استسلام المسلحين جنوبي الجزائر: تضخيم يلبي مصالح الجيش والمافيات

استسلام المسلحين جنوبي الجزائر: تضخيم يلبي مصالح الجيش والمافيات

08 فبراير 2019
الجيش يوظف موجة استسلام المسلحين لتحقيق أهداف عدة(العربي الجديد)
+ الخط -
تكشف التقارير العسكرية الواردة من جنوبي الجزائر عن تسليم موجة جديدة من المسلحين أنفسهم مع أسلحتهم إلى الجيش الجزائري، للاستفادة من تدابير العفو بموجب قانون المصالحة الوطنية الصادر في سبتمبر/ أيلول 2005. لكن تساؤلات عدة تطرح حول طبيعة النشاط الفعلي لهؤلاء المسلحين، وهل لديهم صلة تنظيمية بالمجموعات المتشددة التي تتخذ موقفاً معادياً للحكومة، أم أن نشاطهم الفعلي ينضوي ضمن شبكات الجريمة والنهب ومافيا التهريب في الجنوب، لكنهم يوظفون قانون العفو لصالحهم ويسلمون أنفسهم بموجبه لتبييض صفحات جرائمهم التي يعاقب عليها القانون الجزائري.

حتى نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي سلم 12 مسلحاً أنفسهم لقوات الجيش الجزائري في الصحراء، موزعين على مناطق أدرار وبرج ياحي مختار وتمنراست جنوبي الجزائر. كان آخرهم ملوكي مبارك (أبو محمد)، وبربوشي رمضان المكنى الزبير، والزرقاوي واسمه الحقيقي (شمنماس مهما)، وموسى حسيني (أبو عبد الكريم).



وتعد هذه الحصيلة في الشهر الأول من عام 2019 مهمة إذا ما وضعت في سياق جهود الجيش لتطهير مناطق الجنوب، خصوصاً تلك المتاخمة للحدود مع شمالي مالي والنيجر، ومساعيه لإنهاء وجود المسلحين فيها، وقطع صلاتهم بمجموعات أخرى توجد في الجانب الآخر من الحدود. وتضاف إلى حصيلة العام الماضي، إذ سلّم ما مجموعه 132 مسلحاً (بينهم 21 من النساء وعائلات المسلحين) أنفسهم لقوات الجيش، أغلبهم في مناطق الجنوب والصحراء القريبة من شمال مالي والنيجر.
وزادت وتيرة استسلام المسلحين بعد دعوة قائد أركان الجيش أحمد قايد صالح للمسلحين في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي لتسليم أنفسهم مقابل الاستفادة من تدابير العفو، وفقاً لقانون السلم والمصالحة الوطنية الذي صدر باستفتاء شعبي في سبتمبر/أيلول 2005.

وإذا كان لافتاً أن أغلب هؤلاء المسلحين الذين سلموا أنفسهم أخيراً في مناطق جنوبي الجزائر، فإن بيانات الجيش تؤكد أن غالبيتهم التحقوا بالمجموعات المسلحة بين 2009 الى 2015، وهي في الغالب فترة كانت المجموعات المسلحة قد فقدت كامل حظوظها في مواجهة الجيش في منطقة الجنوب ولم تكن لديها القدرة على مزيد من استقطاب مسلحين الجدد. كما أن بيانات الجيش لا تشير إلى طبيعة واسم المجموعة التي كان ينشط فيها كل مسلح، وما إذا كانت هناك علاقة وصلات بين هؤلاء المسلحين أنفسهم، بما أنهم كانوا ينشطون في نفس المنطقة، ولا حيثيات وطبيعة المسار الذي يتخذه المسلحون قبل تقديم أنفسهم والاتصالات التي تسبق ذلك. ويحيل ذلك إلى طرح تساؤلات حول هوية وطبيعة النشاط الحقيقي لهذه العناصر التي قررت الاستسلام.

