الاحتلال يناور إعلامياً: "لن نقول إن جيشنا الأكثر أخلاقية"

الاحتلال يناور إعلامياً: "لن نقول إن جيشنا الأكثر أخلاقية"

10 ابريل 2015
يمهّد عفروني لعدم فتح تحقيقات ضد جنود الاحتلال(فرانس برس)
+ الخط -
في خطوة غير اعتيادية، أفردت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أمس الخميس، صفحة كاملة لمقابلات قالت إنها أجرتها مع المدعي العسكري العام، الجنرال داني عوفروني والنائب العسكري العام العقيد أودي بن اليعيزر، بالتزامن مع اقتراب موعد نشر تقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان حول جرائم الحرب الإسرائيلية في الحرب الأخيرة على غزة والخطوات الإسرائيلية للتقليل من وطأة التقرير المرتقب.
ومهدت "هآرتس" للمقابلات بإلقاء الضوء على بعض الخطوات الإسرائيلية لمواجهة التقرير المحتمل، ومسعاها في حملة دعاية لتكريس أن نشاطها الإجرامي في الحرب جاء "كخطوات اضطرارية" تواجهها جيوش الدول الديمقراطية في محاربتها للإرهاب.
وفي السياق، استذكرت الصحيفة الورشة الدراسية التي نظمتها النيابة العسكرية الإسرائيلية في فبراير/شباط الماضي لعدد من كبار رؤساء الأجهزة القضائية في جيوش نحو 14 دولة غربية، تمحورت كلها حول "المعضلات" التي واجهها جيش الاحتلال في الحرب على غزة والقتال في "مناطق مأهولة" مع أخذ قوانين الحرب الدولية بعين الاعتبار. مع ذلك، بينت الصحيفة أن مثل هذه الورشة الدراسية، وما سبقها من إيفاد وفد من وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إلى إسرائيل غداة العدوان، للاستماع إلى أهم العبر من الحرب والمسّ بالمدنيين وقيام وفد عسكري إسرائيلي بقيادة رئيس طاقم فحص "الشكاوى" والمخالفات في هيئة أركان جيش الاحتلال، الجنرال نوعام تيفون، والجنرال داني عفروني بزيارة لواشنطن، لم تخفف من حدة وسقف توقعات الدول الغربية والمجتمع الدولي من وجوب تقديم مجرمي الحرب للعدالة وتقديم الضباط والجنود الذين ارتكبوا جرائم ومخالفات للمعاهدات الدولية للمحكمة، ولا سيما أنه حتى وفق أقل التقديرات الغربية فإن ما لا يقل عن ألف مدني فلسطيني قُتلوا في الحرب بينهم مئات الأطفال.

اقرأ أيضاً: تقرير دولي يتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب بغزة


