكل يوميّ. ويشرح مضار عدم متابعة التمارين الفيزيائية التي واظب عليها في المنزل.

يقنعه محاميه محمد دويري بإمكانية الحصول على نفقة مستعجلة من والده لتأمين المال اللازم لتغطية نفقات الرعاية الصحية اللازمة لوضعه المتردي. ويشرح دويري في حديث لـ "العربي الجديد" الخطوات القانونية التي يتبعها لإعادة رابح إلى منزله: "بعد تأكد القاضي من صحة الدعوى وتثبيت طرده من المنزل الذي يملك حصة فيه، تصبح إعادته الى المنزل وحصوله على النفقة القانونية أمراً واقعاً". وحتى ذلك الحين يشارك دويري وعدد من الشبان الذين تطوعوا لمساعدة رابح في الوقفة التي يقيمها أمام البناية التي يقع فيها المنزل. ويتخلل اليوم سرقة رابح للحظات قليلة يقصد فيها حديقة الصنائع القريبة للترويح عن نفسه. ينتظره حراس الحديقة يومياً. يحددون للصحافيين والشبان الذين يزورونه موعد وصوله التقريبي. فقد حولت المأساة حياته إلى دوامة بطيئة من الانتظار أمام باب منزل والدته أو أمام البناء، قبل الانتقال الى الحديقة، ثم العودة للنوم على كرسيه قرب المنزل.
يحمد رابح الله على نعمة العقل "في هذه الظروف المقرفة". يحاول الحديث عن دراسته قبل حادث السير الذي أقعده، وهي في مجالي الإدارة والكومبيوتر، ثم محاولة متابعة الدراسات العليا بعد الحادث: "أُجبرت على التوقف عن متابعة التحصيل العلمي بعد الخلاف العائلي وعدم امتلاكي المال اللازم".

أدى الخلاف العائلي بينه وبين والده وشقيقه إلى طرده من المنزل بعد مساومتهما له على العناية به مقابل تنازله عن حصته في إرث والدته التي اهتمت به حتى وفاتها قبل عام ونصف. بعد طرده، تنقل بين منازل عدد من المتطوعين الذين عرفوا بقصته، وأمّن بعضهم بدل إيجار لشقة صغيرة في منطقة شعبية في بيروت لمدة 7 أشهر قبل أن يعود رابح إلى الشارع بعد نفاد المساعدات التي جمعوها له.
لم تصل القضية إلى المحكمة الشرعية فوراً. بل سبقتها محاولات عديدة من قبل الشبان الذي يساعدونه للتواصل مع والده وإعادته إلى المنزل، لكنّ كلّ محاولاتهم لم تنجح.

اقرأ أيضاً: نديم لم يبع جواز سفره

دلالات

المساهمون