ماكرون في أرض التجارب النووية التي تريد الاستقلال

ماكرون في أرض التجارب النووية التي تريد الاستقلال

05 مايو 2018
ماكرون في نوميا أمس (لودوفيك مارين/فرانس برس)
+ الخط -
بين فرنسا كدولة استعمارية، والدول التي استعمرتها، علاقات مختلفة عن معظم دول الاستعمار الأوروبي ومستعمرات ما خلف البحار. وإذا نجحت بريطانيا في التعامل مع مستعمراتها السابقة ضمن إطار الكومنولث، والخضوع للتاج البريطاني، كما يحصل في أستراليا وكندا مثلاً، إلا أن الفرنسيين ما زالوا حتى اليوم يعانون الأمرّين من مستعمراتهم، سواء في المحيط الهادئ أو في أميركا الوسطى. ومن هذه المعضلات، مشكلة كاليدونيا الجديدة، التي تحوّلت من موقع للتجارب النووية للقوات الفرنسية، إلى ساحة للمطالبين بالاستقلال عن فرنسا.

في هذا السياق، وصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم الخميس، إلى كاليدونيا الجديدة في زيارة حساسة، بعد 30 عاماً على الأحداث الدامية في هذا الأرخبيل الفرنسي في المحيط الهادئ، وقبل ستة أشهر من استفتاء حول الاستقلال في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. وسيبقى ماكرون، الذي أمضى لتوه ثلاثة أيام في أستراليا لتعزيز "العلاقة الاستراتيجية" مع هذه القارة، حتى اليوم السبت، في الجزيرة رغم الحساسيات التي أثارتها الزيارة. كما رفض قسم من السكان زيارة الرئيس الفرنسي لنصب تكريمي لناشطين من شعب الكاناك الذين ناضلوا من أجل الاستقلال وقتلوا بأيدي جنود فرنسيين قبل 30 عاماً.

ففي 5 مايو/ أيار 1988، هاجم الجيش كهف أوفيا (شرق الأرخبيل)، حيث احتجز ناشطون مطالبون بالاستقلال عدداً من عناصر الدرك، فقُتل 21 شخصاً، هم عسكريان و19 من الكاناك الذين نُفّذت بالبعض منهم أحكام بالإعدام. وماكرون هو أول رئيس فرنسي يزور أوفيا منذ تلك المأساة التي تركت صدمة عميقة في الأذهان، فضلاً عن زيارة نصب أُقيم تخليداً لذكرى أربعة دركيين قتلتهم في 22 إبريل/ نيسان 1988 مجموعة كوماندوس مؤيدة للاستقلال، والتي أخذت بعد ذلك أربعة دركيين آخرين رهائن.

وقال الرئيس الفرنسي لدى وصوله، يوم الخميس، إن "هذه الزيارة مناسبة لتكريس لحظات مهمة في تاريخنا المشترك، لحظات كانت مؤلمة في بعض الأحيان"، مشيراً إلى "الذكرى الثلاثين لأحداث أوفيا". وفي أعقاب التوترات الحادة الناجمة عن المطالبة بالاستقلال في الثمانينيات، وقعت اتفاقات بين باريس ونوميا لمنح الجزيرة الفرنسية منذ 1853، حكماً ذاتياً واسعاً. وفي 1998، أطلق اتفاق نوميا مسيرة تدريجية لإزالة الاستعمار من خلال تنظيم استفتاء حول تقرير المصير، سيجرى في الرابع من نوفمبر.


وقبل ستة أشهر من الاستفتاء، نُشرت نتائج استطلاع للرأي، يوم الأربعاء الماضي، أظهرت أن 59.7 في المائة من الأشخاص يرفضون الاستقلال، في مقابل 22.5 في المائة من الذين يؤيدونه، و17.1 في المائة من الذين لم يحسموا أمرهم. مع العلم أن الاقتصاد في كاليدونيا الجديدة يُعتبر من الأهم في منطقة جنوبي الباسيفيك، ويعتمد على استخراج النيكل بشكل أساسي. كما أن وجود فرنسا كشريك تجاري أساسي، في الاستيراد والتصدير، وغياب البدائل القريبة، قد يعرقل الأحلام الاستقلالية.

ويتألف سكان الأرخبيل الذين يبلغ عددهم 270 ألف نسمة، من نحو 40 في المائة من الكاناك، و27 في المائة من الأوروبيين، ويطلق الآخرون على أنفسهم اسم المختلطين، من أصول أخرى أو من دون انتماء. واحتمال الاستقلال عن فرنسا سيكون سابقة منذ استقلال جيبوتي في 1977 وفانواتو في 1980، المستعمرة السابقة الفرنسية ـ البريطانية، المجاورة لكاليدونيا الجديدة.

ولا تُعدّ مشكلة كاليدونيا الجديدة مستجدة، بل تمتد إلى عمق التاريخ الاستعماري الفرنسي، خصوصاً في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، إذ إن الحكومات الفرنسية المتعاقبة أجرت 193 تجربة نووية في بولينيزيا، الحيّز الجغرافي لكاليدونيا الجديدة. بدأت أولاها في عام 1966 وانتهت في عام 1996. كما أن أبرز لاعبي المنتخب الفرنسي لكرة القدم، كريستيان كاريمبو، الفائز مع المنتخب الفرنسي ببطولة كأس العالم عام 1998 وكأس الأمم الأوروبية عام 2000 وكأس القارات عام 2001، كان يرفض غناء النشيد الوطني الفرنسي، معتبراً أن "عائلتي شأنها شأن العديد من عائلات دولة كاليدونيا الجديدة، تعرضت لتجارب سيئة، لا أستطيع غناء النشيد الوطني الفرنسي لأني أعرف تاريخ بلدي".

(العربي الجديد، فرانس برس)