إدلب ترسم خريطة مسلحيها ومدنييها... وإيران تريد حصتها الاقتصادية

27 اغسطس 2018
ظلّت إدلب قبلة للهاربين من بطش النظام (أكرم مصري/الأناضول)
+ الخط -
تقترب محافظة إدلب، شمال غربي سورية، من حافة أزمة متعددة الجوانب، مع تصاعد المخاوف من عدم قدرة القوى الإقليمية والدولية المتصارعة في سورية على تفتيت عوامل أزمة تلوح في الأفق، في ظل إصرار روسي واضح على حسم الموقف في هذه المحافظة لصالح النظام، الذي بدأ أخيراً بدق طبول حرب إعلامية ونفسية، ربما تسبق عملية عسكرية واسعة النطاق، من شأنها، في حال حدوثها، خلط أوراق الأزمة السورية بشكل كامل.

وتختلف معركة إدلب عما سواها من المعارك، إذ إن المنطقة تضم ملايين المدنيين، فضلاً عن أكثر من 100 ألف مسلح متمرس بالقتال، موزعين ما بين فصائل المعارضة السورية، وتنظيمات متشددة تعلن أنها اختارت المواجهة مع النظام، الذي يؤكد أنه سيستعيد المنطقة، حرباً أو سلماً. وباتت إدلب المعقل الأبرز لفصائل المعارضة السورية، ولـ"هيئة تحرير الشام"، التي تعتبر "جبهة النصرة" عمودها الفقري، والتي فقدت رصيدها الشعبي بشكل شبه كامل، وفق مصادر محلية في المحافظة، التي باتت تضم أكثر من 3 ملايين مدني من كل المحافظات السورية، هم بمثابة قنبلة موقوتة، سيولد انفجارها أزمات إنسانية لا تنتهي.

ودفع الموقف في إدلب لتحركات سياسية مكثفة لإنضاج تفاهمات نهائية، في ظل حديث يتصاعد عن قرب توجيه ضربة عسكرية أميركية للنظام ولمواقع إيرانية في سورية. وبدأ وزير الدفاع الإيراني، أمير حاتمي، أمس الأحد، زيارة إلى دمشق تستغرق يومين، وتعكس قلقاً إيرانياً من تطورات الموقف في سورية، ومن تهديدات أميركية واضحة، إذ قال ممثل وزارة الخارجية الأميركية، ويليام روباك، في بلدة الشدادي التابعة لمحافظة الحسكة في شمال شرق سورية أول من أمس، "نحن مستعدون للبقاء هنا كما قال الرئيس (دونالد ترامب) بوضوح، لضمان القضاء نهائياً على تنظيم داعش"، مضيفاً "سنبقى نركز على انسحاب القوات الإيرانية، وعلى وكلائها أيضاً". وقال حاتمي إنه يأمل في أن تلعب إيران "دوراً مثمراً" في إعادة إعمار سورية. وأضاف "لا يمكن لطرف آخر أن يؤثر في وجود المستشارين الإيرانيين في سورية". وذكرت وكالة "فارس" أنه من المتوقع أن يوقع الجانبان عدداً من الاتفاقيات "لتوسيع التعاون العسكري والدفاعي فيما بينهما". كذلك من المنتظر أن يقوم وزير خارجية النظام السوري، وليد المعلم، بزيارة موسكو أواخر أغسطس/ آب الحالي، ومن المتوقع أن تكون إدلب على طاولة المباحثات مع المسؤولين الروس الذين تباحثوا مطوّلاً، خلال الأيام الأخيرة، مع الأتراك، لحسم الموقف في إدلب التي باتت عبارة عن غابة من البشر والبنادق تنتظر التفاهمات الإقليمية والدولية في ظروف متغيرة.

وتسيطر "هيئة تحرير الشام" على مدن وبلدات مهمة في محافظة إدلب، أبرزها مدينة إدلب مركز المحافظة، بالإضافة إلى أغلب المدن والبلدات الحدودية مع تركيا، ومنها مدينة جسر الشغور التي تشكّل الهدف الأول لقوات النظام، كونها قريبة من ريف اللاذقية الشمالي. كذلك تسيطر "الهيئة" على مدن حارم، وسلقين، وسرمدا، والدانا، ومعبر باب الهوى، وخان شيخون. وتسيطر فصائل المعارضة السورية، التي انضوت أخيراً في "الجبهة الوطنية للتحرير" على باقي مناطق محافظة إدلب، وأبرزها مدينة معرة النعمان التي باتت اليوم معقل الثورة والمعارضة البارز، ومدينة أريحا، وجبل الأربعين، ومدينة بنش، وبلدات في جبل الزاوية، بالإضافة إلى معظم سهل الغاب في ريف حماة الشمالي الغربي، وأجزاء من ريف حماة الشمالي الذي تتقاسمه مع فصائل تابعة إلى الجيش السوري الحر غير منضوية في "الجبهة الوطنية"، أبرزها "جيش العزة".

وإلى جانب "هيئة تحرير الشام"، وفصائل المعارضة، هناك تنظيم "حراس الدين"، الذي يضمّ بقايا فصيل "جند الأقصى"، وتنظيمات "جهادية" تابعة إلى تنظيم "القاعدة" ومنشقة عن "هيئة تحرير الشام". وينتشر مسلحو هذا التنظيم المتطرف، المقدر عددهم بنحو 700، في محيط مدينة سراقب مروراً بسرمين ومدينة إدلب وريف جسر الشغور، وصولاً إلى جبهات لا تزال مفتوحة في ريف اللاذقية الشمالي، جرى تحريكها أخيراً. كذلك ينتشر مقاتلو "الحزب التركستاني" في ريف جسر الشغور، ما يزيد الموقف تعقيداً وتأزيماً في محافظة إدلب التي تعمّد النظام وحلفاؤه دفع أغلب مقاتلي المعارضة و"هيئة تحرير الشام" إليها، لتمهيد الطريق أمام انفجار دامٍ.

