تتلاحق التطورات العسكرية في شمال غربي سورية، في ظل استعدادات لم تعد خافية من قِبل قوات النظام السوري ومليشيات موالية لإيران لشن هجوم على ريف حماة الشمالي ومناطق في ريف إدلب، وهو ما قد يكون مقدمة لانهيار اتفاق سوتشي بين تركيا وروسيا، الذي كان يُفترض أن يضع حداً لسعي النظام للقضاء على المعارضة السورية في أبرز معاقلها، ما قد يخلق أزمات إنسانية لن تقف عند الحدود الجغرافية السورية. في المقابل، تؤكد فصائل الجيش السوري الحر أنها جاهزة للتصدي، متوقعة هجوماً من قوات النظام على أكثر من محور، وهو ما يدفع الموقف إلى مزيد من التأزيم والتعقيد، في ظل غياب الحلول السياسية للقضية السورية.
مقابل ذلك، لفت إعلان الرئاسة الروسية، مساء الثلاثاء، عن اتفاق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، على عقد قمة رباعية حول سورية بمشاركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، "في حال دعت الحاجة لذلك". وقال مساعد الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف، في تصريح صحافي، إنه "لا تفاصيل حتى الآن عن مكان أو موعد القمة"، التي ستكون في حال عُقدت الثانية من نوعها، بعدما احتضنت إسطنبول في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي اجتماعاً لقادة الدول الأربع حول محافظة إدلب.
أما ميدانياً، فقد رفع الجيش الحر جاهزيته القتالية بعد وصول تعزيزات عسكرية لقوات النظام والمليشيات الموالية له إلى خطوط التماس شمالي غربي سورية، في نيّة واضحة لنسف اتفاق سوتشي المبرم بين الروس والأتراك. وقال العقيد مصطفى البكور، رئيس العمليات في "جيش العزة"، أبرز فصائل الجيش الحر في شمال حماة، إن معلومات الاستطلاع "تفيد عن حشود كبيرة للنظام والمليشيات الإيرانية والحرس الثوري الإيراني على مختلف الجبهات، خصوصاً في ريف حماة الشمالي"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن "النظام أعلن جاهزيته لتنفيذ عمل عسكري، والروس لم يعطوه إشارة البدء بعد". ولفت البكور إلى أن النظام "يمكن أن يشن هجوماً على محور واحد أو محورين على أكثر تقدير، بينما باقي المحاور قد تحصل فيها مناوشات لمنع الفصائل من مؤازرة بعضها"، مضيفاً: "ربما يكون الهدف الأول للنظام هي المنطقة بين سكة الحديد، وطريق الأوتوستراد، وهدفه الثاني منطقة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي".
وتهدد تحركات قوات النظام والمليشيات الاتفاق الذي أعلن عنه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في مدينة سوتشي الروسية في 17 سبتمبر/ أيلول الماضي، وتم بموجبه إنشاء منطقة آمنة في محيط إدلب بين مناطق النظام والمعارضة بحدود تراوح بين 15 و20 كيلومتراً، خالية من السلاح الثقيل. ويأتي التصعيد في شمال غربي سورية عقب فشل الجولة الـ11 من مسار أستانة، ما دفع المبعوث الأميركي إلى سورية، جيمس جيفري، إلى نعي هذا المسار بعد فشل الدول الضامنة (تركيا وروسيا وإيران) في تشكيل اللجنة الدستورية، داعياً في الوقت نفسه إلى العودة لمسار جنيف الأممي.
اقــرأ أيضاً
ومع انسداد الأفق السياسية، بالتوازي مع سعي النظام بدعم من حلفائه إلى فرض شروطه كـ"منتصر" في الصراع، يبدو الشمال الغربي السوري مقبلاً على تطورات عسكرية كبرى، فيما تؤكد المعارضة أنها جاهزة للحرب في حال أرادها النظام في محافظة إدلب، معقلها الأبرز.
