هيت العراقية... تحرير مرتقب لـ"عروس الفرات" والمدنيون ضحيّة المعارك

هيت العراقية... تحرير مرتقب لـ"عروس الفرات" والمدنيون ضحيّة المعارك

08 ابريل 2016
استعادت القوات العراقية المشتركة معظم المناطق(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
تقترب مدينة هيت، ثالث أكبر مدن محافظة الأنبار، غرب العراق، من التحرر من سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بعد نحو 10 أيام من بدء قوات عراقية مشتركة من الجيش، والشرطة، وأبناء العشائر مهاجمة المدينة من اتجاهات عدة بدعم أميركي مباشر، وسط غموض يلف مصير آلاف العائلات الموجودة في المدينة، التي منع مقاتلو التنظيم خروجهم، واستخدموهم كدروع بشرية.

حرب شوارع

ووفقاً لمصادر عسكرية وحكومية، فإن القتال تحوّل إلى حرب شوارع، والطيران الأميركي انزوى قليلاً بسبب المسافة القريبة بين القوات العراقية المشتركة ومقاتلي "داعش". ويقول قائد قوات الجيش في الأنبار، اللواء الركن إسماعيل المحلاوي، لـ"العربي الجديد، "سنعلن النصر قريباً جداً"، مضيفاً أنّ "قواتنا باتت تسيطر على معظم أجزاء المدينة، وخسائر داعش كبيرة"، مؤكّداً أنّ "عروس الفرات ستعود قريباً لحضن العراق"، على حدّ تعبيره.

بدوره، يرجّح العقيد الركن، سالم حميد، من قيادة عمليات الجيش العراقي لـ"العربي الجديد" خلال تواجده قرب مدينة هيت، "إعلان التحرير سيكون يوم الجمعة (اليوم) أو السبت (غداً) في حال استمر الطقس مناسباً، وتوفّر لقواتنا دعم مروحي"، مبيّناً أن القوات العراقية "رفعت العلم العراقي على عدد من مباني هيت، وتحريرها أصبح أمراً واقعاً"، وفقا لقوله.

من جانبه، يقول عضو لجنة الأمن والدفاع في محافظة الأنبار، كبرى المحافظات العراقية غرب البلاد، راجع بركات العيساوي، لـ"العربي الجديد"، إن "القوات العراقية ممثلة بالجيش وأبناء العشائر العربية كسروا تنظيم داعش اليوم (أمس الخميس) بشكل واضح". ويلفت العيساوي إلى أنّ "القوات العراقية تمكّنت من السيطرة على عدد من مراكز الشرطة، ومبنى المحكمة، وحي المعلمين، في وقت يحاول فيه عناصر التنظيم الانسحاب نحو نهر الفرات والمناورة من هناك عبر حيّ البكر، متوجّهين نحو بلدتَي عنه وراوة غرب الأنبار".

ويعتبر العيساوي استعادة السيطرة على مدينة هيت "نقلة استراتيجية للقوات العراقية في معاركها المستمرة في الأنبار، بحكم موقع هيت المهم، إذ إنّها تربط مدن الأنبار مع بعضها وتربط المحافظة بالصحراء الممتدة ما بين محافظتَي صلاح الدين والموصل، فضلاً عن كونها عقدة وصل مع الأردن وسورية"، وفقاً للعيساوي.

وتعني مدينة هيت باللغة الآشورية "مدينة النار"، بسبب احتوائها على منابع وعيون القار والمياه الساخنة، التي لا تزال حتى اليوم تُستخدم في العلاج الطبيعي. وهي تقع على بعد 190 كيلومتراً غرب بغداد، و70 كيلومتراً من مدينة الرمادي المحرّرة حديثاً من سيطرة "داعش". يلف المدينة نهر الفرات من ثلاث جهات. كان يقطنها نحو 300 ألف مواطن قبل اجتياحها من قبل التنظيم. تضم هيت مناطق أثرية تعود إلى عصر صدر الإسلام خلال الفتوحات الإسلامية في العراق والشام. وتعد المدينة من مناطق الإنتاج المختلط، فهي تشتهر بالزراعة، والصناعة، والموارد الطبيعية وغالبيتها حالياً غير مستغّل.


