وطني حبيبي صنع وزرع وبنى... ذات يوم

وطني حبيبي صنع وزرع وبنى... ذات يوم

18 اغسطس 2015
بناء سد أسوان في مصر 1960 (فرانس برس)
+ الخط -

"وانتصاراته مالية حياته
وطني بيكبر وبيتحرر ...وطني"

مرت مياه كثيرة في مجاري الأنهار، وسالت دماء كثيرة، ونحن قد صرنا على بعد أكثر من نصف قرن عندما قيلت تلك الكلمات وسمعنا الأصوات تهدر بها. كأنّ بلاد العُرب ليست هي هي. ثورات بأمها وأبيها جرى وأدها بعد أن تكالبت عليها قوى الداخل والخارج. أحلام تكسّرت على صخور الواقع، وكأنّ اليوم الذي كانت تفتح فيه المدرسة والجامعة وتلقى فيه القصيدة ويدشن تحقيق الإنجاز لم يكن في يوم من الأيام، حتى وصلنا إلى القاع الذي نستقر فيه الآن، وبتنا لا نتوقع سوى الأسوأ.

نبدو وكأنّنا فقدنا الطموحات والأحلام التي راودتنا ذات أيام. لم يعد لدينا ما نجرؤ على أن نبوح به مما كنا نعلنه ونعليه في صخب التظاهرات. بات الهاجس الأكبر لنا ليس تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وتخليص مقدساتها ونصرة شعبها المكلوم، ولا تخريج أجيال من شبابنا تعمل على إطلاق طاقة الإنسان العربي من عقال الأمية والتخلف لتفتح أمام شعوبنا سبل التقدم والرفاهية، ولا تصنيع ما نحتاج اليه من آلات ومكنات ومواد استهلاك تتطلبها حياتنا اليومية، وزراعة ما نتقوت به من قمح ومواد غذائية في أرضنا وعلى أيدي فلاحينا ومزارعينا. ولم يعد يهمنا تنويع مصادر السلاح وفتح الآفاق أمام جيوشنا للحصول على مصادر أعتدة وذخائر نستطيع أن نقاتل وندافع بها عن أرضنا وحقوقنا، وما تبقى عندنا من كرامة ممن يحاول انتزاعها من دواخلنا. بات أقصى الطموح أن نحفظ حياتنا مع الحد الأدنى من مقومات العيش لا أكثر، أو الهجرة الى بلاد الله الواسعة، حتى ولو كان احتمال الموت غرقا هو السائد، أو قبول الحياة عالة على الدول التي نقصدها ونطالبها بتنفيذ مواثيق حقوق الإنسان التي تنكرت لها سلطاتنا.

بات عدد سكان العالم العربي نحو 400 مليون نسمة بحسب التقارير، من بين هؤلاء حوالي 75 مليون أمي عربي. لدينا مئات الجامعات ومئات ألوف المدارس ووزارات ومديريات ودوائر ومؤسسات تربية وتعليم وثقافة وفنون وغيرها، وما نزال في الدَرَك الأسفل بين الشعوب في كل ميدان ومضمار. ونحن نرتضي هذا الواقع ونتعامل معه باعتباره قدراً لا مفر من أحكامه القاهرة. لا الجامعات جامعات ولا المدارس مدارس... ونحن نجترّ تخلفنا كما نمضغ القات وغيره من مخدرات.

لا داعي لأن يستمر المنشدون في إتعاب حناجرهم معبرين عن إيقاع كلمات سادت ثم بادت ولم يعد أحد يذكرها اليوم... والوقائع أشدّ قسوة، فما يجري ليس أقل من تفكك الأوطان وتشرذم شعوب المنطقة العربية الى طوائف ومذاهب وقبائل وجهات وإثنيات وأقليات.
اليوم نترحّم على سايكس– بيكو التي لعنّاها ألف مرة.

*أستاذ في كلية التربية – الجامعة اللبنانية

إقرأ أيضاً: وطني حبيبي

المساهمون