وقال عبد السلام عبد الرزاق، القيادي في "الجبهة الوطنية للتحرير" أكبر تجمّع لفصائل المعارضة في شمال غربي سورية، إنه تم رفع الجاهزية لدى كافة تشكيلات الجبهة إلى الكاملة، وزيادة وتركيز الرصد، وتفعيل وحدات الاستطلاع على كافة الجبهات، موضحاً أنه "تم رفع الجاهزية لأسباب كثيرة، أهمها تقارير وحدات الاستطلاع حول استعداد النظام المجرم ومليشيات إيران وتجهزها لمهاجمة محاور في الشمال المحرر". وأشار في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن "النظام المجرم ومليشيات إيران تخرق اتفاق سوتشي بشكل يومي وممنهج، خصوصاً في القصف المكثف لريف إدلب الجنوبي، وتهجير آلاف السكان، وحتى روسيا قصفت بالطيران ريف حلب منذ مدة بعد تمثيلية الكيميائي في مدينة حلب أخيراً والتي دحضتها تقارير للبيت الأبيض". وتابع: "لذلك نحن جاهزون، لأن النظام وفي أي وقت يستطيع فيه اختراق جبهاتنا لن يتوقف للحظة واحدة".
وفي هذا السياق، كشفت "بلومبيرغ" الأميركية نقلاً عن مصادر في الاستخبارات الأميركية، أن الهجوم الذي وقع في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، في الأحياء التي يسيطر عليها النظام في مدينة حلب، لم يكن إلا "غازاً مسيلاً للدموع". وذكرت أن الاستخبارات حمّلت النظام مسؤولية هذا الهجوم، الذي لم يُستخدم فيه أي سلاحٍ كيميائي. وقالت إن البيت الأبيض توصل إلى معلومات تفيد بأن الهجوم على مناطق سيطرة النظام في حلب لم يكن بغاز الكلور، كما زعم النظام، بل بالغاز مسيل للدموع. وأضافت أن أميركا لديها معلومات موثوقة بأن قوات النظام تقف وراء قصف حلب بالغازات، ولكنها اتهمت المعارضة من أجل تقويض اتفاق سوتشي واستئناف قصفها لمواقع المعارضة في محافظة إدلب.
ولطالما اعتبر النظام اتفاق سوتشي "مؤقتاً"، مكرراً على لسان مسؤوليه أن قواته ستستعيد محافظة إدلب سلماً أم حرباً. ولكن طريق هذه القوات إلى شمال غربي سورية لن يكون ممهداً كما كان في الجنوب السوري، إذ تضم إدلب أغلب مقاتلي المعارضة السورية الذين باتوا على أهبة الاستعداد للمواجهة، وفق تصريحات قادة في الجيش السوري الحر. ومن المتوقع أن يحاول النظام شن عمليات لا تطاول عمق إدلب، في حال لم يستطع الأتراك والروس الدفاع عن اتفاقهم الذي يبدو حتى اللحظة متماسكاً. وتبقى "هيئة تحرير الشام" (التي تشكل جبهة النصرة عمادها الأكبر) هي الثغرة التي يحاول النظام وحلفاؤه الولوج منها لنسف التفاهم التركي الروسي، وهي كانت الذريعة الجاهزة للفتك بالمعارضة المسلحة والمدنيين في أرجاء مختلفة من سورية. ويبدو أن موسكو تضغط على أنقرة لحسم ملف "هيئة تحرير الشام" التي تتخذ من مدينة إدلب وبعض مناطق ريفها مقراً لها، رافضة كل مسعى يدعوها لحل نفسها، معتبرة سلاحها خطاً أحمر، وهو ما يزيد من فرص انهيار اتفاق سوتشي كما انهارت من قبله تفاهمات أستانة.
وتعليقاً على هذا الوضع، أوضح القيادي في الجيش الحر العقيد فاتح حسون، أن الجهات التركية "أكدت أن اتفاق قمة سوتشي مستمر، لكن هذا لا يعني أنه لا يعاني من صعوبات وتحديات كبيرة، وأنه ليس في خطر". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد": "إمكانية إنهاء الاتفاق من قبل روسيا واردة في أي وقت، وقد ظهرت نوايا الروس والإيرانيين في ذلك، على الرغم من انعقاد جولة أستانة الأخيرة، والتي يبدو أن المناقشات فيها لم تكن كافية لتهدئة الأوضاع في إدلب". ورأى حسون أن تصريح جيمس جيفري المتعلق بفشل مباحثات أستانة "يعني أن الاتفاق برمته أصبح هشاً، وأن هناك من سيسعى لتخريبه بطريقة غير عسكرية، فالاتفاق يقوى بالعملية السياسية، وما دام الروس لا يريدونها أن تتقدّم بتشكيل اللجنة الدستورية، فمعنى هذا أنها لا تريد للاتفاق أن يتجاوز الصعاب التي يواجهها".