وتشير مصادر عسكرية إلى أنّ "حرب شوارع ضارية تجري داخل أحياء هيت بين القوات العراقية والتنظيم، ولا تزال مستمرة، كما تحظى القوات العراقية بدعم أميركي جوي كثيف في تلك المعارك، وتمنع قوات الجيش وسائل الإعلام من مرافقتها في المدينة، بسبب ما تصفه خطورة الوضع هناك وحدّة المعارك. وتؤكد المصادر العسكرية أنّه "لا توجد أية مشاركة فعليّة لمليشيات الحشد الشعبي في معارك هيت، ومن قبلها مدينة كبيسة التي حُرّرت نهاية الشهر الماضي، والتي تجاور هيت من جهة الجنوب الغربي".

مصير المدنيين

في غضون ذلك، يبقى مصير آلاف الأسر، التي لا تزال داخل هيت، تحت رحمة القصف الجوي، والبرّي، ودوي التفجيرات، وأزيز الرصاص. وذكرت القوات الأمنية في الأنبار أنها أنشأت مخيّمَين كبيرَين في منطقتَي الكيلو 18، والكيلو 35 لإيواء الأسر التي أخرجتها القوات العراقية من عدد من أحياء المدينة خلال تقدّمها. لكن وجهاء وأهالي هيت أكدوا أنَّ آلافاً من الأسر لا تزال عالقة داخل هيت، منذ أيام، في وقت يستهدف فيه القصف الجوي والبري للقوات العراقية وطيران التحالف الدولي كل ما في المدينة من دون استثناء"، وفقاً للسكان.

ويكشف ناشطون ميدانيون، فضلاً عن مصادر خاصة من هيت، لـ"العربي الجديد"، عن أنّ "ثلاث أسر نازحة مكوّنة من 25 فرداً أغلبهم نساء وأطفال قتلوا، باستثناء طفلتين وامرأة مسنّة". وتؤكد هذه المصادر أنّ "طيران التحالف الدولي والعراقي قصف، أول من أمس الأربعاء، منزلاً داخل هيت تقطنه ثلاث أسر نازحة مكوّنة من 25 فرداً من أطراف المدينة بالصواريخ والقنابل"، وفقاً لهذه المصادر. وتوضح أنّ "22 فرداً من تلك الأسر قتلوا جميعاً من نساء وأطفال وشباب وشيوخ، ولم يخرج منهم سوى طفلتَين صغيرتَين وامرأة مسنّة".

في ظلّ هذا الواقع الميداني، تزايد قلق الناشطين المدنيين والوجهاء على مصير آلاف الأسر المحاصرة داخل المدينة منذ انطلاق العمليات العسكرية عليها قبل ثلاثة أسابيع. ويقول أحد وجهاء هيت، محمد الأنباري، إنّ "القوات العراقية تستخدم سياسة الأرض المحروقة لمطاردة عناصر التنظيم، الذين يمنعون المدنيين من الخروج من المدينة". ويؤكد الأنباري لـ"العربي الجديد" أنّ "وسائل الإعلام العراقية تتعمّد تعتيم الأخبار عمّا يجري في هيت، في وقت تستهدف فيه القوات العراقية والطيران العراقي والدولي كل الجهات، خصوصاً الأحياء السكنية". ويطالب الأنباري وسائل الإعلام العربية والدولية بالتركيز في تقريرها على مصير المدنيين داخل مدينة هيت، والضغط على الحكومة العراقية لكشف مصيرهم وإبعاد القصف الجوي والبري عنهم. سيطر التنظيم على المدينة عقب فرار الجيش العراقي منها منتصف عام 2014، ونفّذ فيها أبشع مجازره التي عرفت باسم مجزرة "البو نمر"، إذ قتل "داعش" أكثر من 900 شاب من أهل المدينة، معظمهم من عشيرة البو نمر، بتهمة "ارتدادهم عن الإسلام".

المساهمون