حمّود الشكيلي: دفاعاً عن الاستعارة

حمّود الشكيلي: دفاعاً عن الاستعارة

05 أكتوبر 2016
حسن مير/ عُمان
+ الخط -

"في يوم من الأيام، كان هناك معلّم اسمه حمّود الشكيلي، وعد طلّابه بحلوى الفقراء. في اليوم التالي، نسي ما وعد به طلابه".

هذه القصّة القصيرة جدّاً هي أحد نصوص كِتاب "شُعلة حديقة الكلمات" (2015)، التي جمعها وأعدّها وقدّم لها الكاتب ومعلّم اللغة العربية العُماني، حمود الشكيلي (1980)، المُحتجَز منذ الرابع عشر من آب/ أغسطس الماضي، على خلفية نشره، على فيسبوك، مقطعاً من نصّ كان يعتزم نشره لاحقاً في كتاب مستقلّ، لكن جرى تأويله على أنه "دعوة إلى التجمهر، وتحريض على التظاهر"، كما أفاد محاميه، يعقوب الحارثي، الذي وجد نفسهُ في حالة دفاعٍ عن الاستعارة في الأدب.

يضمّ الكتاب، الصادر عن "بيت الغشّام للنشر والترجمة"، 74 قصّة قصيرةً جدّاً كتبها تلاميذ عُمانيون وعرب وأجانب خلال ورشاتٍ للكتابة الإبداعية أشرف عليها الشكيلي على فترات متقطّعة في سنواتٍ خلت. وهي، كما يقول في مقّدمته، "توثيق لجهد سنوات عديدة عملتُ فيها معلّماً لمادة اللغة العربية في مدرسة السلطان الخاصة"، مضيفاً أن اشتغاله على فكرته نابعٌ من إيمانه بـ"وجود بذرة صغيرة هنا، مع هذا الطالب أو تلك الطالبة. هي موهبة لعلّها لا تقلّ، في بداية انطلاقتها، عن الموهبة الأولى التي اكتشفها أيُّ كاتب. لعلّه في قادم الأزمان يجد أحداً منهم، وقد صار كاتباً معروفاً".

ينصح معلّم الكتابة الإبداعية بإتاحة فرصةٍ للأجيال الجديدة في الكتابة الحرّة "شريطة أن يُهيّئوا أنفسهم لأيّة لحظة يمكنهم فيها اقتناص فكرة جديدة، وتحويلها إلى كلمات عبر سرد قصير ومكثّف، بحدث مدهش ومفاجئ"، مضيفاً أن "الكتابة كلُّها محاولات لتصوير العالم وما فيه بالكلمات".

يؤكّد العمل صحّة نظرة الشكيلي حول وجود مواهب دفينة تحتاج إلى معلّم يُخرجها إلى النور؛ إذ يحوي العمل قصصاً قصيرة جدّاً كُتبت في شكل شذرات شعرية بسيطة وعميقة في آن، تنطق حيناً بحكمة عابرة، وتبدو حيناً آخر كأنها مصنوعة من مادّة الأحلام، بل حتى من عالم الكوابيس في زمن عربي تفيض فيه دماء الأطفال على شاشة التلفاز، إلى جانب قصص أخرى تنضح بحسّ الفكاهة والسخرية والمفارقة. إنها قصص من نوع السهل المُمتنع لا يدركها إلا الكتّاب الأطفال.

قراءة تلك النصوص، والمقدّمة التي كتبها الشكيلي، تحيلنا إلى سوء فهم الآخر لنصّه الأدبي. وقد لا يكون من المبالغة التساؤل في هذا السياق: هل يمكن، مستقبلاً، قراءة تلك القصص على أنها ترمي إلى غرض ما، وليست مجرّد شكل أدبي يُعبّر عن خوالج النفس والمشاعر الإنسانية؟

لعلّ الطالبة رباب البلوشي ستكون أفضل من يُجيب عن هذا السؤال من خلال قصّتها "النقطة"، التي تقول فيها: "تتكوّن هذه القصّة من نقطة فقط. ولن تستطيع عبورها إلا إذا ملكت خيالاً واسعاً؛ بحيثُ تستطيع تحويلها إلى ما تريد".