وكان ملايين المدنيين في شمال غربي سورية يأملون صمود الاتفاق، وأن يكون مدخلاً لحلحلة العملية السياسية المتوقفة منذ فترة، بسبب رفض النظام تسهيل مهام الأمم المتحدة، على الرغم من تقديم المعارضة تنازلات سياسية. وفي هذا السياق، أكد المتحدث باسم "فيلق الشام"، أبرز فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير"، مروان نحاس، في حديث مع "العربي الجديد"، أن النظام والإيرانيين يحشدون "لأنهم بالأصل غير موافقين على اتفاق سوتشي، ولذلك يقومون بالخروقات بشكل يومي من أجل إلغاء الاتفاق"، مضيفاً: "بالنسبة لنا إذا لم يتطور اتفاق سوتشي للأفضل فعدمه أفضل من وجوده". وعن ماهية "الأفضل"، قال نحاس: "أن تميل الأمور إلى الهدوء وإلى بداية حل سياسي، وإذا كان عكس ذلك فالأفضل عدم هذا الاتفاق ونحن جاهزون لذلك".
اقــرأ أيضاً
مقابل ذلك، لفت إعلان الرئاسة الروسية، مساء الثلاثاء، عن اتفاق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، على عقد قمة رباعية حول سورية بمشاركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، "في حال دعت الحاجة لذلك". وقال مساعد الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف، في تصريح صحافي، إنه "لا تفاصيل حتى الآن عن مكان أو موعد القمة"، التي ستكون في حال عُقدت الثانية من نوعها، بعدما احتضنت إسطنبول في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي اجتماعاً لقادة الدول الأربع حول محافظة إدلب.
وتهدد تحركات قوات النظام والمليشيات الاتفاق الذي أعلن عنه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في مدينة سوتشي الروسية في 17 سبتمبر/ أيلول الماضي، وتم بموجبه إنشاء منطقة آمنة في محيط إدلب بين مناطق النظام والمعارضة بحدود تراوح بين 15 و20 كيلومتراً، خالية من السلاح الثقيل. ويأتي التصعيد في شمال غربي سورية عقب فشل الجولة الـ11 من مسار أستانة، ما دفع المبعوث الأميركي إلى سورية، جيمس جيفري، إلى نعي هذا المسار بعد فشل الدول الضامنة (تركيا وروسيا وإيران) في تشكيل اللجنة الدستورية، داعياً في الوقت نفسه إلى العودة لمسار جنيف الأممي.
ومع انسداد الأفق السياسية، بالتوازي مع سعي النظام بدعم من حلفائه إلى فرض شروطه كـ"منتصر" في الصراع، يبدو الشمال الغربي السوري مقبلاً على تطورات عسكرية كبرى، فيما تؤكد المعارضة أنها جاهزة للحرب في حال أرادها النظام في محافظة إدلب، معقلها الأبرز.
وقال عبد السلام عبد الرزاق، القيادي في "الجبهة الوطنية للتحرير" أكبر تجمّع لفصائل المعارضة في شمال غربي سورية، إنه تم رفع الجاهزية لدى كافة تشكيلات الجبهة إلى الكاملة، وزيادة وتركيز الرصد، وتفعيل وحدات الاستطلاع على كافة الجبهات، موضحاً أنه "تم رفع الجاهزية لأسباب كثيرة، أهمها تقارير وحدات الاستطلاع حول استعداد النظام المجرم ومليشيات إيران وتجهزها لمهاجمة محاور في الشمال المحرر". وأشار في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن "النظام المجرم ومليشيات إيران تخرق اتفاق سوتشي بشكل يومي وممنهج، خصوصاً في القصف المكثف لريف إدلب الجنوبي، وتهجير آلاف السكان، وحتى روسيا قصفت بالطيران ريف حلب منذ مدة بعد تمثيلية الكيميائي في مدينة حلب أخيراً والتي دحضتها تقارير للبيت الأبيض". وتابع: "لذلك نحن جاهزون، لأن النظام وفي أي وقت يستطيع فيه اختراق جبهاتنا لن يتوقف للحظة واحدة".
