مؤتمر "المناعة القومية": العلاقات مع العرب "كنز استراتيجي لإسرائيل"

مؤتمر "المناعة القومية": العلاقات مع العرب "كنز استراتيجي لإسرائيل"

21 يونيو 2017
يشارك نبيل شعث في المؤتمر بصفته الرسمية(فابريس كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -
خلافاً للمؤتمرات السنوية السابقة لـ"مؤتمر هرتسليا للمناعة القومية"، والتي ركزت خاصة في السنوات الأربع الأخيرة على صورة قاتمة لتهديدات استراتيجية محيطة بإسرائيل، وعلى رأسها خطر الترسانة الصاروخية لكل من حزب الله وحركة حماس، والخطر الإيراني، فقد أبرز رئيس مؤتمر "المناعة القومية"، الجنرال عاموس جلعاد، أمس في كلمة افتتاح المؤتمر السابع عشر لهرتسليا، ما اعتبره الكنوز الاستراتيجية لإسرائيل في المرحلة الراهنة، مقابل التهديدات والأخطار في محاولة لرسم ميزان للفرص والأخطار التي تواجهها دولة الاحتلال.
وقد فضل عاموس جلعاد، الذي شغل لسنوات طويلة مهام رفيعة في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، أن يبرز على نحو خاص شبكة "العلاقات والتعاون المميز" بين إسرائيل والدول العربية، أو وفق تعبيره الدول السنية، بشكل يساهم كثيرا في أمن إسرائيل، معتبراً في هذا السياق أنه مثلما تتمتع إسرائيل بفضاء استراتيجي غربي (جغرافيا) من أوروبا، فإنها باتت في الأعوام الأخيرة تتمتع بفضاء استراتيجي شرقي، يمنحها مجالاً آمناً من أي خطر عسكري مباشر يهدد وجودها.



