ثنائية الفساد والغباء... بوابة دخول المفخخات إلى بغداد

ثنائية الفساد والغباء... بوابة دخول المفخخات إلى بغداد

12 يونيو 2017
غالبية السيارات يتم تفخيخها داخل العاصمة (صباح عرر/فرانس برس)
+ الخط -
منذ 14 عاماً والسؤال الذي لم يعثر أي عراقي على جواب له، لا يزال يطرح مع كل تفجير أو اعتداء إرهابي يبطش ببغداد، وهو يتمثل بمعرفة كيف دخلت هذه المفخخة إلى العاصمة العراقية مع وجود 100 ألف عنصر أمن داخلها ونحو ربع مليون جندي وشرطي وعنصر مليشيات يلفونها من الجهات الأربع؟ وهل دخلت فعلاً من مدن مجاورة أم تم تلغيمها داخل العاصمة؟ وإذا تم تلغيمها، فمن أين وصلت المتفجرات؟ وكيف تمكن سائق السيارة المفخخة من عبور حواجز التفتيش الداخلية التي تمعن في عمليات التفتيش للسيارات المارة إلى حد يثير استفزاز المواطنين العاديين؟

ووفقاً لتقرير وزارة الداخلية العراقية، فقد انفجرت في بغداد وضواحيها منذ عام 2003 ولغاية مطلع عام 2017، نحو 5 آلاف سيارة مفخخة، منها 3 آلاف سيارة مركونة وأخرى بواسطة انتحاريين، تحمّل ساحل الرصافة من بغداد نحو 60 بالمائة منها، مقارنةً بجانب الكرخ، على الرغم من وجود المنطقة الخضراء وعدد من المؤسسات المهمة، فضلاً عن السفارات فيه. إلا أن الدفع الطائفي لتنظيم "القاعدة" آنذاك ومن ثم تنظيم "داعش" يعتبر السبب الرئيس في استهداف جانب الرصافة أكثر من الكرخ.

ذكرت تقارير استخباراتية عراقية صادرة عن مديرية الأمن الوطني في بغداد ووزارة الداخلية ولجنة الأمن والدفاع بالبرلمان العراقي، أن 20 بالمائة فقط من السيارات المفخخة تدخل إلى بغداد والباقي يتم إعدادها داخل العاصمة وفي مناطق لا يمكن للكثيرين التخيل أنها قد تحوي خلية إرهابية أو أنها باتت حاضنة لمسلحين يخططون لاعتداءات مدمرة، من بينها مناطق مغلقة لصالح الأحزاب "الشيعية". وفي 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2012، أدى انفجار سيارة بواسطة انتحاري في منطقة البياع، جنوب بغداد، إلى مقتل وإصابة 39 مدنياً، من بينهم 6 أطفال، ثلاثة منهم أشقاء، كانوا في طريق ذهابهم إلى المدرسة عندما انفجرت السيارة قرب مطعم شعبي في شارع 20 الشهير بالمنطقة ذاتها. وأشار التقرير الخاص بالتحقيق في الاعتداء إلى تورط ضابط برتبة نقيب بعملية دخول السيارة إلى حي البياع الذي لا يحوي إلا على مَنْفَذيْن، الأول مخصص لخروج الأهالي والثاني لدخولهم، إذ تم إدخالها من الحي الصناعي المجاور لها وبرفقة الضابط، وفقاً لتقرير تم التحفظ عليه، ومنع رئيس الحكومة السابق، نوري المالكي، آنذاك نشر اسمه.

وحول ذلك، قال مسؤول رفيع المستوى بوزارة الداخلية العراقية إن "أكثر من 50 بالمائة من العمليات الإرهابية يمكن إيقافها لو كنا نملك جهاز شرطة صادق ومهني". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه، أن "السيارات التي تفخخ داخل العاصمة حقيقة، لكن الحكومة تتجنب التصريح بذلك كونه يثبت الفشل الذريع". وتابع أنه "قبل أيام عثرت (القوى الأمنية) على منزل في الكرادة، استخدم في تفخيخ سيارة وهجر بعد إتمام العملية"، وفق تأكيده. وبيّن أن أفراداً بالأمن يخضعون لابتزاز "داعش" أو لإغراءاته المالية ويتورطون في أنشطة لصالحه، أحدهم مقابل 10 آلاف دولار مرّر سيارة تاكسي مفخخة إلى كربلاء قبل أشهر".


وتابع المسؤول في الداخلية العراقية أن "داعش يشتري نماذج تصريح دخول وكتب تسهيل مهمة وهويات أمنية مقابل المال ومن خلالها يتنقل بحرية في بغداد". وأشار إلى أنه في عام 2016، تم استبدال "أختام وزارة الداخلية أربع مرات للوقاية من النماذج المزورة من هذه الأختمام ومعرفة كيفية تنقل داعش بكتب صادرة عن الداخلية، إلا أن الأختام الأساسية عادت مجدداً وكأن شيئاً لم يكن"، وفق تعبيره. وأكد أن "عملية تحميل داعش أو تنظيم القاعدة من قبلها كل مسؤولية المفخخات غير صحيح إطلاقاً، إذ هناك أحزاب سياسية مشاركة بالسلطة متورطة في عمليات تصفية واستهداف بواسطة المفخخات، وبالعادة لا يكون المتهم سوى الإرهاب". ولفت إلى أن تفجيراً وقع العام الماضي قرب حسينية في الجادرية ببغداد، بواسطة مفخخة، موقعاً عدداً كبيراً من الضحايا، "تبين أن جناحاً مسلحاً يتبع لأحد الأحزاب المشاركة بالعملية السياسية مسؤول عنه، وليس داعش"، على حد قول المتحدث نفسه.