وفي هذا السياق، كشفت "بلومبيرغ" الأميركية نقلاً عن مصادر في الاستخبارات الأميركية، أن الهجوم الذي وقع في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، في الأحياء التي يسيطر عليها النظام في مدينة حلب، لم يكن إلا "غازاً مسيلاً للدموع". وذكرت أن الاستخبارات حمّلت النظام مسؤولية هذا الهجوم، الذي لم يُستخدم فيه أي سلاحٍ كيميائي. وقالت إن البيت الأبيض توصل إلى معلومات تفيد بأن الهجوم على مناطق سيطرة النظام في حلب لم يكن بغاز الكلور، كما زعم النظام، بل بالغاز مسيل للدموع. وأضافت أن أميركا لديها معلومات موثوقة بأن قوات النظام تقف وراء قصف حلب بالغازات، ولكنها اتهمت المعارضة من أجل تقويض اتفاق سوتشي واستئناف قصفها لمواقع المعارضة في محافظة إدلب.
ولطالما اعتبر النظام اتفاق سوتشي "مؤقتاً"، مكرراً على لسان مسؤوليه أن قواته ستستعيد محافظة إدلب سلماً أم حرباً. ولكن طريق هذه القوات إلى شمال غربي سورية لن يكون ممهداً كما كان في الجنوب السوري، إذ تضم إدلب أغلب مقاتلي المعارضة السورية الذين باتوا على أهبة الاستعداد للمواجهة، وفق تصريحات قادة في الجيش السوري الحر. ومن المتوقع أن يحاول النظام شن عمليات لا تطاول عمق إدلب، في حال لم يستطع الأتراك والروس الدفاع عن اتفاقهم الذي يبدو حتى اللحظة متماسكاً. وتبقى "هيئة تحرير الشام" (التي تشكل جبهة النصرة عمادها الأكبر) هي الثغرة التي يحاول النظام وحلفاؤه الولوج منها لنسف التفاهم التركي الروسي، وهي كانت الذريعة الجاهزة للفتك بالمعارضة المسلحة والمدنيين في أرجاء مختلفة من سورية. ويبدو أن موسكو تضغط على أنقرة لحسم ملف "هيئة تحرير الشام" التي تتخذ من مدينة إدلب وبعض مناطق ريفها مقراً لها، رافضة كل مسعى يدعوها لحل نفسها، معتبرة سلاحها خطاً أحمر، وهو ما يزيد من فرص انهيار اتفاق سوتشي كما انهارت من قبله تفاهمات أستانة.
وكان ملايين المدنيين في شمال غربي سورية يأملون صمود الاتفاق، وأن يكون مدخلاً لحلحلة العملية السياسية المتوقفة منذ فترة، بسبب رفض النظام تسهيل مهام الأمم المتحدة، على الرغم من تقديم المعارضة تنازلات سياسية. وفي هذا السياق، أكد المتحدث باسم "فيلق الشام"، أبرز فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير"، مروان نحاس، في حديث مع "العربي الجديد"، أن النظام والإيرانيين يحشدون "لأنهم بالأصل غير موافقين على اتفاق سوتشي، ولذلك يقومون بالخروقات بشكل يومي من أجل إلغاء الاتفاق"، مضيفاً: "بالنسبة لنا إذا لم يتطور اتفاق سوتشي للأفضل فعدمه أفضل من وجوده". وعن ماهية "الأفضل"، قال نحاس: "أن تميل الأمور إلى الهدوء وإلى بداية حل سياسي، وإذا كان عكس ذلك فالأفضل عدم هذا الاتفاق ونحن جاهزون لذلك".