معركة الفلوجة...ارتفاع عدد الضحايا المدنيين وحضور سليماني يثير القلق

معركة الفلوجة...ارتفاع عدد الضحايا المدنيين وحضور سليماني يثير القلق

25 مايو 2016
نجح الجيش بتحقيق انتشار في مناطق بمحيط الفلوجة(علي محمد/الأناضول)
+ الخط -
سجلت معارك الفلوجة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في يومها الثاني أمس الثلاثاء، تطورات عسكرية وسياسية جديدة، تمثّلت أبرزها بارتفاع أعداد الضحايا المدنيين جراء القصف الصاروخي الذي تشنّه مليشيات "الحشد الشعبي"، والتدخّل الأميركي بناءً على مناشدات لقيادات سياسية سنيّة طالبت بالضغط على الحكومة لوقف "انتهاكات وجرائم مليشيات الحشد في محيط الفلوجة تجاه المدنيين الهاربين من داعش وعمليات قصف عشوائية بالصواريخ على قرى تسببت بسقوط ضحايا"، وفقاً لما أكده مسؤول رفيع في حكومة الأنبار غرب العراق.
عدا ذلك فإن المعارك على الأرض بدت بين كر وفر في محاورها الأربعة، وسط نجاح واضح للتنظيم في عمليات المناورة والتحرك في تضاريس وجغرافيا غير سهلة خبرها لأكثر من 30 شهراً، هي فترة سيطرته على المدينة الواقعة إلى الغرب من بغداد. وتركزت معارك الفلوجة خلال الساعات الماضية حتى مساء الثلاثاء، على المحورين الشرقي والجنوبي. وشهد المحور الشمالي تراجعاً لقوات الجيش العراقي ومليشيا "الخراساني" و"حزب الله" إثر هجمات انتحارية أعقبتها عمليات خاطفة لتنظيم "داعش"، والذي استغل معرفته في المنطقة الريفية الشمالية من الفلوجة "البو شجل".
في المقابل شهد المحور الشرقي تقدّماً للجيش على حساب التنظيم الذي بدا أضعف من أن يصمد في مناطق مفتوحة لا يتوفر فيها أي غطاء نباتي أو عمراني. وفي جنوب الفلوجة، وتحديداً منطقة عامرية الفلوجة، استخدم الجيش والمليشيات حرب المياه من خلال إكمال إغراق مساحات واسعة من المنطقة عبر فتح رافد صغير من الفرات إلى تلك المناطق. ويقول مسؤولون عسكريون إن "داعش" سيجد صعوبة في التحرك وسيتم إبطال مفعول الألغام التي يزرعها فضلاً عن طمر الأنفاق التابعة له بالمياه. وفي حصيلة معارك أمس، فقد نجحت قوات الجيش والمليشيات في تحقيق انتشار واسع في المناطق المفتوحة بمحيط الفلوجة، مقتربة بنحو كيلومترين عن اليوم الأول للمعارك.
ولا يدخّر الإعلام الحكومي العراقي والمحطات التلفزيونية التابعة للأحزاب السياسية جهداً لتضخيم التقدّم العسكري وبث الأغاني الحماسية وبث البيانات بين ساعة وأخرى، والتي تتحدث عن مقتل قيادات بارزة في التنظيم من جنسيات تقول إنها آسيوية وعربية وأوروبية وتدمير معاقل له. غير أن كل المؤشرات تؤكد أن ذلك يندرج ضمن حرب إعلامية دأبت عليها الحكومة في التأثير على الروح المعنوية لمقاتلي التنظيم وأنصاره. فاتورة الحرب ارتفعت في اليوم الثاني لتبلغ الحصيلة حتى الساعة الخامسة من مساء أمس 82 قتيلاً وجريحاً بين سكان الفلوجة المحاصرين داخل أحيائها السكنية. وأكدت مصادر طبية عراقية مقتل 39 مدنياً من بينهم 23 طفلاً وسيدة، في القصف الصاروخي الذي تشنه مليشيات "الحشد" بشكل متواصل على الفلوجة، بينما الجرحى من هذا العدد المتبقي غالبيتهم بحالة حرجة لا يجدون أي مساعدات طبية لازمة. في المقابل، فإن التقارير تتحدث عن مقتل 41 عنصراً من تنظيم "داعش" في المعارك والقصف الجوي، بينهم اثنان من عناصره البارزة.


