رفض مشروع ميزانية 2017 يجمع الأحزاب التونسية

رفض مشروع ميزانية 2017 يجمع الأحزاب التونسية

19 أكتوبر 2016
حراك تونس الإرادة يدعو إلى اقتصاد تضامني (أمين الأندلسي/الأناضول)
+ الخط -
تواجه الحكومة التونسية سيلاً من الانتقادات لمشروع ميزانية عام 2017، مع اعتراض الاتحاد العام للشغل على بعض بنوده، وهو أمر قد يمتد ليطاول حكومة الوحدة الوطنية. ولم تكد الحكومة التونسية تطرح مشروع قانون الميزانية، حتى سارعت الأحزاب إلى إصدار بيانات، بالإضافة إلى وقفات احتجاجية، ضده، خصوصاً وأنه يتضمن إجراءات جديدة لم يتعوّد التونسيون عليها، ما دفع حتى الأحزاب المنضوية في الفريق الحكومي إلى التعاطي بحذر شديد مع المشروع. ويتوقع أن تنتقل هذه الصراعات إلى البرلمان، مع انطلاق دورته الجديدة.
لكن الإشارات الصادرة، حتى الآن، تنبئ أنه لن يتم المصادقة على هذه الميزانية بسهولة، خصوصاً مع معارضة الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر منظمة نقابية في البلاد. لكن الاتحاد ليس المنظمة الوحيدة التي تعترض على بعض بنود الميزانية، فمنظمة الصناعة والتجارة (رجال الأعمال) أعربت أيضاً عن حذرها. 

وانتقد حراك تونس الإرادة، حزب الرئيس السابق منصف المرزوقي، ما وصفه بالارتجال، الذي انعكس في ابتعاد الحكومة بشكل كبير عن أهمّ المنظمات الوطنيّة، واستسلام الحكومة لشروط وإملاءات صندوق النقد الدولي وتجاهلها خصوصيات الوضع في تونس، ومواصلتها سياسة ترضية لوبيات المال والأعمال المقربة منها. واعتبر "الحراك" أن كلّ ذلك يرتبط بوضع تنموي اقتصادي ثبت فشله، واندلعت الثورة لاستبداله باقتصاد تضامني قائم على التنمية المحليّة الشاملة والمستدامة. ورأى أن "مواطني جمنة أظهروا أن الاقتصاد التضامني يمكن أن يكون حلاً حقيقياً ومجدياً للخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً إذا ما اقترن بتفعيل جدي للامركزية والحكم المحلي وبقانون إطاري للاقتصاد التضامني". وتقع منطقة جمنة الصحراوية في محافظة قبلي، جنوب تونس، ونظمت قبل فترة وجيزة مزاداً علنياً، أدى إلى بيع صابة تمور "واحة المعمر" أو "هنشير ستيل"، في أرض تعود ملكيتها للدولة التونسية، ما أثار جدلاً واسعاً في البلاد.

ودعا الحزب إلى مواصلة المشاورات مع مختلف القوى الديمقراطية الوطنية من أجل تشكيل تحالف واسع لمواجهة سياسات الحكومة، وحماية المسار الديمقراطي المهدّد بتحالف بقايا الاستبداد وقوى الفساد. وكان المرزوقي عقد أخيراً، سلسلة من الاجتماعات مع قيادات حزبية مختلفة. وأكد الأمين العام للحزب، عدنان منصر، لـ"العربي الجديد"، أن الاجتماعات تهدف إلى توحيد المواقف، وجاءت بسبب مطالبة القواعد بتوحيد جهد المعارضة، وقد تقود إلى ذلك بالفعل، خصوصاً أن الجميع مقتنع أن التشتت الحزبي هو الذي أدى إلى نتائج انتخابات 2014.

واعتبر حزب الإرادة أن "مشروع قانون الميزانية لسنة 2017 عكس تخبط الحكومة في إنجازه وعدم واقعية الفرضيات التي بني عليها، نظراً لطابعها الفوقي وعدم تفعيل المجلس الوطني للجباية والتخلي عن التشاركية الفعلية، ما يدل أن الحكومة تفتقد لاستراتيجية حقيقية للخروج من الأزمة الماليّة والاقتصادية والاجتماعية، وهي تمعن في سياسة الهروب إلى الأمام التي أدت إلى تفاقم العجز التجاري، وزيادة الضرائب إلى حد الإجحاف، وهي إجراءات لا أفق لها سوى إنهاك الطبقة الوسطى والمؤسسات المنظمة والملتزمة بقانون الجباية".

