تركيا والاتحاد الأوروبي: مزيد من التباعد يبدّد حلم العضوية

تركيا والاتحاد الأوروبي: مزيد من التباعد يبدّد حلم العضوية

31 مايو 2019
أثر ملف قبرص على أجواء المفاوضات بين الطرفين(فرانس برس)
+ الخط -

وصلت مفاوضات انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي إلى طريق مسدود، مع صدور تقرير أوروبي حول التوسعة قبل يومين، يؤكد تراجع تركيا بشكل كبير عن الاتحاد الأوروبي، ما يعني عدم فتح فصول تفاوضية جديدة، من دون إغلاق الباب بشكل كامل، بالإبقاء على الفصول التفاوضية المفتوحة حالياً للمناقشة بين الطرفين.

وتلا ذلك تصريح واضح وصريح من وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، التي أكدت أن مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد قد توقفت فعلياً، ولا يمكن النظر حالياً في إمكانية حصول تقدّم. وأعربت موغيريني، خلال مؤتمر صحافي في بروكسل، الأربعاء الماضي، مع المفوض المكلف شؤون التوسيع يوهانس هان بشأن التقرير السنوي لسياسة الجوار في دول البلقان وتركيا، عن القناعة بأن الأوضاع الحالية في تركيا، والتصرفات الحكومية هناك، والمعطيات المتوفرة لدى بروكسل تؤكد صحة الموقف الأوروبي، إذ إن تركيا واصلت الابتعاد عن الاتحاد مع تراجع خطير في مجال حقوق الإنسان وسيادة القانون. وعلى الرغم من هذا التصريح، أفاد المسؤولان الأوروبيان بأن تركيا "لا تزال بلداً مرشحاً، وشريكاً هاماً للاتحاد، ويتعين أن يستمر الحوار والتعاون على أعلى المستويات مع الأتراك في المجالات الأساسية ذات الاهتمام المشترك، مثل الهجرة والحوار السياسي لدعم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط". في هذا الوقت، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس الخميس، تمسك أنقرة بالعضوية الكاملة في الاتحاد. وقال إن "اكتمال عملية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي بأسرع وقت ممكن تحظى بأهمية بالنسبة لنا ولأوروبا أيضاً".

تراجع العلاقات بين أنقرة وبروكسل لم يكن وليد الصدفة أو حدثاً طارئاً مفاجئاً، بل هو استكمال لسلسلة من الخلافات في وجهات النظر، تتعلق معظمها بالسياسات الداخلية التركية، على الرغم من وجود قواسم مشتركة هامة جداً، منها موقف الطرفين من تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط، خصوصاً سورية، التي تشاطر فيها بروكسل أنقرة مخاوفها من موجات النزوح الكبيرة جراء الحرب الدائرة بين الطرفين. وفي المقابل، هناك مجموعة من الأسباب التي أوصلت العلاقات بين الطرفين إلى طريق شبه مسدود، أولها تعود إلى المسألة القبرصية وعدم حل مشكلة تقسيم الجزيرة. وفاقم ذلك ضم الشطر الجنوبي الخاضع للسيطرة اليونانية إلى الاتحاد الأوروبي، ومنحه حق الفيتو في قبول ورفض عضوية أي دولة. ومع تمسك كل طرف بمواقفه في ما يتعلق بحل جذور المسألة القبرصية، فإن الملف أثر بشكل كبير على أجواء المفاوضات بين الطرفين، إذ تتمسك أنقرة بحماية الشطر الشمالي، وتبذل جهوداً لحل المسألة وعدم تأثيرها على مسار انضمامها للاتحاد الأوروبي، ولكن لم تسر المفاوضات بما يشتهيه الطرفان، ولم تنفع على مدار أكثر من 10 سنوات الجهود المشتركة لحل الأزمة القبرصية. المواقف التركية لم تعجب الجانب الأوروبي من موضوع قبرص، خصوصاً مع تعليق اتفاقية توسيع الاتفاق الجمركي الأوروبي مع حدود جديدة، بضم الشطر الجنوبي للاتحاد، فبقي الأمر معلقاً.