وعلى الجانب الثاني، فإن مستشفى الكاظمية العام شمال غرب بغداد استقبل العشرات من القتلى والجرحى في صفوف الجيش و"الحشد"، واحتل "حزب الله" ومليشيا "الخراساني" الصدارة بواقع 66 قتيلاً وجريحاً في الساعات الثماني والأربعين الماضية. وكشف مصدر عسكري عراقي، لـ"العربي الجديد"، أن ضباطاً أميركيين عقدوا اجتماعاً مع قادة الجيش برئاسة الفريق قائد قوات الجيش عبد الوهاب الساعدي، على خلفية تصاعد عدد الضحايا المدنيين بفعل انتهاكات مليشيات "الحشد" وقصفها العشوائي أحياء الفلوجة السكنية. ووفقاً للمصدر ذاته، فإن "الأميركيين أبلغوا قيادات الجيش بضرورة توقف المليشيات عن عمليات القصف واعتراضهم للهاربين من أهل الفلوجة واقتياد الرجال إلى سجون خاصة بها، أو أن واشنطن سترفع غطاءها الجوي عن المعركة"، لافتاً إلى أن "الاجتماع استمر لثلاث ساعات ولم يتم التوصل لأي اتفاق حتى مساء أمس".
وفي تطور اعتُبر نكثاً من رئيس الوزراء حيدر العبادي لتعهدات قطعها لقيادات سنّية بعدم إشراك "الحشد" وإبعاد الحرس الثوري الإيراني عن الفلوجة خوفاً من عمليات قتل وتفجير وسرقة تنفذها تلك العناصر، وصل قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري قاسم سليماني إلى مشارف الفلوجة الشرقية فجر أمس الثلاثاء، واستقر في قاعدة المزرعة التي كانت منتجعاً سياحياً قبل الاحتلال الأميركي للعراق، واطلع على سير المعارك وعقد اجتماعاً مع قيادات المليشيات العراقية وضباط في الجيش العراقي. ونشرت مليشيا "أبو الفضل العباس" صوراً لسليماني وهو يجتمع مع قادة المليشيات المتواجدة بمحيط المدينة. واعتبرت قيادات سنّية عراقية أن وصول سليماني ومشاركة المليشيات وأفراد الحرس الثوري في المعركة، بمثابة نكث العبادي بوعوده.
وقال عضو جبهة الحراك الشعبي العراقي محمد عبدالله، لـ"العربي الجديد"، إن وصول سليماني يؤكد أن العبادي لا كلمة ولا عهد له ونكث بوعده السابق، معتبراً أن "فاتورة الانتهاكات سترتفع، كما أن وجوده يعني تأزماً طائفياً جديداً في العراق". من جهته، قال الشيخ فدعم العيساوي، أحد زعماء عشائر الأنبار، لـ"العربي الجديد"، إن "المليشيات جاءت لتنتقم، لا لتحرير الفلوجة".
بدوره، شدد عضو اللجنة الأمنية في مجلس محافظة الأنبار راجع العيساوي، على ضرورة سحب مليشيات "الحشد الشعبي"، ووقف القصف العشوائي على مدينة الفلوجة بشكل فوري، مشيراً إلى تسبب قصف المليشيات بمقتل وإصابة العشرات من النساء والأطفال. وطالب "المرجعية بمحاسبة بعض عناصر الحشد الذين قاموا ببث الفتن من خلال الكتابات والكلام الذي تجاوزوا به على الفلوجة"، مؤكداً في تصريح صحافي ألا حاجة للمليشيات في محاور القتال بالفلوجة، في ظل وجود قوات كافية لقتال تنظيم "داعش" من الجيش العراقي والشرطة الاتحادية والشرطة المحلية ودرع الفلوجة ومسلحي العشائر. وفي خضم المعارك الطاحنة، استمر توافد القيادات السياسية على غرفة عمليات "تحرير الفلوجة" الواقعة في قاعدة المزرعة على بُعد 5 كيلومترات شرق الفلوجة، إذ زار رئيس المجلس الأعلى عمار الحكيم وعدد من نواب البرلمان عن "التحالف الوطني" الحاكم المنطقة والتقوا بقوات الجيش والمليشيات.

المساهمون