من جهتها، بدأت "الجبهة الشعبية" معارضتها مشروع الحكومة من الشارع، ونظمت وقفة احتجاجية، السبت الماضي، وسط العاصمة التونسية. واعتبر زعيمها حمّة الهمامي أن "قانون الميزانية للسنة المقبلة لا ينطلق من حاجات الشعب التونسي، بل ينطلق من إملاءات المؤسسات المالية الدولية". وأوضح الهمامي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن مشروع القانون قائم أساساً على زيادة الضرائب وتأجيل زيادة الأجور، ومزيد من تفقير الطبقات الشعبية في تونس، بما فيها الطبقة المتوسطة، مؤكداً أن "هذه الميزانية ستزيد من الأثقال على كاهل العامل والموظف"، وأنها صيغت بإملاءات من صندوق النقد الدولي. واعتبر القيادي في الجبهة الشعبية زهير حمدي، أن السمة الأبرز لمشروع ميزانية 2017، هو التوجه نحو زيادة الدين كالعادة، لكن بأحجام أكبر نظراً للعجز المسجل في الميزانية، معرباً عن اعتقاده أنه سيكون لهذه المديونية ثمن باهظ في ما يتعلق بالوضع الاجتماعي الذي سيتميز بمزيد من الفقر. وقال إن "حكومة حبيب الصيد هي من أشرفت على إعداد مشروع قانون المالية، وأنجزته وفق السياسات المنبثقة عن الائتلاف الحاكم، ما يؤكد عدم وجود تغييرات في سياسات هذا المشروع". من جهته، أكد القيادي في الجبهة الشعبية زياد لخضر، لـ"العربي الجديد"، رفض الجبهة الشعبية وشرفاء تونس للإملاءات الخارجية، مؤكداً أنه "لو كانت الجبهة الشعبيّة في الحكم لكانت وجدت طرقاً لمعالجة الأزمة المالية التي تعيشها تونس".

ويتضح من خلال هذه الإشارات، أن المعارضة التونسية مستعدة لمحاولة ضرب الائتلاف الحزبي الجديد الذي شكل حكومة الوحدة، خصوصاً أن الحكومة اتخذت قرارات غير شعبية، ما يشكل فرصة لمعارضيها قبل الانتخابات المحلية. ولعل هدف الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، كان جمع أكثر ما يمكن من عائلات حزبية في حكومة سياسية تكون قادرة على مواجهة معارضة عرفت بصوتها العالي، وقدرتها على إسقاط مشاريع القوانين، على الرغم من ضعفها البرلماني وتشتتها الحزبي. وسيكون على السبسي ورئيس الحكومة، يوسف الشاهد، جمع ما أمكنهما من قوى سياسية لعبور هذا الجسر المهتزّ، وإقناع كل أطراف وثيقة قرطاج بضرورة الوصول إلى موقف متضامن، لكن اتحاد الشغل كان أول من قفز من هذا المركب الذي تتقاذفه العواصف، ورفض تجميد زيادة الأجور. وكان الاتحاد قد أعلن، منذ البداية، أن استمراره في هذا المسار سيكون مرتبطاً بمدى التزام الحكومة بالوثيقة، وهو نفس موقف حركة النهضة تقريباً، إذ شددت إثر، انعقاد الدورة السادسة العادية لمجلس الشورى، الأحد الماضي، على أهمية أن تكون خيارات حكومة الوحدة الوطنية، الاقتصادية والاجتماعية في مشروع ميزانية 2017، واضحة في العلاقة بوثيقة قرطاج وقادرة على تقديم الحلول اللازمة لتجاوز اختلال توازن المالية العامة ودفع عجلة الاقتصاد، دون أن يقع العبء على طرف دون آخر، خصوصاً الفئات الضعيفة.

ودعت إلى حوار بين حكومة الوحدة الوطنية والأطراف الاجتماعية والقوى السياسية لتجاوز هذه الصعوبات والبحث عن الحلول المبتكرة لتجاوز مختلف العراقيل. وأعلنت النهضة أن مجلس شورى الحركة، قرر عقد دورة استثنائية لبحث الملف الاقتصادي والاجتماعي وذلك قبل مناقشة مشروع ميزانية 2017 وانعقاد المؤتمر الدولي للاستثمار، مجددة تمسكها بخيار التوافق كأرضية تجمع كل الفاعلين السياسيين لإنجاح مرحلة الانتقال الاقتصادي واعتباره مكسباً يعزز الشراكة والتضامن.

المساهمون