كبر هؤلاء التلاميذ والتحق بعضهم بالجامعات. لكن نصوصهم ما تزال تخاطب معلّمهم الغائب/ الحاضر. في قصّة "الرفيق"، لـ محمد العجمي، نقرأ: "الرفاق يفترقون عنك دائماً. قلمُك رفيقك؛ له جمال يُفرح روح الإنسان، فما لك لا تجلس مع قلم وورقة؟".


الورقة
ريان العوفي
في وجهها تلعب الكلمات الكبيرة، وترقص الأرقام الصغيرة. تصير الورقة ملعباً، حديقةً للحروف والأرقام.


الكذب
مبارك العامري
كلّما كذبت، طال أنفي. وكلّما صدقت قصر، فاكتشفت حقيقتي.


الفكرة
محمد البادي
سأل الطالب معلّمه: أعطني فكرة قصّةٍ. ردّ المعلم، إذا أعطيتك فكرةً كنت مِلكي.


الخوف
نجوى اللمكي
فتحتُ عينيّ، وجدتُ نفسي في مكان غريب، صرخت للنجدة. لم يكن أحدٌ هناك، كنت خائفة.


أكلتُ المعلّم
سارة باعبود
وعد المعلّم طلّابه بالحلوى. لكنّه في اليوم الثاني نسي الحلوى، فأكل الطلّاب المعلّم.


الأخطبوط الحزين
الصلت المعمري
سبحت سمكة خضراء اللون، فتعرّفت على أخطبوط حزين. حاولت السمكة إبعاده عن حزنه، ولم تستطع، فاستسلمت، سائلة عن حزنه، فأجابها بحزن: فاتني موسم الصيد، ثم هاجمها وأكلها.


فجأة عجيبة
مريم نصير
أثناء وقوعي صرخت. لكن قبل سقوطي على الأرض، أمسكني شيء حاد، رفعني عن الأرض عالياً. كان طائراً. في تحليقنا، رأيت وجهي على ماء البحر، وجناحين بجانبي، ثم رفعت رأسي لأنظر في عينيه الغامقتين السوداوين.
فتح منقاره الكبير، وسألني: "كاو كاو".
صرختُ مرّة أخرى.


الحلم الحقيقي
خالد الهنائي
استيقظت فجأةً في مكان غريب. لم أستطع رؤية شيء بوضوح، كنت أسمع أصوات حيوانات، وكان المكان شديد البياض. استيقظت، فرأيت نفسي نائماً في عشب المزرعة.


الظلام
بشار البطّاشي
عدت إلى البيت. كان مُظلماً، نمت وحدي في غرفة، سمعت كوباً ينكسر خارج الباب الخلفي، ركضت؛ لأرى من جاء. رأيت رجلاً من ظلّ، حدّقت في وجهه، أغمضت عيني الثانية، دخل هو بيتي، وهربت أنا، وقعت نفسي فوق الشمس. فجأة اختفى بيتي، وظلّ الرجل يلاحقني، حتى رأيت باباً بجانبي، ركضت إليه، سقطت في حفرة من الظلام، متُّ لما لامست الأرض.
استيقظت وأنا في سريري، لما أشرقت الشمس.


المرأة الجميلة
سارة المعمري
رأيت امرأة تمشي، ابتسامتها جميلة، ضحكتها مفرحة، لكن لم يكن أحد يستطيع رؤية ما في قلبها. لن يرى أحد الحزن الذي يعيش في داخلها.


نملة
مروان العدوي
نملة صغيرة، ذات جسم وعقل قادر على احتلال العالم. لكن قدم الإنسان ثقيلة جدّاً.


