2015 تونسياً: تثبيت "التعايش" يطوي صفحة المرحلة الانتقالية

2015 تونسياً: تثبيت "التعايش" يطوي صفحة المرحلة الانتقالية

31 ديسمبر 2015
تسليم السلطة جرى بشكل سلس (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
تَوّج عام 2015 التجربة الديمقراطية الوليدة في تونس بمنحها جائزة نوبل للسلام، من أجل اعتمادها نهج الحوار سبيلاً لحل الصراعات السياسية بدل الاحتكام للعنف. وشددت حيثيات الجائزة على توصّل الإسلاميين والعلمانيين إلى التعايش السياسي، وأكدت بالخصوص على أن الإسلام لا يتعارض مع الديمقراطية.

ولئن كانت الجائزة تتويجاً لمسيرة الحوار التي قادها الرباعي المدني، وأفضت إلى انتخابات حرة وشفافة نهاية عام 2014، فقد تواصلت في تونس في عام 2015 امتحانات الحوار المتتالية، وشهد العام اختبارات جدية للممارسة الديمقراطية في تونس، وللساحة السياسية والنخبة المدنية، ولأول سلطة غير انتقالية، بعد الانتخابات التي قادت حزب "نداء تونس" وحركة "النهضة" الإسلامية إلى قيادة البرلمان التونسي، والباجي قائد السبسي إلى الرئاسة.

وفيما تم تسليم السلطة بشكل سلمي وسلس، ومثّل ذلك أول اختبار ناجح لاحترام الانتخابات ونتائجها، وأسّسَ قاعدة عامة لاحترام سلطة الشعب، فإن الاختبارات التالية لم تكن بالسهلة، وشكّلت أرضية جديدة لاختبار النزاع السياسي على أسس سلمية، من دون اللجوء إلى العنف، وداخل الأطر الدستورية المنتخبة والمسارات القانونية الموضوعة.

وشرع مجلس النواب في بحث وضع المؤسسات الدستورية التي أقرها الدستور الجديد، المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء وقانون النفاذ إلى المعلومة وقانون مكافحة الإرهاب وقانون الانتخابات المحلية وبقية الهيئات الدستورية، بالإضافة إلى ميزانية الدولة. وعلى الرغم من أن الحكومة الجديدة قامت على دعم برلماني قياسيّ وأغلبية مطلقة، فإن المعارضة الأقلية نجحت في مناسبات متتالية في ردّ مشاريع قوانين صوّتت لها الأغلبية، واحتكمت إلى الهيئة المؤقتة لدستورية القوانين، قبل أن تتشكل المحكمة الدستورية، ونجحت في إيقاف تمرير مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء، وميزانية الدولة للعام المقبل بسبب عدم دستورية بعض فصولهما، وتصدّت لمشروع قانون المصالحة قبل عرضه على البرلمان.

وفي كل هذه الحالات، التزمت السلطة بأغلبية قرارات الهيئة، وبمراجعة الفصول غير الدستورية، التي توقفت وشُرع في إعادة صياغتها، ما عكس نجاحاً واضحاً في احترام الهيئات الدستورية من جهة، وامتثالاً لمبدأ الفصل بين السلطات. غير أنه عكس أيضاً قدرة كبيرة للمعارضة على فرض رأيها على الرغم من تشتتها السياسي، وأنتج شكلاً جديداً للتوازن داخل البرلمان، حتى أصبح البعض يتحدث عن "ديكتاتورية الأقلية".

اقرأ أيضاً: تونس تُكافأ بنوبل اليوم...من خطر الحرب لتثبيت التجربة الديمقراطية

ولم تكن هذه الامتحانات لتمر من دون أثمان تُدفع، فقد تمت إقالة وزير العدل بسبب عدم دفاعه عن قانون المجلس الأعلى للقضاء أمام البرلمان، وهو اعتبر منذ أيام أنه كان على حق بعد أن تم إنصافه من قِبل هيئة دستورية القوانين. وسجّل هذا القانون بالذات جدلاً كبيراً بين القضاة والمحامين وبقية مكونات المنظومة القضائية.

وبالتوازي، شهد مشروع قانون المصالحة الاقتصادية جدلاً سياسياً واسعاً، تحوّل إلى صراع مفتوح ومواجهة بين الائتلاف الحاكم والمعارضة، التي أصرّت على تحويل النزاع إلى الشارع، على الرغم من قانون الطوارئ الذي يمنع التظاهر. ونجحت المعارضة مرة أخرى في تحويل ضعفها العددي إلى صوتٍ عالٍ مسموعٍ، وهو ما أكدته بعد ذلك عند مناقشة قانون المالية وأحد فصوله المرتبط بشكل من أشكال المصالحة، وكسبت معركتها مرة أخرى حين أقرت الصفة المؤقتة لدستورية القوانين، عدم دستورية عدد من فصول هذا القانون، ليعود من جديد إلى مجلس النواب.

وفيما لا يزال النقاش مفتوحاً حول هذين القانونين، فإن جدلاً جدياً يدور منذ أسبوعين حول قانون النفاذ إلى المعلومة، الذي يعتبره كثيرون الأخطر والأهم لأنه يشكّل عصب العمل الديمقراطي. وتشهد أروقة المجلس خلافات عميقة بين لجنة التشريعات، بما فيها أحزاب من الائتلاف الحاكم، وبين الحكومة، بخصوص قائمة الاستثناءات التي تريد الحكومة توسيعها.

وتشير نسخة المشروع الجديدة المحالة على اللجنة، إلى "صلاحيات الهيكل المعني" الذي يحقّ له رفض طلب النفاذ إلى المعلومة التي يمكن أن ينتج عنها ضرر في مجالات "الأمن والدفاع الوطني، والعلاقات الدولية، والمصالح الاقتصادية للدولة، والمعلومات المصنفة ذات طابع سري، والمهمات المتعلقة بممارسة الإشراف والرقابة طبقاً للمعايير المهنية الدولية المعتمدة في المجال وحماية الحياة الخاصة، والمصالح التجارية المشروعة للهياكل الخاضعة لأحكام هذا القانون".

غير أن كثيرين يعتبرون هذه القائمة مبالغاً فيهاً وتشكّل حاجزاً أمام حق المواطن والإعلامي في النفاذ إلى المعلومة، لأن القانون الجديد يتيح لأي مواطن أن يطالب الإدارة بتقديم المعلومات حول الصفقات العامة وغيرها، من دون أن يكون مُطالباً بتقديم تبرير لذلك، ويعتبرون ذلك ثورة حقيقية ستغيّر من علاقة الإدارة التونسية بالمواطنين وترتقي بالبلاد إلى مصاف الدول الديمقراطية الراقية.

وشهد عام 2015 المصادقة على قانون مكافحة الإرهاب، بعد أحداث سوسة التي أودت بحياة عدد من السياح البريطانيين، وشكّلت ضربة قوية للسياحة التونسية، أحد أهم المصادر الاقتصادية للبلاد، وهو القانون الذي طالبت به قوى الأمن والأحزاب التونسية لتفعيل كل مقوّمات النجاح في أكبر تحديات البلد الديمقراطي الناشئ: الحرب على الإرهاب.

اقرأ أيضاً: جمعيات تونس تتصدر سجال مكافحة الإرهاب والحريّات