عين "داعش" على تورابورا: كابول و"طالبان" يتركان القبائل وحيدة

عين "داعش" على تورابورا: كابول و"طالبان" يتركان القبائل وحيدة

07 نوفمبر 2016
تمتاز تورا بورا بوعورتها وكهوفها (روميو كاساد/فرانس برس)
+ الخط -
بعد أن تلقى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) هزائم متكررة في المناطق المجاورة للحدود الأفغانية الباكستانية في شرق البلاد، وبالتحديد في أربع مديريات تقطن فيها قبائل شينواري، وتقدر خسائره وفق بيانات وزارة الدفاع الأفغانية بحوالى 1500 قتيل، أطلق التنظيم هجوماً مباغتاً على منطقة جبال تورابورا، أي (الغبار الأسود)، حيث تمكن من السيطرة على بعض المناطق المهمة هناك. وتأتي شهرة تورابورا من أنها كانت في ثمانينيات القرن الماضي مركزاً للمقاتلين ضد السوفييت، الذين لم يتمكنوا من السيطرة عليها بسبب صعوبة الوصول إليها. وتحولت إلى مركز رئيسي لتنظيم "القاعدة" قبل الاحتلال الأميركي في العام 2001، حيث لجأ اليها زعيم "القاعدة"، أسامة بن لادن، بعد أن جاء من السودان، وهرب عبرها، بمساعدة القبائل، إلى باكستان.

ويقول نائب رئيس البرلمان الأفغاني، حاجي ظاهر قدير، إن "داعش" يملك مخططاً كبيراً بعد الاستيلاء على بعض المناطق الاستراتيجية، وفشل القبائل في مواجهته يؤكد أنه سيستولي على منطقة تورابورا التي تطل على شرق أفغانستان كله، موضحاً أن القوات السوفييتية لم تستطع السيطرة على المنطقة رغم المعدات العسكرية الضخمة التي كانت تمتلكها. ويضيف أن فرع "داعش" المدعوم من بعض دول المنطقة يشكل تحدياً لأمن المنطقة ومستقبلها، مطالباً المجتمع الدولي والقبائل بالوقوف صفاً واحداً في وجه زحف التنظيم المتطرف الذي يهمه القتل والخراب فقط.

وقبل أسبوع استيقظ أبناء منطقة بر بتشير المجاورة لتورابورا على دوي إطلاق نار كثيف من أسلحة خفيفة وثقيلة، ليكتشفوا وجود جثث في الشوارع وأن المئات من مقاتلي التنظيم يجوبون شوارع المنطقة الجبلية. ويقول زمرود خان إنه خرج من منزله لكي يعرف سبب إطلاق النار، لكن أحد المسلحين أطلق النار باتجاه المنزل ما أدى إلى إصابة شقيقه. ويوضح خان أن مسلحي "داعش" كانوا يطلقون النار على الرجال، ويخرجون النساء والأطفال عنوة من المنازل، مشيراً إلى أن أحد المسلحين أخرج زوجته بالقوة من المنزل وهو أمر لن ينساه، لا هو ولا عشيرته، حتى ينتقم له.

في المعركة الأولى تمكن "داعش" من السيطرة على عدد كبير من الأحياء، فيما سارعت القبائل إلى ترتيب صفوفها. ومن المعروف أن مديرية خوجياني في إقليم ننجرهار (شرق البلاد)، والتي تضم قبائل وزير وشيرزاد وخير بوني، تتوحد ضد أي عدو خارجي، رغم العداوات بين بعضها البعض. وعلى ذلك الأساس وصلت حشود من القبائل من المناطق القريبة لمواجهة زحف "داعش" الذي كان يأمل أن يسيطر على كامل منطقة بتشير، بشقيها بر بتشير وكوز بتشير، وفي وسطها تورا بورا. ويقول الزعيم القبلي، ملك نذير خان، إن مواجهة مسلحي "داعش"، الذين يملكون جميع أنواع الأسلحة، صعبة، لكننا نقف في وجههم بصدور عارية دفاعاً عن أعراضنا وأرواحنا، إذ إن مسلحي التنظيم لا يرحمون أحداً ويعدمون جميع الشباب والرجال. ويشير إلى أن الحكومة، وبعد مطالب متكررة من قبل القبائل، أرسلت عدداً ضئيلًا من الجنود إلى المنطقة، شكلوا خط الدفاع الثاني خلف رجال القبائل. ويشكو من الشح في العتاد والأموال والذخيرة، وأن الحكومة لم تقدم لهم أي شيء، رغم أنها تدرك جيداً أن القبائل هي الجهة الوحيدة التي تستطيع الوقوف بوجه "داعش" أو أية جماعة أخرى.

