موسى بيدج: همزة وصل بين ضفّتين

موسى بيدج: همزة وصل بين ضفّتين

25 نوفمبر 2016
موسى بيدج (العربي الجديد)
+ الخط -

رغم مساهمات طيبة من هنا وهناك، فإن الشاعر والمترجم الإيراني الكردي موسى بيدج يرى أن حقل الترجمة بين الثقافتين العربية والإيرانية ليس على ما يرام، خصوصاً في الترجمة من الإيرانية إلى العربية رغم أواصر القُربى بين الثقافتين، وعزا ذلك إلى انشغال العرب والإيرانيين معاً في ترجمة الآداب الأجنبية، لافتاً إلى "انعكاس ظلال السياسة على الآداب والفنون أحياناً".

جاء حوار "العربي الجديد" مع بيدج إثر المحاضرة التي ألقاها، مؤخراً، في "النادي الثقافي" في مسقط، وكان موضوعها "الشعر المُلمّع والتراث العربي" حيث اعتبر أن هذا اللون من الشعر الفارسي الذي أدمج أبياتاً عربية في قصائده، أبرز شواهد الوصل بين ضفتين إذ إنه "نمط عاش طویلاً في قلوب الشعراء والناس في بلادنا، وکان جسراً للربط بین ضفتین تشكّلان معاً المشهد الثقافي في منطقتنا منذ القدم، واستمر هذا الفن منذ القرن الثالث الهجري وحتى وصول الحداثة، التي حوّلت أنظارنا نحن والعرب نحو الآداب الغربیة".

يعود تقليد الشعر الملمّع وفقاً لـ بيدج "إلى أكثر من ألف عام ويعتبر الشاعر شهيد بلخي (توفي 320هـ) من أوئل من كتبوا هذا اللون من الشعر، ثم تبعه شعراء كبار مثل حافظ وسعدي الشيرازيين وجلال الدین الرومی والجامي والخاقاني وغيرهم" ممن تفننوا في كتابة هذا الشعر الذي يتغنّى بالمحبّة والمحبّين وأشواقهم.

ضرب بيدج أمثلة من المُلمّع الذي يقوم فيها الشاعر الفارسي بمجاراة الشاعر العربي شطراً بشطر على نفس الوزن والقافية والمعنى كقول حافظ الشیرازي: "از خون دل نوشتم نزدیك دوست نامه/ إني رأیت دهراً من هجرك القیامة"، وترجمة الشطر الأول من الفارسیة بمعنى "کتبتُ بدم القلب إلی الحبیب رسالة قلت فیها/ إني رأیت دهراً من هجرك القیامة".

ومثال آخر لسعدي الشيرازي: "سل المصانع رَکباً تهیم في الفلوات/ تو قدر آب چه داني که در کنار فراتي". وترجمة الشطر الثاني من الفارسية بمعنى "أنت الذي تعیش قرب الفرات لا تعرف قیمة للماء، إنما علیك أن تسأل الهائمین في الصحاري والفلوات".

بيدج، وهو صاحب مساهمة أساسية في وصل الأدبين العربي والإيراني من خلال قرابة 40 كتاباً، يقف في حديثه مع "العربي الجديد" عند زمنين من العلاقة بين الثقافتين العربية والفارسية وفي ما بعد الإيرانية، حيث انفتاح الثقافة العربية على الأدب واحتضانها لكل من كتب فيها: "كان جلياً في العصور الأولى للثقافة الإسلامية والفترة العباسية فهناك بشار بن برد وأبو نواس ومهیار الدیلمي والطغرائي وابن المقفع وابن العمید والصاحب بن عباد وسیبویه والفیروز آبادي فضلاً عن شاعرة عربية تدعى رابعة العاشقة كانت تكتب الشعر بالفارسية وليس العربية، وغيرهم العشرات من الکتاب والشعراء والمفكرین، وفي المقابل نری المتنبي یسافر إلی شیراز لیکتب قصیدة فیها ويصف شِعب بوّان وهو في طريقه إليها".

لكن الصورة تختلف عند الوقوف اليوم عند راهن العلاقات بين الثقافتين: "إذا أتينا إلى العصر الحاضر فيمكن القول بأن المجتمع الثقافي الإيراني قد تعرف أکثر على الأدب العربي الحديث، إذا ما قارناه بما يعرفه العرب من الأدب الإیراني الحدیث عبر الترجمة من العربية الی الفارسیة، فهناك على الأقل ثلاثمائة کتاب مترجم من الشعر والنثر العربي"، ويضيف صاحب "أجنحة للهبوط" أن "العلاقة الثقافية الأدبية بين الضفتين ليست جيدة ولا تواکب حدثاً عنوانه "الأدب الحدیث" فالصورة عن أدب الآخر لیست مكتملة وتحتاج للكثير من العمل".