ومع بدء أزمات داخلية في تركيا، بدءاً من العام 2013، وخروج تظاهرات في ميدان تقسيم، عُرفت لاحقاً بأحداث "غزي بارك"، نظرت أوروبا إلى هذه التظاهرات على أنها تمثّل الربيع التركي أسوة بالربيع العربي. وبدأ الاهتمام الإعلامي يزيد بالتظاهرات، وانتقاد الحكومة. وكانت عمليات البث تجري بشكل مباشر من إسطنبول على مدار الساعة، الأمر الذي أزعج الحكومة التركية، ورأت فيه ازدواجية في المعايير، وعدم قراءة سليمة لتطورات الأوضاع. وساهمت المواجهة بين الحكومة التركية وجماعة "الخدمة" في تأجيج الخلافات بين الطرفين، خصوصاً مع وجود مؤسسات كبيرة للجماعة تعمل في الدول الأوروبية، فاتهمت الحكومة التركية أوروبا بتبنّي وجهات نظر أحادية الجانب. وأضيفت لذلك العمليات العسكرية التركية ضد حزب العمال الكردستاني، وضد "وحدات حماية الشعب" الكردية، وما رافق هجوم تنظيم "داعش" على مدينة عين العرب في العام 2014 من اتهامات للحكومة التركية بعدم السماح بدعم "الوحدات" الكردية.

وشكلت المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا صيف العام 2016 وما تلاها، سبباً إضافياً ساهم بشكل كبير في تدهور العلاقات، خصوصاً مع استغلال المحاولة الانقلابية لتطهير مؤسسات الدولة من جماعة "الخدمة"، وهو ما اعتبرته أوروبا شماعة للتخلص من كافة المعارضين للحكومة. وتبع ذلك تغيير لنظام الحكم في البلاد من النظام البرلماني إلى الرئاسي، وهو الأمر الذي صُنف في أوروبا كتعزيز لسلطة الرئيس رجب طيب أردوغان في تركيا، ما يؤدي إلى الشمولية والابتعاد عن القيم الأوروبية الديمقراطية.

المواجهة العلنية جاءت مع اعتماد البرلمان الأوروبي قراراً، وإن كان غير ملزم، في العام 2016 بتجميد مؤقت لمفاوضات الانضمام، تبعه في العام التالي قرار آخر بتعليق المفاوضات. وفي مارس/ آذار الماضي، أوصت المقررة الأوروبية كاتي بيري البرلمان مجدداً بتعليق المفاوضات، وهو ما تم اعتماده بالفعل. وكل ذلك يبقى غير ملزم ما لم يقرر المجلس الأوروبي بحسب ثقل أعضائه، وقف المفاوضات، ولكن حتى الآن يتبع الاتحاد الأوروبي سياسة إبقاء علاقات مع أنقرة. أهم الأسباب التي تدفع الجانب الأوروبي للتريث وإبقاء الأبواب مفتوحة مع أنقرة، هو اتفاقية إعادة اللاجئين الواصلين لدول الاتحاد من تركيا، مقابل استقبال هجرات منظّمة منها، وهو ما يثني عليه الجانب الأوروبي. كما أن الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب، يجعل من الأوروبيين داعمين للمواقف التركية في مواجهة روسيا، في ظل خوف من موجة هجرة جديدة. كما أن تركيا طبّقت معظم المعايير المحددة بعملية رفع تأشيرات الدخول بالنسبة للأتراك إلى الاتحاد الأوروبي. كل هذه النقاط المشتركة تجعل الاتحاد في موقف المجبر على التريث باتخاذ قرار بالوقف الكامل لمفاوضات عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي.

وإزاء كل ذلك، تسعى الحكومة التركية في مختلف المناسبات إلى تأكيد السعي للعضوية الكاملة في الاتحاد، خصوصاً بسبب ثقلها في المنطقة، ومجاورتها لأوروبا، مع امتلاكها نقاط قوة عديدة. وهي تهدف لشرح وجهات نظرها بشكل كامل بشأن ما اتخذته من إجراءات، والتي تشمل الانتقال للنظام الرئاسي، وتبرير الاعتقالات الحاصلة، وحقها في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب. بينما أكبر مأخذ تركي على الاتحاد الأوروبي هو اعتماد الأخير على تقارير تصله من جهات معارضة، مثل جماعة "الخدمة"، وحزب العمال الكردستاني، ما تعتبره أنقرة تضليلاً يقع فيه الاتحاد الأوروبي. فضلاً عن تأكيد تركيا أهمية تطوير اتفاقية التوسع الجمركية المشتركة، لأن عدم البدء بها حتى الآن لن ينفع أي طرف، خصوصاً أن تركيا تنظر في إطار العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، إلى "مصالحها ومصالح أوروبا في الوقت نفسه"، بحسب ما أعلن نائب وزير الخارجية التركي فاروق قايمقجي، في مؤتمر صحافي، الأربعاء الماضي.

المساهمون