نصر حامد أبو زيد.. مشروعية السؤال العقلاني

نصر حامد أبو زيد.. مشروعية السؤال العقلاني

05 يوليو 2014
+ الخط -

بمناسبة مرور 71 عاماً على ميلاد المفكر الإسلامي الراحل نصر حامد أبو زيد، (5 تموز/ يوليو 1943 - 10 تموز/ يوليو 2010)، عُرض مؤخراً في مقر "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" الفيلم الوثائقي "علامة نصر" عن سيرته الشخصية والفكرية، وهو من إخراج مها شهبة وسيناريو محمد حربي.

يتناول فيلم "علامة نصر"، الذي أخذ اسمه من جملة في قصيدة عن أبو زيد للشاعر زين العابدين فؤاد، سيرة المفكّر من "قحافة" في محافظة الغربية حتى "لايدن" في هولندا، محاولاً الإجابة عن تساؤلات كثيرة بقيت مفتوحة حتى بعد رحيله، حيث يراه بعضهم امتداداً لمفكري الحركة التنويرية المصرية من أمثال الإمام محمد عبده وطه حسين وأمين الخولي، بينما يراه أصحاب الرؤى الضيقة مجرّد خارج عن الدين.

يتوقف الفيلم عند حياة أبو زيد في قريته "قحافة"، ثم عمله في "المحلة الكبرى" كفنّي لاسلكي، حيث أكمل تعلميه في كلية الآداب بالقاهرة لينتهي محاضراً وأستاذاً زائراً في أهم الجامعات في الخارج. وفي هذا السياق، يقارب مسألة انتمائه إلى عقيدة جماعة "الإخوان المسلمين" في مرحلة الشباب، ثم انتقاله إلى الاتجاه العقلاني.

ويركّز الفيلم على حياة وإنجازات أبو زيد من الناحيتين الإنسانية والفكرية من خلال عدة شهادات، أهمها شهادة زوجته ابتهال يونس، التي وقفت إلى جانبه في جميع مراحل حياته مواجهةً معه أزمة تفريقها عنه على خلفية تكفيره.

كما يقدم الفيلم شهادة الشاعر زين العابدين فؤاد، أحد أصدقاء أبو زيد منذ مرحلة الجامعة وحتى رحيل نصر؛ وحتّى شهادة جابر عصفور، رفيق "مجموعة المحلة"؛ إضافة إلى شهادات لأستاذ "الحديث" في الأزهر آمنة نصير، وللقطب الإخواني السابق عبد المنعم أبو الفتوح، وللقاص سعيد الكفراوي، رفيق "مجموعة المحلة" التي كانت تضم عدداً من ألمع الشعراء والمبدعين والنقّاد في الستينيات.

ولا يهمل الفيلم زملاء أبو زيد في جامعتي لايدن وأوترخت بهولندا، والمحامية منى ذو الفقار، إحدى أعضاء فريق الدفاع عنه إبّان قضية تكفيره.

وبعد العرض، جرى حوار مفتوح تحدث فيه كاتب السيناريو الشاعر محمد حربي، الذي أجرى حواراً مع أبو زيد في جريدة "الأهرام" (1991)، بعد صدور كتابه "مفهوم النص"، وبقيا صديقين حتى رحيل المفكّر. كما تحدث الشاعر زين العابدين فؤاد، والكاتب والباحث في الإسلاميات محمد الدخاخني. أما الحوار فأداره الباحث في "المبادرة المصرية" عمرو عزت.

وحول سؤال: ماذا بقي من أبو زيد؟ أجاب حربي: "أروع ما قدمه في إعادة تحليل الخطاب الديني هو أنه طرح أسئلة ولم يجبرنا على تبني إجابات. إذ اعتبر أنه لا يوجد سؤال غبي بل أجوبة غبية، وأن أي سؤال مشروع، ولهذا لم يتأخر في الرد على أي سؤال مهما كان مستواه".

وأضاف حربي أن أبو زيد كان يمثّل خطراً على السلطة لا على الدين أو المجتمع. ففي خطابه الديني انتقد الأشاعرة الذين جعلوا من الحاكم ظل الله على الأرض داعين إلى طاعته وعدم الخروج عليه. ولو ظلّ أبو زيد حياً حتى أيامنا لبلور وطوّر خطابه ضدّ الخطاب ذي النزعة التي تتاجر بالدين ورموزه بشكل مبتذل. فمن المعروف أنه رفض كل سلطة تأخذ من الشعب حقه، لكنه بالمقابل كان سيُصدم من النتيجة التي وصلنا إليها، حيث أيّد المثقفون رئيساً عسكرياً "للحفاظ على الدولة المدنية".

وأكد الباحث محمد الدخاخني أن صاحب "نقد الخطاب الديني" كانت لديه حساسية ضد أي نوع من السلطة (تراث، دولة، عسكر)، لذلك يعتبر خطابه هامشياً على الساحة الإسلامية (الإسلام الرسمي أو التنوير الحكومي)، وكان لديه مشكلة مع المادة الثانية من الدستور المصري (الشريعة هي مصدر الدستور)، التي بموجبها كانت السلطة تستخدم الدين بما يناسبها، وبالتالي كان عمل أبو زيد يقوم على خلخلة أي سلطة تحاول احتكار المعنى الديني.

أهمية هذا الفيلم تكمن في سعيه إلى بلورة نوع جديد من الجدل الثقافي وسط الكم الغثّ من الجدل السياسي العقيم، الذي حوّل كثيراً من المثقفين إلى ببغاوات تردد ما تقوله السلطة، أو تناهضها، من دون إعمال العقل والانخراط في حوار جدّي حول العقلية السائدة اليوم، التي لا تحرّض إلا في اتجاه واحد، فتقود إلى الجمود الفكري من جديد.

دلالات

المساهمون