ويتحدث رجال القبائل عن مشاركة عناصر حركة "طالبان" في عملية مواجهة "داعش" في اليوم الأول من المعركة، لكنهم انسحبوا بعد ساعات، تاركين القبائل بمفردهم، كما فعلت القوات الحكومية. إلا أن بعض عمليات القوات الخاصة (كوماندوس) كبدت التنظيم خسائر فادحة في الأرواح، كما تعاملت القبائل معهم بكل قسوة، حيث أعدمت أسرى "داعش"، بحجة أنه اعتقل عشرات الشباب، وقام بإعدام بعضهم والإبقاء على الباقين، بينهم نساء وأطفال، رهائن، من أجل الضغط على القبائل كي تنسحب من الأماكن التي يرغب "داعش" في السيطرة عليها. ويشير محمد فيروز، أحد سكان آغام المجاورة لبر بتشير، إلى أن "داعش" أفرج أخيراً عن عدد قليل من النساء والأطفال، لكن لا يزال هناك عدد كبير من الرهائن لديه.

وخسرت القبائل، خلال أسبوع واحد، العشرات من أبنائها بين قتيل ومفقود، فيما هجرت المعارك الدامية بين الطرفين أكثر من 1200 أسرة من بر بتشير، وصلت إلى منطقة بهسود قرب مدينة جلال آباد. منو غل (18عاماً)، الذي سار مع أسرته لمدة يومين، يقول إن مسلحي "داعش" أعدموا جميع الرجال، وهمهم لم يكن القتل فقط بل تهجير الناس، إذ إنهم كانوا يجبرون الأسر على مغادرة منازلها لتخلو المناطق لهم. منو غل، الشاب القبلي، يؤكد أنه سيعود قريباً حتى ينتقم لابن أخيه (12 عاماً) الذي قتل برصاص "داعش". والده ملنغ خان (75) يؤكد أن حفيده كان يحتضر عندما فرت الأسرة، التي لم تتمكن حتى من دفنه خوفاً من مسلحي "داعش". ويشير إلى أنه قلق على زوجته، ولا يعرف ما إذا كانت لا تزال حية أم توفيت.

ومنطقة تورابورا، التي يعني اسمها الغبار الأسود، عبارة عن منطقة جبلية تقع على قمم جبال الأبيض الفاصلة بين باكستان وأفغانستان. وتحوي المنطقة الوعرة عشرات الكهوف التي ساعد الأميركيون والباكستانيون في توسيعها أثناء الغزو السوفييتي لأفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي. وكانت أول معقل للمقاتلين ضد السوفييت في شرق أفغانستان، حيث فشلت القوات السوفييتية في السيطرة عليها بسبب الكهوف الكبيرة، ووقوعها على الحدود بين باكستان وأفغانستان ووعورة الطرق المؤدية إليها. وبعد هزيمة السوفييت، سيطر مقاتلو الشيخ يونس خالص، أحد المؤيدين لبن لادن على المنطقة، وتحولت تلك الكهوف إلى معقل لتنظيم "القاعدة" حتى العام 2001، وقد فر بن لادن منها إلى باكستان عند انطلاق عملية أميركية للسيطرة على أفغانستان. ولعل "داعش" أدرك أهمية الموقع الاستراتيجي لتلك المنطقة، لذلك يحاول السيطرة عليها، لكنه غفل عن أن البقاء والعيش فيها غير ممكنين إلا بمساعدة القبائل التي دعمت المجاهدين و"القاعدة"، وعندما تقف تلك القبائل بوجه أحد، كما يحصل حاليا مع "داعش"، فإن الموازين قد تنقلب.

المساهمون