وتكشف صحيفة "هآرتس" أن النيابة العسكرية الإسرائيلية، بحسب الصحيفة، تواجه حملة ضغوط من جهات مختلفة، دولية وأخرى عسكرية في الجيش من قبل جنرالات وضباط الجيش، ناهيك عن ضغوط اليمين الإسرائيلي، في كل ما يتعلق بالتحقيقات في جرائم الجيش، ولا سيما استشهاد عشرات الفلسطينيين في رفح في ما بات يعرف بيوم الجمعة الأسود، عندما طبق جيش الاحتلال برتوكول هانيبال، بعد اختطاف الجندي هدار غولدين في الأول من آب.
وفي هذا السياق، تقرّ الصحيفة أن المستوى السياسي الإسرائيلي يعلق آمالاً على التحقيقات الداخلية كوسيلة تمكّن إسرائيل من رد الاتهامات الدولية لها عبر الاكتفاء بالتحقيقات التي أجراها الاحتلال، علما بأن عفروني، لم يعلن بعد قراره بشأن فتح تحقيق جنائي في جرائم يوم الجمعة الأسود. كما أن المقابلة معه تبين أن ما يحدث هو في الواقع تغيير للخطاب الإعلامي لجيش الاحتلال وليس تغيير في السياسة.
وتدلل الصحيفة على ذلك بحقيقة أن الاحتلال أمر لغاية الآن بالتحقيق فقط في 19 شكوى فلسطينية، بالرغم من أن تقرير منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية أكد أن 70 في المائة من ضحايا العدوان على غزة كانوا من المدنيين.
كذلك منع جيش الاحتلال منذ نهاية العدوان عشرات الفلسطينيين من الوصول إلى إسرائيل للإدلاء بشهاداتهم حول الجرائم الإسرائيلية والمخالفات التي ارتكبها جنوده، واكتفى، لغاية الان بفتح تحقيقات في مخالفات السرقة والنهب لا غير.
ومع أن صحيفة "هآرتس" اختارت عنواناً للمقابلات يقول "لن تسمعوني أقول إن الجيش هو الأكثر أخلاقية بين جيوش العالم"، وهو ما يبدو استفزازياً للإسرائيليين، ومؤشراً على تغيير جوهري إلا أن نصوص المقابلة تبين أن عوفروني، يلجأ في واقع الحال إلى خطاب أقل "تعصباً" على صعيد التصريح فقط أما في الممارسة فالرجل يقول في المقابلة "أعتقد بأن جيشنا هو مبدئي، ويكمن جزء من قيم الجيش ومبدئيته في كونه يحقق ويفحص الشبهات بشأن وقوع المخالفات، بشكل مهني، إذا لم نقم بذلك، ستكون هناك علامة سؤال كبيرة على قيمنا". ويمهّد عفروني في المقابلة مسبقاً لعدم فتح تحقيقات جنائية ضد الجنود والضباط بالقول إن "من الواضح لنا جميعاً أننا سنقدم تقديم جندي أو قائد لمحكمة جنائية على "عمل أسود"، ولكن ليس على خطأ محتمل وقع أثناء القتال كما في حالات مثل إطلاق النار لقتل "مخرب" وإصابة مدني بطريقة الخطأ". ويضيف "أمامنا تحقيقات عديدة لا أعرف كيف ستنتهي لكننا لن نتردد". ويعني هذا في واقع الحال إبداء نوع من "الاستقلال والنزاهة علناً" كغطاء عملي للتستر على الجرائم عبر تصنيفها في خانة الأخطاء المعقولة والمحتملة.
وإذا كان ذلك غير كافٍ، فإن عفروني يؤكد بشكل لا يدع مجالاً للشك "لن نحاكم الجنود لإرضاء طرف ما. لن نقدم لوائح اتهام لترتيب المعطيات الإحصائية أو لإرضاء منظمة بتسيلم (التي تنتقد قلة تقديم لوائح الاتهامات ضد جنود الاحتلال).
ولا يخفي عفروني حقيقة أن "التحقيقات للنيابة العسكرية تسعى لتحييد المحكمة الجنائية الدولية"، فهو يعترف قائلاً "إذا تصرفنا كما يجب، فلست قلقاً من المحكمة الدولية، فهي لن تعمل لتحل محل النيابة العسكرية والدولة". على الرغم من ذلك يحاول نفي أن يكون الهدف من هذه التحقيقات هو حماية جنود الاحتلال من المحكمة الجنائية الدولية. ويقول إن ذلك أمر تعيس لأن تحقيقات الشرطة العسكرية لا تشكل بوليصة أمان للجنود من سوط المحكمة الدولية، وفقط إذا كان التحقيق واهياً وغير مهني فإن ذلك لن يردع المحكمة الدولية.
الخطاب الجديد للمدعي العسكري الإسرائيلي، هو تغيير واضح لجهة الترويج للتحقيقات التي يقوم بها الاحتلال مع جنوده، وفق معاييره هو وليس وفق المعايير الدولية المنصوص عليها والتي تحرّم المسّ بالمدنيين. فهو يعترف أنه لن يحاكم جندياً قتل مدنياً، بحجة أن القتل جاء بطريق الخطأ وأن المستهدف كان مسلحا فلسطينياً.
من جهته، يعلن العقيد بن إليعيزر أنه "ليس متحمساً للتحقيق مع الجنود والضباط إذا لم تكن هناك حاجة، فنحن نرسلهم للقتال وسأدعوهم للتحقيق فقط إذا كان هناك مبرر لذلك". ويضيف "فقط في حالات معينة، إذا ثبت وجود تجاوزات شديدة للمعايير المتوقعة من الجنود أو من الأوامر، عندها ستكون هناك حالات معينة يجب اختيارها بحرص شديد، سيتم تحويلها للتحقيق الجنائي".


اقرأ أيضاً: أفكار إسرائيلية بتحسين اقتصاد غزة لتفادي مواجهة مع "حماس"

المساهمون