أستاذ العلوم السياسية في جامعة ورقلة جنوبي الجزائر، مبروك كاحي، وهو متابع للشؤون الأمنية في المنطقة، اعتبر في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هناك التباساً في بيانات الجيش بشأن من يتم توقيفهم أو استسلامهم، بين الإرهابيين الذين ينشطون في صفوف المجموعات الإرهابية وبين المنخرطين في شبكات الجريمة وقطاع الطرق".
وبرأيه فإن "ليس كل الذين يسلمون أنفسهم هم من الإرهابيين والناشطين السابقين في المجموعات الإرهابية بالمفهوم المتعارف عليه. جزء منهم قد يكونون قطاع طرق ولصوصاً ومجرمين في شبكات الجريمة المختلفة التي تنشط في الصحراء". وأوضح أن "أخطر جماعة إرهابية كانت موجودة في الصحراء هي جماعة بلعور أي مختار بلمختار، وكانت تستهدف سيارات الدفع الرباعي لشركات البترول ثم انتقلت إلى خطف الرهائن، أي أنها جماعات تعيش على الاقتيات غير الشرعي".
وتنشط في صحراء الجزائرية الواسعة المجموعات المتشددة التي كانت توالي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحركة الجهاد والتوحيد، وبدرجة أقل الحركة من أجل العدالة في الجنوب، وهي مجموعات يعرف عن قياداتها وناشطيها رفضهم مسار المصالحة والاستسلام للجيش وانسحبوا الى مناطق آمنة في شمالي مالي والنيجر تحت حماية قبائل وحركات الطوارق المسلحة.
لكن في موازاة ذلك، تنشط أيضاً شبكات مسلحة تعمل لصالح مافيات التهريب، وتهرّب كميات كبيرة من الوقود والمواد الغذائية والتبغ، وتعمل أيضاً على تأمين طرق وممرات لتهريب الأسلحة، خصوصاً الآتية من ليبيا بهدف بيعها في مالي والنيجر ودول غربي أفريقيا. كذلك تنخرط هذه الشبكات في تهريب المخدرات والاتجار بالبشر والهجرة السرية. وفي الغالب يتورط عناصر هذه الشبكات في عمليات مسلحة. ويختار بعضهم تقديم نفسه للجيش كعنصر مسلح بهدف الاستفادة من تدابير العفو، وذلك بعد أن يكونوا جمعوا ما يكفي من الأموال نتيجة انخراطهم في عمليات التهريب.
ويعول هؤلاء المسلحون على أن السلطات الجزائرية تعتبرهم ينشطون لصالح المجموعات المسلحة باعتبار أن أنشطتهم كان تتضمن في أحيان كثيرة تهريب مؤن للمجموعات المتشددة، وبالتالي يحاكمون وفقاً لقانون الإرهاب. ولذلك يؤمن ادعاء المسلحين بالانتماء للجماعات المتشددة حماية من التعرض للمحاكمة وفقاً للقانون الجزائي واحتمال التعرض للسجن لسنوات طويلة، لا سيما أن كل من يسلم نفسه بوصفه كان عنصراً في الجماعات المتشددة أو متعاوناً معها، يتم إبقاؤه في ثكنات الجيش لفترة معينة إلى حين تسوية ملفه قبل إطلاق سراحه.

وبينما يستفيد الجيش من المعلومات التي بحوزة الذين يستسلمون، ويحاول تجنيد بعضهم، فإنه يجد في موجة الاستسلام، وبغض النظر عن طبيعة ونشاط المسلحين، فرصة سانحة لإبراز وجوده ومنجزاته اليومية. وفي السياق، لفت أستاذ العلوم السياسية مبروك كاحي إلى أن إصدار الجيش بشكل يومي بيانات تتصل بعملياته العسكرية واستسلام مسلحين يأتي في سياق "إرسال رسالة للداخل والخارج، بكون الجزائر منخرطة في مجهود محلي وإقليمي ودولي لمحاربة الإرهاب العالمي". ووفقاً لكاحي فإن الجيش يستغل موجة الاستسلام للدعاية لصالح مجهوده الأمني في الداخل وتركيز موقفه وموقعه كحامي البلد، وهو أمر مشروع".

وتذهب تفسيرات أخرى الى أن الكشف عن موجة استسلام المسلحين في الجنوب يُفهم على أنه رسالة تفيد بحاجة الجيش إلى مزيد من الوقت لتطهير كامل للصحراء، وعدم جاهزية المنطقة الصحراوية التي تزخر بالمناطق السياحية الجميلة وواحات النخيل والرسوم القديمة، لاستقبال السواح الأجانب في الوقت الحالي تجنباً لتكرار عمليات اختطاف سواح أجانب كما حدث عام 2003، عندما خطفت مجموعة عمار صايفي، المعروف بعبد الرزاق البارا، 33 سائحاً أجنبياً أغلبهم من جنسيات ألمانية جنوبي الجزائر. وحررهم الجيش الجزائري قبل نقلهم إلى شمال مالي.

المساهمون