في هذا السياق، شرح العقيد المهندس عدنان شهاب الطائي، الذي عمل في وحدة معالجة المتفجرات بوزارة الدفاع العراقية بين 2005 ولغاية عام 2013، طرق دخول المفخخات للعاصمة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أدلى به من مقر إقامته في مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان، شمال العراق، ونفى أن تكون هناك قدرة لاجتياز السيارة المفخخة لأكثر من 50 كيلومتراً دون أن تنفجر بسبب الاحتكاك وارتفاع حرارة المتفجرات الموجودة فيها نتيجة الاهتزاز داخل السيارة. وقال "علمياً، حديث قادة الأمن والمسؤولين بالحكومة عن أن السيارة المفخخة هذه أو تلك قد جاءت لبغداد من محافظة ما أو مدينة ما، هو إما كذب متعمد أو غباء منهم، وكل ذلك من أجل الهروب من المسؤولية". وأضاف أن "السيارة المفخخة التي يقودها انتحاري وتكون المواد المتفجرة فيها تزيد عن 30 كيلوغراماً وموصلة بالأسلاك مع زر التفجير، عليها أن تصل لهدفها قبل أن تجتاز مسافة 50 كيلومتراً، إذ إن ارتفاع درجة حرارة المتفجرات بسبب محرك السيارة والاحتكاك الناجم عن الاهتزاز أثناء الطريق كفيل بأن يتولى مهمة تفجير السيارة قبل وصولها إلى الهدف"، وفق تأكيده.

وبيّن الطائي أنه "عدا ذلك فالحديث عن أن سيارة مفخخة خرجت من الرمادي أو تكريت إلى بغداد لتنفجر هناك هو توظيف طائفي"، موضحاً أنه "مهما بلغت قوة القائد الأمني أو المسؤول فإنه لن يستطيع أن يكون أقوى من قوانين الفيزياء الطبيعية"، وفقاً لقوله. وأكد أن غالبية السيارات "يتم تفخيخها داخل العاصمة وبالعادة في الحي نفسه الذي يتم استهدافه أو الحي المجاور له، لكنها تخرج من المبنى الذي فخخت فيه بسبب ثلاثية الغباء والفساد والاختراق"، على حد تعبيره.

وأضاف الطائي أن سبب مرور السيارات المفخخة يتمثل في "غباء أجهزة الأمن وعدم تطوير قدراتها وانعدام الانضباط العسكري بين أفرادها وانشغالهم أثناء مرور السيارات، أو باستخدام داعش لأغطية مختلفة تسهل لعناصره المرور، مثل غطاء مليشيات الحشد حالياً، وغطاء مواكب النواب والمسؤولين، أو الهويات والكتب الرسمية المزورة التي تحمل عبارة يسمح له بالمرور، وبعضها ليس مزوراً ويتم شراؤه فعلاً من قبل داعش، ما يتيح تمرير السيارات المفخخة".

وفي ما يتعلق بدور الفساد في هذا الصدد، أكد الطائي أن "تورط ضباط وعناصر أمن في إدخال المفخخات أو المتفجرات التي غالباً ما تكون على شكل دفعات صغيرة من داخل حواجز التفتيش هو الأمر الأكثر خطورة"، على حد وصفه. وقال إن "ملف ضابط بالجيش من أهالي محافظة ذي قار، سلّم إلى اللواء قاسم عطا، الذي كان يشغل منصب مستشار لنوري المالكي وفي الوقت نفسه متحدث باسم عمليات بغداد العسكرية، ويثبت الملف تورطه مع آخرين بإدخال متفجرات إلى إحدى مناطق بغداد، وكانت هناك إفادة من ضابط وشرطي تؤكد ذلك، إلا أن اللواء عطا لم يتخذ أي إجراء واعتبر الموضوع منافسة غير شريفة بين الضباط"، وفق قول الطائي. وأكد أن "ملف الفساد وضعف نفوس كثير من الضباط بات عاملاً رئيسياً في دخول المفخخات للعاصمة".

وحول الاختراق، ختم الطائي قائلاً إن "داعش تمكن من تجنيد أفراد بالشرطة والجيش لصالحه ويعملون على تسهيل تمرير السيارات المفخخة داخل حواجز التفتيش والنقاط الأمنية"، مؤكداً أن اعترافات أحد عناصر "داعش" تشير إلى أن التنظيم كان يعرف فترة مناوبة رائد معين على حاجز التفتيش، فلا يمرر المتفجرات في ذلك الوقت لأن هذا الرائد صارم، بل يحرص "داعش" على وجود ضابط آخر يكون العبور سهل للغاية من خلاله، وفق اعترافات أحد أعضاء التنظيم.

المساهمون