ماذا يريد العرب؟

ماذا يريد العرب؟

06 مارس 2015
+ الخط -

يرى صديقي الأوروبي أن العرب، في معظمهم، يخشون التغيير حتى لو كان سينقلهم إلى الأفضل، ويحرسون تقاليد بالية لم تعد صالحة في عصرنا، ويواصلون التفكير بأساليب تجاوزها العالم منذ عقود، ويرى أنهم يتمترسون خلف حواجز يتوارثونها من الأجداد بدعوى الحفاظ على التراث والتاريخ، وأنهم حريصون على قيمة الاستقرار، حتى لو كان بالموت.

والعرب في رأيه لا يدركون ما الذي يجلب لهم الاستقرار الحقيقي، ولا يبادلون العالم التطور الذي يبدع فيه ليل نهار، رغم كونهم حريصين على اقتناء أحدث التقنيات، دون أن يفكروا للحظة في قدرتهم على صنعها أو تطويرها أو حتى تعديلها بما يناسبهم.

يبدو صديقي غاضباً من العرب بعدما عاش بينهم نحو عشر سنوات، عمل فيها وتعامل معهم، خاض نقاشات وصراعات، حاول أن يتعلم منهم ما يطلقون هم عليه "اللف والدوران" لكنه فشل، وانتهى إلى أنها ثقافة عربية لا يمكن لأي شخص غير عربي أن يجاري العرب فيها.

صديقي الأوروبي لا يكره العرب، لكنه لا ينكر أبداً أنه يكره طريقة تفكيرهم، والكثير من تفاصيل حياتهم، وكذا طريقة تعاطيهم مع الأمور، من عادات الأكل والشراب مروراً بقيادة السيارات، وصولاً إلى إدارة الأعمال وتخطيط المشروعات.

صديقي لا يكره العرب، لكنه يكره ما يفعلونه بأنفسهم وبمن يعيشون معهم على نفس الأرض، ويكره تصرفات مقيتة تصدر عنهم تجاه الآخرين بلا وعي وكأنها أفكار متجذرة في عقولهم،
 ويكره أنهم حريصون على الجمود بقدر حرصه وحرص مواطنيه على التغيير.


لكنه أيضاً تعلم في أرض العرب الكثير، تعلم أن حريته محدودة، وأن كثيراً مما يمكنه أن يمارسه في بلاده غير مقبول على الإطلاق في بلادهم، وأن ما يعتبره صراحة وصدقاً ووضوحاً، يعتبره العرب وقاحة وانحلالاً، وأن بعضاً من النفاق مفيد، وأن كثيراً من الكتمان مفيد.

قلت له بعد أن سمعت منه طويلاً: لماذا تبقى هنا؟ ارحل إلى بلادك وعش حياتك التي تشاء كما تشاء.

كان رده عجيباً، قال إنه قبل عامين عاد إلى بلاده في إجازة طويلة، وإنه اكتشف بعد أيام قليلة أنه لم يعد قادراً على الحياة بعيداً عن هؤلاء الذين يوجه إليهم قدراً كبيراً من الانتقادات، وإنه قطع إجازته قبل أن يمر الشهر وعاد أدراجه، وأنه بعد عودته ظل لفترة يراجع كل آرائه عن العرب، محاولاً إقناع نفسه أن عليه أن يتقبلهم كما هم بكل ما فيهم، وأنه نجح بالفعل لفترة في ذلك.

لكنه عاد ليؤكد أنه بمرور الوقت عادت إليه نفس الأفكار، وعاد ينتقد التصرفات التي يراها غير منضبطة، لكن تغيراً طرأ عليه حيث بات يجلس إلى نفسه أوقاتاً أطول ليسأل: ماذا يريد هؤلاء العرب؟

المساهمون