وفي السياق، خصص جلعاد إشارة إلى دور نظام الانقلاب في مصر وما حققه الانقلاب العسكري الذي قاده عبد الفتاح السيسي على حركة الإخوان المسلمين عبر القول إنكم لا تقدرون حقاً الواقع الأمني والاستراتيجي الذي حققه هذا الانقلاب، فلولاه لكنا أمام واقع استراتيجي خطير في حال تم تحالف بين الإخوان المسلمين في مصر وبين تركيا تحت قيادة رجب طيب أردوغان. وفي رسمه للفرص الإسرائيلية في الأوضاع الاستراتيجية الراهنة، اعتبر جلعاد، أن الملف الإيراني والخطر الإيراني يبقى التهديد الاستراتيجي الوحيد القائم أمام إسرائيل، فإيران مصرة على مواصلة سعيها للوصول إلى السلاح النووي، وهي لا تقوم بذلك حالياً لأنها ترغب تحت قيادة حسن روحاني في تحقيق انتعاشها الاقتصادي، فروحاني يدرك أنه بدون تحقيق انتعاش اقتصادي، فقد لا تصل إيران ونظامها الحالي إلى مرحلة لتهديد أمن إسرائيل وخلق ميزان ردع نووي معها.
ويرى جلعاد أن بداية انهيار قوة داعش، لا تعني بالضرورة أن من سيحل محلها سيكون نصيراً لإسرائيل، بل يتشكل محور جديد بقيادة إيران وحزب الله وسورية، مدعوماً من روسيا. ولفت إلى أنه على الرغم من وجود حوار استراتيجي وتعاون وتنسيق عسكري مع إسرائيل إلا أنه يجب ألا نخطئ في تحديد مكان وقوف روسيا في هذا الموضوع فهي تبقى في الطرف الآخر.
ومع أن جلعاد أشار إلى أن العلاقات المتطورة باستمرار مع الدول العربية "السنية" بحسب تعبيره، إلا أنه اعتبر أن "هذا ينبغي ألا يجعلنا نصدق مقولات سياسية في إسرائيل بشأن استعداد العرب والدول العربية للمضي قدماً نحو إسرائيل قبل حل للقضية الفلسطينية"، فهم لن يقوموا بذلك ليس حباً بقضية فلسطين وإنما بسبب الحساسية الكبيرة لدى الشعوب العربية لمسألة فلسطين، وبالتالي فإن القول إن العرب سيضغطون على الفلسطينيين لتقديم تنازلات، لا يمكن الأخذ بها، ولو بفعل الخوف من الرأي العام العربي في هذه الدول.
هذه الصورة، مع ما يتعلق بأهمية الدور الكبير للتنسيق الأمني الذي تقوم به السلطة الفلسطينية مع الاحتلال، هو ما يوفر على إسرائيل بحسب جلعاد جملة من الأمور الجسيمة، أولها دماء جنودها والمواطنين الإسرائيليين، وثانياً، ضبط إيقاع النضال المسلح وحتى الفصائلي للجناح العسكري لحركة فتح ومنع أي مواجهات مع عناصر الجيش الإسرائيلي، وهو ما يتيح لجيش الاحتلال، أن يواصل تدريباته العسكرية الروتينية من دون أي تشويش، بما يسهل عليه الوصول لحالة الجهوزية اللازمة له في حالات الحرب والمواجهة العسكرية في حال اندلاعها.
لكن هذه الكنوز التي تتمتع بها إسرائيل، تبقى معلقة اليوم ورهينة بوجوب اتخاذ قرار إسرائيلي للبدء بمبادرة سياسية وسلمية، خصوصاً في ظروف ممتازة تتمثل بإدارة أميركية صديقة، حتى لا تخسر إسرائيل مستقبلاً، لأنه لم يعد ممكنا تأجيل القرار بوجوب انفصال سياسي (وليس أمنياً) عن الفلسطينيين.
ويحذر جلعاد أنه في حال عدم المضي في اتخاذ قرار بهذا الاتجاه ستخسر إسرائيل كل مكامن القوة الاستراتيجية (غير العسكرية) وعلى رأسها منظومة العلاقات الآخذة بالتطور مع العالم العربي، والتأييد الدولي لإسرائيل، خصوصاً أوروبا التي بدأت حركة المقاطعة الدولية تؤثر في صفوف الرأي العام لشعوبها بما يضغط على المؤسسات السياسية لهذه الدول، لجهة الابتعاد عن الالتزام بالدعم السياسي (خلافاً لصمود عقيدة الالتزام بأمن إسرائيل) المؤيد لإسرائيل في المحافل الدولية المختلفة.
وتشكل هذه القراءة لميزان القوى الإسرائيلي، وفق الصورة التي رسمها الجنرال احتياط عاموس جلعاد، بمثابة رسالة تحذير سياسية وأمنية لجهة عدم الاكتفاء بالإطناب في الحديث عن تقاطع مصالح مع الدول العربية في مواجهة إيران، والمباشرة بإطلاق مبادرة سياسية، ليس مهماً بالضرورة أن تكون نتائجها في نهاية المطاف النجاح، لكن مجرد إطلاقها يحول دون تغيير في حالة التفوق الاستراتيجية لإسرائيل اليوم، التي تعتمد كثيراً على انهيار وتلاشي خطر الجيوش النظامية، من جهة، وضعف الموقف الفلسطيني، حالياً، مقابل بوادر لتعاون إيجابي مع دول عربية مختلفة من جهة أخرى.
مع العلم أن مؤتمر هرتسليا يناقش، هذا العام، بالأساس القضايا المحورية التي تطرق لها عاموس جلعاد في كلمة الافتتاح الرسمية أمس، لكنه يخصص أيضاً جلسات مهمة لحرب السايبر، وملفات الأمن المائي للمنطقة، وأخرى للتحديات الداخلية التي من شأنها أن تضرب المناعة القومية لإسرائيل وتهدد بالتالي أمنها القومي.
وتسجل النسخة السابعة عشرة لمؤتمر هرتسليا لهذا العام، مشاركة رسمية غير مسبوقة لمندوبين عن السلطة الفلسطينية وحركة فتح، عبر كلمات وخطابات سيلقيها في المؤتمر كل من مستشار الرئيس محمود عباس للعلاقات الدولية ومسؤول العلاقات الدولية في حركة فتح، نبيل شعث، إلى جانب مداخلة لرئيس ما يسمى بلجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي، إلياس الزنانيري، ومشاركة فلسطينية في جلسة مغلقة حول أمن المياه في المنطقة وتأثيراته، يشارك فيها إلى جانب الفلسطينية نداء جدلاني، رئيس هيئة مياه وادي الأردن في المملكة الأردنية الهاشمية، سعد الحمر.