وتعد محافظة إدلب، التي يطلق عليها أهلها تسمية "أرض الزيتون"، من المحافظات السورية الصغيرة نسبياً لجهة المساحة، إذ تبلغ مساحتها نحو ستة آلاف كيلومتر مربع، ويحدها من الشمال الأراضي التركية، ومن الجنوب محافظة حماة، ومن الشرق محافظة حلب، ومن الغرب محافظة اللاذقية. وفي عام 2012، بدأت مناطق في المحافظة تخرج عن سيطرة النظام، وصولاً إلى بدايات عام 2015، حيث باتت بأكملها تحت سيطرة فصائل المعارضة و"جبهة النصرة" التي استحوذت على المحافظة، لكن فصائل المعارضة عادت وسيطرت على مدن وبلدات، وحدّت من سيطرة "النصرة". وكان يقدر عدد سكان محافظة إدلب في 2011، عام انطلاق الثورة السورية، بنحو مليون ونصف المليون شخص، لكنها اليوم تضم أكثر من 3 ملايين مدني، إذ ظلت لسنوات قبلة للسوريين الهاربين من بطش قوات النظام وأجهزته الأمنية. كما أن الأخير هجّر عشرات الآلاف إليها من دمشق وريفها، ومن حمص، وجنوب سورية، على مدى سنوات، وفق "اتفاقيات مصالحة"، كان يصرّ فيها على تهجير رافضي المصالحات إلى محافظة إدلب حصراً. وتعدّ المناطق التي تقع على الحدود السورية التركية أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان، إذ تتمركز أغلب المخيمات التي تضم عشرات آلاف النازحين من كل أرجاء سورية، خصوصاً في منطقة أطمة الحدودية. كما أن معرة النعمان، وهي من كبرى مدن محافظة إدلب، باتت مكتظة بالسكان، خصوصاً بعد خروج "هيئة تحرير الشام" منها، إذ كانت "الهيئة" تفرض قوانينها المتشددة على المدنيين في مناطق سيطرتها.

وتؤكّد مصادر محلية أن مدينة إدلب تشهد كثافة سكانية، فقد تضاعف عدد سكانها مرتين، إذ نزح إليها عشرات الآلاف من مختلف المناطق، فضلاً عن المهجرين قسراً على يد النظام الذي كان واضحاً أن خطته تقوم على تحويل محافظة إدلب إلى مكان مهيئ لانفجار سكاني في أي لحظة يحرق معارضيه. وفي ظل تعقيدات الموقف والمصير المجهول الذي ينتظر محافظة إدلب، لا تزال هناك مساعٍ تبذل من أجل نزع فتيل الصدام الكبير الذي سيدفع المدنيون ثمنه، خصوصاً أن الجانب التركي يعتبر أي عملية عسكرية في المحافظة "كارثة" تحاول أنقرة تجنبها. وتسعى موسكو إلى دفع فصائل المعارضة السورية للدخول في صدام مسلح مع "هيئة تحرير الشام"، وهو ما يعني المشاركة في تنفيذ المخطط الروسي في سورية، في وقت يعتبر الشارع السوري المعارض الوجود الروسي احتلالاً مباشراً للبلاد، وهو ما قد يفقد فصائل المعارضة ثقة هذا الشارع الذي يرفض الدخول في "مصالحات" مع النظام، وتكرار سيناريو الجنوب السوري الذي تجاوزه النظام، معيداً سطوته العسكرية والأمنية السابقة. وواصلت موسكو، لليوم الثاني على التوالي، الترويج لسيناريو هجوم كيميائي في إدلب. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، اللواء إيغور كوناشينكوف، أمس الأحد، إنه "يجري تحضير ضربة على كفرزيتا جنوبي إدلب، خلال اليومين المقبلين، بأسلحة حرارية مسممة"، مضيفاً أن "هناك مجموعات من القاطنين في شمالي إدلب سيشاركون في الهجوم الكيميائي". وتابع "بعد الهجوم الكيميائي الذي يجري تحضيره في سورية، سيرتدي بعض الناس خوذاً بيضاء، ليصوروا مقاطع فيديو يتم نقلها لوسائل إعلام عربية وأخرى ناطقة باللغة الإنكليزية". وأشار إلى أن "مجموعة من عناصر المليشيات المسلحة خضعوا لتدريب من قبل شركة أوليف غروب البريطانية، يخططون لتنفيذ عمليات إنقاذ وهمية لضحايا الأسلحة الكيميائية في إدلب". وقال إن "اختصاصيين ناطقين باللغة الإنكليزية وصلوا إلى قرية الهبيط، جنوب منطقة خفض التصعيد في إدلب، لتنظيم هجوم كيميائي، باستخدام أسلحة مملوءة بغاز الكلور، على كفرزيتا، التي تبعد 6 كيلومترات فقط من الهبيط".

ويعتقد المحلل العسكري العقيد الطيار، مصطفى البكور، أن المواجهة بين فصائل المعارضة السورية وبين "هيئة تحرير الشام" "ليست حتمية". وقال، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الهيئة، وخلال تاريخها في السنوات الماضية، تجيد لعبة حافة الهاوية، فهي لن تضع نفسها في مواجهة مع تركيا وفصائل المعارضة السورية". واستبعد البكور أن تقوم "الهيئة" بحل نفسها، و"لكن يمكن أن تندمج مع بعض الفصائل في تشكيل جديد، كما فعلت سابقاً من جبهة النصرة إلى جبهة فتح الشام ثم هيئة تحرير الشام".

المساهمون