جذور الحب أم الكراهية؟

جذور الحب أم الكراهية؟

06 ابريل 2018
صفوان داحول/ سورية
+ الخط -

تنسى الثقافة العربية اليوم تراثها عن الحب في غمرة صراعها مع تراث الكراهية، على الرغم من أن لدى العربي مخزونا ثريا من التراث الذي يحتفي بالحب، ويتفوّق على تراث الكراهية، سواء من حيث عدد المهتمين بالترويج له، أو من حيث نوعية الأسماء التي تتحدّث عنه.

واللافت أن معظم الذين كتبوا عن الحب أو أرّخوا له، هم من العلماء والفقهاء ورجال الدين والفلاسفة. وتضم اللائحة أسماء العشرات من الكتّاب العرب، قديماً وحديثاً، ومن بينهم فقيه معروف كابن حزم الأندلسي، صاحب الكتاب الأشهر "طوق الحمامة"، وفيلسوف شهير هو ابن سينا، صاحب "رسالة في العشق"، وفيلسوف معاصر مثل صادق جلال العظم، صاحب كتاب "في الحب والحب العذري".

ويورد عبد الكريم اليافي، في "الحب في التراث العربي"، أسماء العشرات من الكتب التي تشيد بالحب والمحبّين، ومن بينها "الزهرة"، و"مصارع العشاق"، و"روضة المحبين"، و"ديوان الصبابة". ويمكن لألف ليلة وليلة أن تكون سجلاً احتفالياً بهذه العاطفة، ففي الكثير من الليالي حكايات عن الحب والوصال والمحبين.

وربما يكون هذا الانشغال العربي بالحب قد كفى الثقافة العربية من أن تستعير أي معنى في هذا المجال من الثقافات الأخرى. ولهذا فقد مرّ كتاب رولان بارت "شذرات من خطاب محب" مروراً عابراً، على الرغم من أنه ترجم إلى العربية مرتين، من دون أن نجد تأثراً صريحاً به في الكتابة العربية المعاصرة.

وفيما يُشيع نقاد الأدب المدرسيين أن الوقوف على الأطلال ليس أكثر من خط أو موضوع شعري يعتني بالتقنيات المتوارثة، سوف يبدو الأمر أكثر جمالاً إذا ما رأينا أنه يحتفي بهذه العاطفة الإنسانية الرفيعة، أو أنه موقف وجودي يعتني بالحب والأحباب في لحظات رحيلهم وغيابهم، وليس مجرّد خط أو موضوع ينشغل بالتقنيات المتوارثة.

في مقابل ذلك، بات الكلام عن الكراهية يوضع في المؤلفات تحت عنوان "ثقافة الكراهية". وثمة من يردّد أنها ثقافة "متجذّرة" موروثة عن السلف في المجتمعات العربية، وهي ثقافة تكفير وإقصاء واستئصال تحضّ على العنصرية والكراهية والعنف.

أما الكتب المعاصرة التي تحمل هذه العناوين، فهي تعيد السبب إلى النزاعات الدينية قديماً، وإلى الإسلام السياسي المعاصر حديثاً. وحتى اليوم، يبدو أننا سنسير في سباق بين من يقول إن ثقافة الكراهية متجذّرة في التراث العربي، ومن يقول إن ثقافة الحب هي التي كانت أكثر تعبيراً عن جوهر هذا التراث. وهو رأي يتبناه باحثون أرّخوا لهذا التراث استناداً إلى أصلين: الأول هو الشعر والشعراء العشاق، والثاني هو الحكايات التي يزخر بها عن المحبّين.

لا يمكن أن ننكر أن ثقافة الكراهية لها حضور في ماضينا وحاضرنا، غير أن الأمر ليس اختصاصاً عربياً، مثلما أن الاحتفاء بالحب ليس سمة غربية ولا عربية. وعلى أي حال، فإن اختبار الحاضر والمستقبل يضعنا أمام خيار الإجابة عن السؤال: هل نحن أبناء ثقافة الكراهية أم ثقافة الحب؟ ولكلّ منّا أن يحسم أمره ويختار أسلافه.

المساهمون