بكاء
هلال الحراصي
سمعتُ صوت بكاء ولدين في المقبرة، ذهبت إليهما، أشفقت عليهما، بكيت معهما، ثم سألتهما: لماذا تبكيان؟ قالا: كنّا نلعب الكرة، وصلت إلى هنا ولم نجدها.


وهم
روان البلوشيه
هل رأيت نفسك في المرآة؟
الصورة التي تراها فيها ليست ما يراه الآخرون، إن وصفت نفسك فلن يوافقك أحد على وصفك.


عبء
مروان اللمكي
أخذت كتاباً وقلماً. بدأت أدوّن حياتي، حملت في روحي عبئاً، عندما قال الزمن "حان وقت الفراق".


لا تستسلم
أحمد البرواني
ذهب الأصدقاء إلى الصحراء، قال لهم أحد إن ثمّة كنز فيها. ظلّوا يحفرون، تعبو ثم قالوا "أوف"، لكن سيفاً ظلّ يحفر حتى لمست يداه الكنز، فرح، قال لهم: انظروا، قالوا له: إنه لنا جميعاً، قال: لا، أنتم استسلمتم وأنا تعبت حتى وجدته.


العالم الغريب
سارة الجرجري
رأيت باباً لم أره من قبل في بيتي الجديد، فتحته ودخلت عالماً غريباً يشبه الفضاء، سمعت أصواتاً عالية، بعده رأيت وحوشاً مختلفة الشكل، وحيوانات لم أرها من قبل. أغلقت عينيّ ثم فتحتهما. كان كل شيء قد اختفى.


عزف
حمد الراجحي
حياتي كالبيانو، مفاتيحها بيضاء وسوداء، أجمع بينهما فيصير عزف الأيام جميلاً.


حواس
نزار العوفي
ألقينا القنابل اليدوية، سمعنا صراخ النساء والأطفال، دخلنا وأسلحتنا جاهزة لأخذ روح إنسان كالإنسان الذي صنع، وكالإنسان الذي يضغط الزناد، وكالإنسان ذي العائلة.
صريخ، صدى، رائحة بارود.

فكرتي
عمر بالخير
كنت في نهاية يوم مدرسي طويل، متعباً في حصّة اللغة العربية، أحاول التفكير في موضوع لقصّتي القصيرة جدّاً، فإذا بفكرة تخطر على بالي، ثم كتبت عن حالتي بعد يوم دراسي وشاق.


فراغ
إباء الرواحي
لا أعرف ماذا سأكتب، هرب القلم من يدي، والورقة انتحرت من فوق الطاولة.


ماذا
داليه الشرباتي
عاد خالد من المدرسة، متعلّما أن السمكة تنسى بعد ثلاث ثوان، ذهب إلى سمكته وقال: لا تنسي أبداً، ردّت عليه: ماذا؟


التعب الجميل
آلاء الغافريه
أثقلتني المعرفة، يومياً أحملها أينما ذهبت، وفي كل يوم تسقط حقيبتي على الأرض.


حُضن
عمار الطائي
صدمتني إحدى عربات القطار، فتحت عيني، كنت فوق وردة، فقالت لي: أنا أمّك. أحسّست بالسعادة لحظة أن كنت في حضن أمي مرّة أخرى.


سباق
محمد الهدابي
هربت من الواقع، استيقظت بين أجنحة الخيال أسابق الملائكة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صرخة واحدة لا تكفي
إضافةً إلى كتابه "شعلة حديقة الكلمات" الذي جمع فيه قصصاً كتبها تلاميذه، أصدر الشكيلي خمس مجموعات قصصية ورواية بعنوان "صرخة واحدة لا تكفي" (2014)، وكتاباً نقدياً بعنوان "تحليل خطاب الراوي - نماذج من الرواية العُمانية" (2014)، وهو العمل الذي فاز بـ "جائزة الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء" في العام نفسه، كما فازت مجموعته القصصية "النهايات ليست مفتوحة" بجائزة الجمعية في مجال القصّة القصيرة.



دلالات

المساهمون