لكن بيدج يبدو تفاؤله رغم الواقع المُر على حد وصفه: "هناك واقع مُر لكن الأمر قد تحسّن الیوم، فدور النشر تطلب ترجمة بعض الأسماء مثل نزار قباني ومحمود درويش ونجیب محفوظ وجبران خلیل جبران وغادة السمان، رغم أنها تفکر بربحها قبل جودة النص، وهذا شيء يمكن فهمه، لكن المؤكد بأن معاییر الترجمة قد تغيّرت في السنوات الأخيرة وما زلنا في أول الطریق نحو التواصل والتعرف علی الآخر، ومن المؤکد أيضاً أننا نحتاج إلى مشروع کبیر یحمل في طیاته العشرات من الكتب للترجمة بین الطرفین، لعلّ وعسى أن ننتقل من مرحلة الغرابة إلی القرابة".

وفي سؤالنا عن مدى تأثير جذوره الكردية في تقريب الثقافتين العربية والإيرانية، يشير بيدج، المنتمي للغات ثلاث، إلى أنه ينتمي إلى "إقليم الأدب عبر هذه اللغات الثلاث ولا يرى نفسه بعیداً عن أي منها مضيفاً: "صحیح أن الجسد یحمل اسماً وجواز سفر ویتبع بلداً ما، لكن الروح قادرة على اجتياز الحدود و اللغات دون تأشيرة مسبقة".

ترجم موسى بيدج لشعراء عرب من بلاد الشام والعراق والجزيزة العربية وشمال أفريقيا، وترجم في المقابل لشعراء إيرانيين كثر إلى العربية، وعن أسباب حضوره كمترجم في الثقافة العربية أكثر من حضوره كشاعر، وأيهما أقرب إليه الشاعر أم المترجم، يقول:

"أکید أنا شاعر قبل أن أکون مترجماً، فلولا الشاعریة لما تسنّى لي أن أترجم هذا الكم الكبیر من الشعر العربي والفارسي إلی اللغة المقابلة، ولكن حضوري کمترجم وغیابي کشاعر یعود سببه إلی أنني نذرت قلمي لیکون همزة وصل بین ضفتین للأدب، هذه جانب، أما الجانب الآخر هو أن مجموعاتي الشعریة لا تتعدی الخمس بینما صدر لي في الترجمة حوالي أربعین کتاباً، مع هذا أنا أعتبر ترجماتي من الشعر العربي والفارسي هي قصائد من إنشادي أیضاً لأنني أصهر فیها من روحي لتكون شعراً ولیس ترجمة وحسب".

وفي ذات السياق يؤكد بيدج أنه يخضع لذائقته الشعرية في اختيار الشعراء الذين يترجم لهم، فالذائقة الشعرية على حد قوله: "البوابة الأولی لاختيار قصیدة ما للترجمة، فلو لم تكن القصیدة مناسبة وملائمة لجمالیة روح المترجم لما تمکن من نقلها إلی لغة أخری، وإذا کان مجبراً علی ذلك فستنحصر القصیدة في خانة الترجمة ولیس الإبداع، هذا هو دیدني في الترجمة، ولكن لكل قاعدة استثناء، فأنا قررت مع نفسي أن أعمل علی صناعة بانوراما للشعر العربي في إیران وللشعر الإیراني عند العرب، هكذا من الممكن أن تكون بین ترجماتي قصائد لا تتفق مع روحي".

وكان لا بد أن يصل حديثنا مع الشاعر إلى مجلة "شيراز" التي يرأس تحريرها ويرعاها كنافذة باللغة العربية على الأدب الإيراني، حيث نشرت المجلة في أعدادها الـ19 قصائد لحوالي مائة شاعر إيراني، ونفس العدد من القصص، بالإضافة إلى دراسات وحوارات ومواد أخری تعمل على تعريف القرّاء العرب بالأدب الإیراني الحدیث.

"شيراز" بتعبير بيدج هي "محاولة لرأب الصدع بین ضفتین قریبتین" وهو يعي بأن الطريق ما زالت طويلة: "في جميع الأحوال إن لم تکن نافذة فلعلّها "نویفذة" تقوم بضخ أوکسجین الأدب من ضفة إلی أخری".

المساهمون