كيف عاشت القاعدة الأميركية في تركيا ليلةَ محاولة الانقلاب؟

كيف عاشت القاعدة الأميركية في تركيا ليلةَ محاولة الانقلاب؟

04 اغسطس 2016
تركيا أغلقت المجال الجوّي حول أنجرليك(Ozge Elif Kizil/ Getty)
+ الخط -
ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، في تقرير لها من داخل قاعدة أنجلريك الجويّة، أنّه، خلال الليلة الأولى للانقلاب، أعطى برج القيادة التركي الأميركي المشترك إذناً لإحدى طائرات التزوّد بالوقود للإقلاع من المطار، دون علم الأميركيين، قبل أن تنقطع الأنوار عن القاعدة بحدود الساعة الثانية صباحاً، حينما أغلقت السلطات التركية مصادر الطاقة مترامية الأطراف في المكان، إيذاناً ببدء ما يشبه "الحصار" حول القاعدة المشتركة.

وأفادت الصحيفة أنّه، لحظة وقوع الانقلاب، كان العقيد في سلاح الجوّ الأميركي، ديفد تروكسا، على رأس مهامّه، منذ أسبوعين، يقود طائرات الهجوم الأرضي، وطائرات التزوّد بالوقود، قبل أن يتّصل به الرجل الثاني في القيادة ويطلب منه متابعة الأخبار، وذلك كان أوّل إشعار له أنّ ثمّة انقلاباً يجري خارج القاعدة.

إثر ذلك؛ بدأ تروكسا، على الفور، باستدعاء القيادات العسكريّة في القاعدة، بالإضافة إلى الموظّفين الرئيسيّين الذين كانوا قد بدأوا للتوّ عطلتهم الأسبوعيّة، عقب أسبوع طويل من المهمّات الجويّة.


وخلال حوارٍ أجراه مع مجموعة صغيرة من الصحافيين في قاعدة أنجرليك، والتي تعدّ نقطة رئيسيّة في الهجمات ضدّ "داعش"، قال تروكسا: "انقطعت الكهرباء فجأة لحظة علمي بالأخبار، وكان ثمّة جزءٌ من قوّاتنا لا يزال محلّقاً في الجو"، مردفاً: "كان السؤال الذي يشغلنا هو: ماذا نفعل في حال تمّت مهاجمة القاعدة؟ كثير من الأمور كانت تجري بسرعة في فترة زمنيّة قصيرة".

ورغم انقطاع الكهرباء إلّا أنّ المكوّنات الرئيسية للقاعدة ظلّت تعمل، بما في ذلك وسائل الاتّصال، كما يقول تروكسا، ذاكراً أنّ مولّدات الطاقة باشرت العمل فوراً لحظة انقطاع الكهرباء، وقد ظلّت القاعدة معتمدةً عليها حتّى عودة التيار في 22 تمّوز/ يوليو.

وقال تروكسا: "مع وجود نظام طاقةٍ معدٍّ لحالات الطوارئ؛ كان بوسعنا التواصل مع العالم الخارجي واستعادة طائراتنا إلى المدرّجات".

وأثناء انقطاع التيار، كان الرّقيب أوّل، ديريك جوود، يحاول الوصول إلى سبعة من جنوده، غالباً لم يكن أحد منهم يعلم عن الأمر. جوود، الذي يستخدم "الفيسبوك" للتراسل مع مرؤوسيه، اضطرّ، بدلاً من ذلك، إلى قيادة عربته باتّجاه مساكن مجنديه، وطرق أبوابهم لإيقاظهم.

ومع حلول الفجر، عاشت القاعدة في حالة تأهب قصوى، وكانت قوّات الأمن الأميركية التابعة لسلاح الجوّ قد صعّدت من دوريّاتها حول المواقع الأميركية من المطار.

لاحقاً، بعد الفجر، أغلق الجيش التركي المجال الجوّي حول أنجرليك أمام طائرات الاستطلاع الأرضي، والطّائرات الهجوميّة التي كانت تُستخدم في الحرب ضدّ "الدولة الإسلاميّة" في سورية.

أحد المسؤولين الأميركيين في بغداد قال للصحيفة، رافضاً الكشف عن اسمه، إنّه "على الرّغم من أنّ الطائرات الحربيّة الأميركية لم تتمكّن من الإقلاع لأكثر من يوم واحد فحسب؛ إلّا أنّ العمليّات في المنطقة قد تأثرت بشكل واسع".

وأضاف المسؤول ذاته أنّ القتال حول مدينة منبج، وهي نقطة رئيسيّة في شمال سورية يستخدمها "داعش" لضخّ مقاتليه إلى ساحات القتال، كان قد انقطع بشكل مؤثّر حينما اختفى الدعم الجوّي للقوّات المحليّة المقاتلة على الأرض.

وحينما بدأت محاولة الانقلاب كان برج السيطرة في القاعدة قد سمح لواحدة من طائرات التزوّد بالوقود (كي سي 45)، على الأقلّ، بالإقلاع، مع العلم أنّ البرج يُدار من قبل القوّات الجويّة التركيّة والأميركية معاً، لكنّه يقع تحت سلطة الأتراك.

هذه الطائرة، بحسب ما ورد، كانت قد ساعدت عدداً من طائرات "اف 16" المقاتلة، والتي تمّت السيطرة عليها من قبل الانقلابيين الذين قصفوا مبنى البرلمان ومؤسّسات حكوميّة أخرى.

ولكن لحظة تهاوي الانقلاب، تحرّك الجنرال، بكير فان، والذي يُرجّح أنّه كان المسؤول عن إعطاء الإذن بإقلاع طائرة الوقود؛ واتّصل بنظرائه الأميركيين طالباً اللجوء، وفقاً لمسؤولين أتراك وأميركيين.

وكان جواب الأميركيين وقتَها أنّه ليس بوسعهم فعل أيّ شيء طالما أنّ القاعدة في الأراضي التركية، ثمّ في وقتٍ لاحق من ذلك الصباح اقتحمت الشُّرطة الوطينة التركية القاعدة بسلاسة، وألقت القبض عليه.

وقال جوود إنّ الشرطة التركية ظلّت تتردّد بشكل دوري على القاعدة في الأيام اللاحقة، وتقبض على أعضاء من سلاح الجوّ التركي في القاعدة، مضيفاً أنّهم كانوا يحضرون دون إنذار، لكن من دون أن يفتّشوا أيّاً من المرافق التابعة للولايات المتّحدة، أو يستجوبوا أيّ موظّف أميركي.

وخلال الأيّام التي تلت الانقلاب، كانت ثمّة احتجاجات دوريّة بالقرب من القاعدة، نتيجة ازدياد حدّة مشاعر العداء للولايات المتّحدة بسبب مزاعم مشاركتها في "الانتفاضة الفاشلة"، حسب تعبير "واشنطن بوست"، غير أنّ العمليات في القاعدة عادت تدريجيّاً إلى وتيرتها الطبيعية.

وكانت الولايات المتّحدة قد نفت أيّة تورّط لها في الانقلاب، إذ التقى رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال، جوزيف دانفورد، الإثنين، مسؤولين أتراكاً رفيعي المستوى لمناقشة التعاون بين البلدين، بما يشمل وجود الولايات المتّحدة في قاعدة أنجرليك.

وقال دانفورد عقب الاجتماع: "الشيء الذي كان واضحاً بالنسبة لي هو أنّني والأتراك نؤمن بأنّ العمل المشترك بيننا ضدّ الدولة الإسلاميّة هو جحيمٌ يظلّ أفضلَ بكثير من عدم عملنا معاً".