بانيبال: وداعية دافئة لـ 2015

بانيبال: وداعية دافئة لـ 2015

30 نوفمبر 2015
"المتاهة" لـ معتز نصر الدين (تصوير: سيزار بونيفازي مارتينوز)
+ الخط -

هذا العدد الأخير لعام 2015، المعنون بـ "أصداء"؛ توليفة جميلة وممتازة من الأعمال التي تعكس المواهب الأدبية المتنوعة في العالم العربي اليوم.

في الأدب العربي المعاصر، ثمة اتجاه لإبداع شكل أو نموذج من الأعمال التي يمكن تسميتها بالسيرة أو السيرة الذاتية تجمع بين التاريخ الفعلي وشخصيات معاصرة أو متخيَّلة (الأمر الذي لا يعد بحد ذاته خارجاً عن المألوف) لكنه، بين يدي هؤلاء الكتّاب، يتيح لهم، من خلال السيناريوهات والشخصيات، إنجاز تحليلٍ ودراسة خلاقتين وأصيلتين ومعمقتين للقضايا الرئيسية التي واجهت وتواجه مجتمعاتهم في الماضي أو الحاضر. وهنا يردّد التاريخ والذاكرة والحياة الواقعية صدى بعضهم بعضاً ويغني كل منهم للآخرين جديد أغنياته.

في مقدمتها لكتاب نجيب محفوظ "أصداء السيرة الذاتية"، كتبت نادين غورديمير "هذه النصوص هي تأملات تُردّد صدى ما كان وما يحدث". فهل أجرؤ على القول إن نصوص العدد 54 من بانيبال هي الأخرى مثلها بالضبط: تأملات عميقة مبدعة تتيح للقارئ أن يستكشف ويطوف في حقول إبداعية فسيحة يتمازج فيها الخيال والتاريخ والذاكرة والحياة الواقعية؟

يمثل الكتّاب الذين سنقرأ لهم في عددنا الجديد، بانيبال 54، مدى من الأصداء الحقيقية للحياة في أساليب إبداعية متعددة تفخر بانيبال بنشرها في ترجماتها الإنكليزية. وكلنا أمل في أن يلتفت إليها الناشرون ويقدّمونها للقرّاء في أنحاء العالم في ترجمات كاملة.

في رواية بدرية البشر، "غراميات شارع الأعشى"، تغرم عزيزة بالأفلام المصرية التي تشاهدها في تلفازها الأسود والأبيض، تلك التي يستحيل مقارنة أحداثها بصراعات الحياة الواقعية التي تخوضها يومياً، مثل اضطرارها إلى أن تكون مجرد مراقبة صامتة لحب متفتح لكن خفي يجهضه زواج قسري.

أما الكاتب المغربي محمد برادة فقد أبدع في عمل روائي تاريخي ساحر وأصيل "بعيداً من الضوضاء، قريبا من السكات" حيث نرى راجي، الخرّيج العاطل عن العمل، وهو يستغل عمله المؤقت ممساعداً لمؤرخ يجمع المعلومات لمشروع يتعلق باستقلال المغرب كي يكتب روايته الخاصة متنقلاً بين زمني ما قبل الاستقلال وما بعده.

تفتتح ابتسام عازم هذا العدد بمقتطفات من روايتها "سِفْر الاختفاء"، وهي مطارحات متخيّلة لعبور التاريخ والذاكرة ذهاباً وإياباً، تجري أحداثها في تل أبيب ويافا في غضون 48 ساعة بعد استيقاظ الإسرائيليين من النوم واكتشافهم أن الفلسطينيين برمتهم قد اختفوا.

 وثمة شاعران رائعان: عماد فؤاد الذي يستحضر ذكريات مغامراته الطفولية مع جدّه، ذكريات حب متقد، وموت موجع وإخلاص خجول؛ وجليل حيدر الذي يروي لنا في قصيدته "أسد بابل" حكاية أرض وطنه العراق، تلك الأرض التي عمّها الخراب برغم تاريخها الغني العريق، في قصيدة تغلي بالغيض والحزن والسخرية المريرة.

أما رواية أمين الزاوي "اليهودي الأخير في تمنطيط" التي تدور أحداثها في جزائر العصور الوسطى فهي قصة متخيلة عن فتى وفتاة أحدهما مسلم والآخر يهودي يتناوبان رواية حكاياتهما وتقاسم الذكريات وقصص الحب والأحقاد والرغبات المستعرة. والنص المقتطف المنشور هنا يتعلق بخالة تزوجت خمس مرات حتى لقبت بـ "آكلة الرجال".

وتصحبنا قصة إسماعيل غزالي القصيرة "الحديقة اليابانية" في حكاية حب ورحلة فنتازية عبر حديقة من قصائد الهايكو الياباني. أما قصة "المراجم" لنورة محمد فرج فهي استكشاف مثير للفضول في أعماق العلاقة بين التأنيب اللفظي والجسدي تقوم به فتاة قطرية شابة وهي تبحث في كتاب قديم عن "الشتائم".

وتعد مقالة حسين الموزاني حول لغته الأم (أو بالأحرى الافتقار إليها والانتقال اللغوي الذي رافق تنقله بين البلدان) مساهمة غنية في سؤال العلاقة بين اللغة والهوية.

 كثيراً ما سُئلنا عن سبب عدم نشر بانيبال للنصوص المسرحية، وهي الجنس الذي يلعب دوراً حيوياً في الإنتاج الأدبي العالمي. وها نحن نستجيب في هذا العدد للحماس المتنامي لهذا الحوار الدرامي الثلاثي الأبعاد بنشرنا لأول ترجمة إنجليزية كاملة للنص المنقح لمسرحية "حمّام بغدادي" للمؤلف والمخرج المسرحي العراقي المتميز جواد الأسدي.

وكان كتابه السير-ذاتي عن "درب آلامه" في المسرح المعنون "مسرح النور المر" قد صدر أثناء اشتغالنا على ترجمة مسرحيته، وهذا ما دعانا إلى بعض التوسع بغية إفساح المجال لنشر مقتطفات من سيرته المسرحية المهمة.

ولأن بانيبال كانت متحمّسة على الدوام لتطوير الحوار الأدبي بين الثقافات والكتّاب، فقد واصلت التعاون مع مهرجان برلين الأدبي العالمي لنقدم للقراء في زاويتنا المعنونة "الأدب الضيف" نصوصاً لأربعة من الأدباء العالميين الذين يكتبون هنا عن "مستقبل المدن" حيث يقدم رودي دويل من إيرلندا، راوي الحاج من لبنان/كندا، بيريهان ماغدين من تركيا وبوعلام صنصال من الجزائر وفرة من الزاد الفكري من خلال نصوصهم الأصيلة الواسعة المدى حول القضايا التي تواجه المدن الكبرى في عالمنا المعاصر مثل التمدن المتزايد، كثافة السكان، التغير المناخي، الأصولية الدينية والتنامي المتسارع لتكنولوجيا الإنترنت والكومبيوتر.


* ناشرة المجلة (الصورة)


اقرأ أيضاً: بانيبال.. أن تكوني جادة في السابعة عشرة

المساهمون