هجمات كركوك الدامية: محاولات لتوظيفها سياسياً

هجمات كركوك الدامية: محاولات لتوظيفها سياسياً

01 يونيو 2019
أوقعت التفجيرات 41 قتيلاً وجريحاً (علي مكرم غريب/الأناضول)
+ الخط -
ما زال الآلاف من قوات الأمن العراقية مرابطين وسط مدينة كركوك وضواحيها (250 كيلومتراً شمالي بغداد) بعد تفجيرات دامية ليلة أمس الأول الخميس، تسبّبت بمقتل وإصابة 41 عراقياً، بينهم عناصر أمن، وفقاً لآخر تحديث لإحصائية الضحايا صدرت عن وزارة الصحّة في بغداد أمس الجمعة، وذلك من جرّاء انفجار ست عبوات ناسفة بشكل متزامن في مناطق مكتظة بالسكان وسط المدينة، التي تشهد تنافساً مبكراً بين مكوّناتها السياسية الثلاثة العربية والتركمانية والكردية، استعداداً لانتخابات مجالس المحافظات نهاية العام الحالي، التي ستتشكل على ضوئها الحكومات المحلية في المحافظات العراقية بما فيها العاصمة بغداد.

وعلى الرغم من عدم وجود ما يشي بأن الاعتداءات الدامية توجد خلفها أطراف غير تنظيم "داعش" وخلاياه الإرهابية في المدينة، إلا أنها وُظّفت فعلاً في الساعات الماضية من قوى عديدة في المدينة، فالتفجيرات وقعت غالبيتها في مناطق وأحياء تركمانية وعربية مختلطة، مثل شارع القدس وطريق بغداد وشارع التربية ومول السلام وبلازا مول، ما دفع بقيادات سياسية عدة في المحافظة المختلطة قومياً إلى التلميح إلى أنها تفجيرات إجرامية وليست إرهابية، في إشارة إلى وجود أجندات سياسية وراءها، قاصدين دعوات الكرد المتصاعدة وضغوطهم لإعادة البيشمركة إلى المدينة والمشاركة في ملف حفظ الأمن.

وأكد مسؤول عراقي في قيادة شرطة كركوك، طلب عدم ذكر اسمه لـ"العربي الجديد"، الحصول على تسجيلات من كاميرات مراقبة عامة ترصد سيارة تويوتا بيضاء اللون، يضع من فيها أجساماً غريبة داخل حاويات النفايات التي انفجرت فيها العبوات الناسفة، موضحاً أن "كل العبوات الستّ التي انفجرت كانت داخل حاويات النفايات، وقوات الأمن فككت اثنتين أيضاً داخل حاويات نفايات". وكشف أن عمليات البحث جارية عن السيارة التي تم رصدها مع أول رقمين من لوحتها المثبتة عليها، على الرغم من أن هناك خشية من أنها باتت خارج المدينة الآن. وحول الانتشار الأمني المكثف في المدينة، أكد المسؤول أنها تأتي بالتزامن مع تشييع الضحايا إلى مثواهم الأخير وخوفاً من حدوث احتكاك خلالها، بسبب تصعيد سياسي من عدة شخصيات لمّحت إلى تورط سياسي فيها.

وسبقت التفجيرات تحذيرات قبل أيام من قوات الأمن، طالبت السكان باليقظة وملاحظة الغرباء والإبلاغ عن الأجسام المشبوهة، التي جاءت بسبب تخوّف مسبق من الشرطة من تكرار تفجيرات الخامس والعشرين من رمضان 2018، التي راح ضحيتها عدد من المواطنين.
وذكر النائب في البرلمان العراقي خالد المفرجي، في بيان له، أن جهاز المخابرات أبلغ قبل يومين قوات الأمن، وبالذات الشرطة المحلية، عن إمكان وقوع هجمات، وحدد مكانها في شارع القدس، مطالباً بفتح تحقيق موسع في هذه التفجيرات. وفي تلميح إلى كونها تفجيرات قد تكون خارج نطاق الهجمات الإرهابية لـ"داعش"، أوضح المفرجي، وهو قيادي عن المكوّن العربي في كركوك، أن التفجيرات لن تنجح في إرجاع كركوك إلى الوراء، في إشارة إلى رفض دعوات كردية لإعادة البيشمركة إلى المدينة من أجل المشاركة بضبط الأمن.


مواقف القوى السياسية الكردية هي الأخرى جاءت متسارعة عقب التفجيرات، أبرزها لرئيس إقليم كردستان السابق مسعود البارزاني، الذي دعا إلى تشكيل إدارة مشتركة لمحافظة كركوك بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم. وأضاف: "من الضروري أن يكون هناك جهد مشترك بين كردستان والحكومة العراقية، لإدارة شؤون مدينة كركوك حتى تستمر ثقافة التعايش السلمي فيها".

