أطفال يكرهون المدرسة في تونس

أطفال يكرهون المدرسة في تونس

12 يناير 2019
في إحدى مدارس تونس (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

واقع بعض المدارس في تونس، وتوبيخ المدرّسين للتلاميذ، يجعلان الكثير من  الأطفال غير راغبين في الذهاب إلى المدرسة


"أكره الدراسة وأطلب من والدتي في مناسبات عديدة ألا أذهب إلى المدرسة، لأنني أعلم بأنني سأوبّخ من المدرّس. قد لا أفهم الدرس، وبمجرد أن أحاول استيضاح بعض الأمور، سأوبّخ أمام 27 تليمذاً في فصلي. كثيراً ما يقول الأستاذ إن سؤالي ينمّ عن جهل كبير. نعم، أكره المدرسة وأخاف أن يعاقبني المدرّس. وأيّ حركة في القسم قد تجعلني عرضة للعقاب. بعض المدرسين قساة ولا يحسنون التعامل معنا". هذا ما يقوله الطفل إبراهيم (9 سنوات) لـ "العربي الجديد".

هذه المشاعر السلبية لا تعكس حالة فردية في تونس. آلاف التلاميذ يكرهون الدراسة، ويواجه الأهالي صعوبات في إقناع أبنائهم بالذهاب إلى المدرسة. ومع الوقت، تستسلم الأمهات بعدما ييأسن من تحفيز أبنائهن. ويفرح التلاميذ لغياب المدرّس، ويحزن بعضهم وهم يتحدثون عن مدرستهم، قائلين إنهم لا يحبون جدرانها الكئيبة وطاولات أقسامهم المزرية.

وتؤكد آية العمدوني (9 أعوام) أنّ العديد من التلاميذ باتوا يكرهون الدراسة خشية التوبيخ. تضيف أن بعض المدرسين يرفضون الاستماع إلى التلميذ. وإذا ما طلب التوجه إلى المرحاض على سبيل المثال، فغالباً ما سيرفض طلبه.

التلميذة شمس البرهومي طلبت من والدتها عدم الذهاب إلى المدرسة خوفاً من عقاب المدرّسة. عدا عن خوفها هذا، تتحدث عن مشاكل أخرى، وتأمل تبسيط الدروس، خصوصاً مادة الحساب التي تعتبرها صعبة، مطالبة المدرسين بالتوقف عن الصراخ والتوبيخ، إذ إن غضب المدرس هو أكثر ما يخيفها ويربكها.

وتفسر مربية أطفال تدعى مريم أنّ الأهل مسؤولون عن كره التلاميذ للدراسة، إذ إنهم يدللونهم إلى درجة كبيرة، ما يجعلهم يميلون في أحيان كثيرة إلى استغلال الوقت في اللعب. الطفل يرى أن المدرسة فضاء مقيد لحريته، إذ عليه الانضباط والتصرف بشكل حسن. وعندما يسعى المربي إلى حثّ التلميذ على إنجاز فروضه، فإنّ الأهل يتدخلون ويوبخون المربي، مبينة أن هذا الأسلوب لا يخدم الطفل ويدفعه إلى عدم الاهتمام بالدروس، بل يصبح سلوكه سيئاً وقد لا ينصت للمربي لأنه يدرك أن والديه سيحميانه ويدافعان عنه.



إلى ذلك، يقول رئيس جمعية أولياء التلاميذ رضا زهروني لـ "العربي الجديد": "المدرسة لا تشجع التلميذ على الدراسة بسبب موادّها وبرامجها وغيرها من الأمور"، مشيراً إلى أن كره التلميذ للدراسة خلال السنوات الأولى من التعليم مرتبط بأولياء الأمور، لأن المسؤولية تقع على عاتقهم في معالجة المشاكل. لكنّ كثيرين لا يؤدون أدوارهم ولا يدفعون أبناءهم للتعلّم وحب المدرسة. ثم يأتي دور المدرسين بالدرجة الثانية، لأنهم يؤثرون على الأطفال وتقع على عاتقهم مسؤولية ترغيبهم في الدراسة.

هؤلاء يحبون المدرسة (العربي الجديد) 


ويبيّن زهروني أن الطفل الذي اعتاد العيش في فضاء رحب واللعب، لن يجد راحة كبيرة في المدرسة في ظل غياب فضاء مريح، سواء تعلق الأمر بالمساحات والأقسام أو بكيفية التفاعل مع المدرسين. إذاً، إن لم يجد التلميذ محفزاً فسيكره المدرسة. ويشير إلى أنّ أولياء الأمور أنفسهم يشعرون باليأس من المنظومة التربوية، فينقلون هذا اليأس إلى أبنائهم.

ويلفت إلى أنّ الحل يكمن في إصلاح المنظومة التربوية منذ السنوات الأولى والساعات الأولى، التي يدخل فيها الطفل إلى الصف. وإن لم يهيَّأ فضاء مشجع على الدراسة، فإن النتائج ستكون مخيبة. ويوضح أن إثقال التلاميذ بموادّ ومناهج مرهقة يشكّل ضغطاً على المدرسين. ويشير إلى أنه يجب ترك بعض الوقت من أجل النشاطات الترفيهية.

ويفيد بأنه في ظل انعدام الراحة في المدرسة، ستحدث القطيعة. المدرّس هو امتداد للآباء والمدرسة التي يجب أن تكون فضاءً يرتاح فيه الطفل وليس مكاناً يكرهه. ويشير زهروني إلى أنّ المدرسة التونسية الحكومية أصبحت غير قادرة على أداء مهمتها التربوية والتثقيفية بالطريقة المطلوبة، فيما يفترض أن تكون فضاءً أساسياً للعلوم والتربية.



من جهته، يرى المتخصّص في علم النفس وحيد قوبعة، أنّ الضغوط التي يمارسها الأهالي على أبنائهم تؤدي إلى نفورهم من الدراسة. ومهما كانت النتيجة، فإن بعض أولياء الأمور لا يرضون بها ودائماً ما يطالبون بالأفضل. على سبيل المثال، في حال نال تلميذ علامة كاملة، وسأله الوالد عن عدد التلاميذ الذين نالوا العلامة نفسها وكان كبيراً، فقد يغضب. عدا عن ذلك، فإن المنظومة التربوية تعاني إشكاليات عديدة.

يضيف لـ "العربي الجديد" أن المدرسين توقّفوا عن العقاب بالضرب. لكن حين يغضب بعض المدرسين، قد يردّون بأسلوب مؤذٍ من الناحية النفسية، وهذا أصعب وأكثر تدميراً من العقاب البدني. ويبيّن أن على الأهل تشجيع أبنائهم على المجهود الذي يقومون به لا النتيجة. ويجب عدم توبيخ الأطفال في حال حصولهم على معدل لا يعجبهم، بل التحاور معهم في محاولة لفهم الخلل ومعالجة نقاط الضعف، أي أن يكون النقد بنّاءً لا مدمراً لنفسية التلميذ.

المساهمون