محمود درويش والاستعادات المتطفلة

محمود درويش والاستعادات المتطفلة

09 اغسطس 2015
الشاعر في شبابه)
+ الخط -

يبدو أنه من الصعب أن تنجو ذكرى رحيل محمود درويش (1941 - 2008)، التي تحلّ اليوم، من كثير أو قليل من الاستعراض سيما في الفضاء الافتراضي. مناسبة تستدعي الحديث حوله؛ شخصاً أو نصّاً، والاقتباس من إحدى قصائده أو كتاباته النثرية، مرفقةً بمقطع فيديو له، وأحياناً ببعض "التهليل" المجاني والأوصاف الكبيرة مثل "العظيم" و"الكبير" وما إلى ذلك.

وعلى سيرة الاقتباسات الافتراضية، وهي أكثر ما يُنشر في استذكار أي شاعر أو كاتب، نرى جموعاً من محبّي "الشاعر الجماهيري"، تستعيد قصائده أو مقاطع منها، مثل قصيدة "درس من كاماسوترا"، المتداولة بين القرّاء تحت عنوان "انتظرها".

لكن الغريب، هو ما يُنسب لصاحب "سرير الغريبة" من عبارات ليست له، ولم ترد في أي من كتاباته ولم يتفوّه بها في أي من مقابلاته أو حواراته. مثلاً، ثمة عبارة مفرطة في الرومانسية والتهويم تقول "الساعة الآن أنا إلا أنتِ"؛ لن نجد لها أثراً في كتابات الشاعر.

نجد جملاً أخرى تتحدّث عن الأم، في غاية الركاكة، تُنسب لمحمود درويش أيضاً، والسبب واضح بطبيعة الحال، إذ إن قصيدته الشهيرة "أحنّ إلى خبز أمي"، جعلت كل جملة تمر فيها الأم تُنسب إليه عنوةً.

انتشرت مؤخّرًا صورة له، يرافقها المقطع الآتي: "بعضي لديّ وبعضي لديك.. وبعضي يشتاق لبعضي.. فهلّا أتيت؟". طبعاً، لا يمكن أن يكون صاحب "حصار لمدائح البحر" هو كاتب هذه العبارة المضحكة فعليّاً. 

كل هذا، يضعنا في مواجهة تساؤل فادح: هل قرئت تجربة الشاعر حقًّا؟ أم أن الأمر مجرّد هوس بذلك "النجم" الذي لا نعرف عنه سوى أنه "شاعر المقاومة" أو "شاعر القضية" وغيرها من التسميات التي كان يبدي ضيقه منها بعد أن أعجبته في شبابه؟

من يقرأ لكاتب بإخلاص، لا يمكن له أن يقع في مثل هذه العبارات/الفخاخ. وبإمكانه أن يُميّز ما كتبه عمّا يُنسب إليه من مقاطع بعيدة كل البعد عن أسلوبه ولغته وتراكيبه.

لكن يبدو أن أزمةً حقيقيةً تُصيب القارئ الذي يكتفي بلمعان كاتب ما وشهرته والاطّلاع على ما هو متداول حدّ الاستهلاك في تجربته، من دون أن يكلّف نفسه "عناء" قراءة هذا الشاعر أو ذاك، ما يحوِّل الكاتب إلى مساحة صالحة للاستعراض والادّعاء، نتناولها من الرف كل عام، ونتباكى على رحيله، و"يُتمنا".

المساهمون