من جهته، شكك القيادي في "الجبهة التركمانية" في كركوك، جاسم محمد جعفر البياتي، أن يكون المسؤول عن تفجيرات كركوك ليلة الخميس تنظيم "داعش"، مطالباً الحزبين الكرديين بإبعاد إدارة كركوك عن تنافسهما في إدارة الإقليم ومنصب المحافظ. وقال البياتي في بيان له، إن الانفجارات "كانت تخويفية وترويعية لأبناء كركوك ولكن لن تخيفهم".
وحتى ظهر أمس الجمعة، لم يتبنَ تنظيم "داعش" تلك الهجمات الدامية، وهو ما دفع بالمكوّن العربي في المدينة إلى اعتبارها سياسية أيضاً. وقال القيادي في الجبهة العربية محمد الجبوري، إن الهجمات إن لم تكن من "داعش" ولم يتبنها، "فهي مفتعلة لخلط الأوراق وإجبار الحكومة العراقية على القبول بإعادة البيشمركة إلى المدينة بعد رفضها ذلك عدة مرات"، مشدداً على أن "السكان يرفضون ذلك".

لكن العقيد في الشرطة العراقية في كركوك وسام الخالدي، قال في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن الهجمات إرهابية، والحديث عن تورط سياسي أو وجود أجندات خلفها غير صحيح، وتم توظيف الاعتداءات الإرهابية لأغراض سياسية بين القوى المختلفة في كركوك. وأضاف أن وجود سيارة حديثة استخدمها الإرهابيون، لا يعني أن هناك حزباً أو جهة تقف وراءها واستهداف مناطق بعينها، ليس لأنها تركمانية أو عربية، بل لأنها مركز تجاري، وقبل العيد الناس تتكدس للشراء والتسوق والاستمتاع بأجواء رمضان هناك، مضيفاً أن الشرطة لديها الحق باعتقال كل من يروّج لروايات قد تؤدي إلى زعزعة الأمن في المدينة وإلى فتنة.

وكان النائب الأول لرئيس البرلمان العراقي حسن الكعبي، قد طالب أمس بعقد اجتماع عاجل للرئاسات الثلاث، لبحث أسباب "التفجيرات الإرهابية" في كركوك وعدة محافظات. ودعا الكعبي في بيان له، إلى محاسبة الأجهزة الأمنية المقصرة في أداء واجبها، والإسراع بكشف الجناة ومراجعة الخطط الأمنية. وأشار إلى أهمية إبعاد المحافظات المستهدفة عن الصراعات الحزبية والفئوية والسياسية، معتبراً أن على الأجهزة الأمنية تحمّل مسؤولياتها الكاملة، والتركيز على حماية أمن وسلامة المواطنين من مختلف المكونات.

وفي أول تصريح له، طالب محافظ كركوك راكان الجبوري، الأطراف السياسية بتجنيب المحافظة تصريحاتهم "المتشنجة" تجاه كركوك، مؤكداً أن المدينة شهدت أوضاعاً أمنية مستقرة طيلة الفترة الماضية وما حصل سيتم التحقيق فيه. ودعا "الأطراف السياسية إلى الابتعاد عن التصريحات المتشنجة التي تؤدي إلى تأزيم الوضع في كركوك".

وكان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، قد خاطب في تغريدة، حكومة عادل عبد المهدي بعد تفجيرات كركوك، قائلاً: "يا حكومة العراق إما أن تتصرفي أو دعونا نتصرف"، مضيفاً: "عسى أن ننفع ولا نضر، فالشعب يعاني ويلات الجوع والتسلط والفساد بأقسى وأعلى مستوياته". وتابع الصدر: "اكبحوا جماح الفاسدين ولتعلنوها محافظات منكوبة تديرها الرئاسات الثلاث، بإشراف مباشر وبالتعاون مع الجيش والشرطة حصراً، وإلا فات الأوان".

وتعليقاً على هذا الوضع، قال الخبير في شؤون مدينة كركوك صباح بطرس لـ"العربي الجديد"، إن الهجمات إرهابية واضحة، لكن الأحزاب في كركوك جعلت الشارع يعتاد استغلال كل شيء يحدث لصالحها وإثبات صحة موقفها. واعتبر أن القول بتورط حزب أو جهة ما لغايات معينة، غير منطقي، مضيفاً أن "كركوك تغص بخلايا داعش، التي فرّت من الموصل والحويجة وتكريت واستقرت في فترة سبات منذ عامين وأكثر".