"بلاش تبوسني" لأحمد عامر: تجديد معطَّل

"بلاش تبوسني" لأحمد عامر: تجديد معطَّل

11 ابريل 2018
ياسمين رئيس في "بلاش تبوسني" (الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -
رغم تاريخها الطويل، الممتد على نحو 90 عامًا على الأقلّ، لا تزال السينما المصرية "مُصابة" بمسحة تقليدية، تحول دون التجديد والمغامرة، أحيانًا عديدة. صحيحٌ أنها مرّت في فترات تألّق، وظهر فيها مخرجون كبار. لكن قيمة هؤلاء متمثّلة بالتميّز داخل إطار الدراما الذي نجيده (كمخرجي "الواقعية الجديدة" في ثمانينيات القرن الـ20، مثلاً)، لا بابتكار شكل أو أسلوب مختلفين عن السائد والمعتاد. التجارب السينمائية في هذا السياق التجديدي قليلة للغاية، أبرزها، ربما، نتاجات رأفت الميهي ومحمد شبل، وأفلام متفرّقة هنا وهناك، في هذا التاريخ السينمائي الطويل. 

"بلاش تبوسني" (2018)، أول أفلام المخرج أحمد عامر ـ المعروض حاليًا في الصالات التجارية المصرية، والمُشارك في المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة في الدورة الـ5 (19 ـ 26 إبريل/ نيسان 2018) لـ"مهرجان طرابلس للأفلام" في لبنان ـ إحدى تلك التجارب، التي تحاول خلق "شكل" جديد وتجريبي ومتلاعِب، تحديدًا في طريقة السرد، إذْ تُروى حكايته عبر Mockumentary، وهو مصطلح يُطلق على أفلام تعتمد على مشاهد "تسجيلية زائفة" لسرد قصتها، كـ"زيليغ" (1983) لوودي آلان (1935)، و"بورات" (2006) للاري تشارلز (1956).



ينقسم "بلاش تبوسني" إلى خطين: الأول روائي، يتناول محاولةَ سينمائيٍّ شاب يُدعى تامر تيمور (محمد مهران) إخراج فيلمه الأول "السراب"، الذي يحتوي على قبلة يُفترض بممثلته فجر (ياسمين رئيس) أن تمنحها لأحد الممثلين. بداية، تسير الأمور على خير ما يرام. لكن، فجأة، تقرّر فجر ألا تؤدّي "مشهد القبلة"، ما يضع تنفيذ الفيلم كلّه على المحك.
الثاني، الـ"موكيومنتري" لمخرج آخر يصنع فيلمًا تسجيليًا عن عدم وجود قبلات في السينما المصرية الجديدة (في الأعوام الأخيرة)، ما يجعله يتتبّع واقعة الممثلة فجر، ويحاول فهم أسبابها، وأسباب المحيطين بها، لعدم تأدية القبلة.

الفيلم جميل من الناحية الشكلية. مفاجئ في نصف الساعة الأول، التي يتعرّف فيها المُشاهدون على الشخصيات والأحداث. الحسّ الهزلي الذي تقدَّم به الشخصيات مناسبٌ جدًا للـ"موكيومنتري"، حتى الشخصيات الـ"كليشيه" ـ كالفنانة الكبيرة المعتزلة والشيخ الذي يفسّر الأحلام والمنتج ذي التاريخ الطويل في صنع أفلام تجارية وغيرهم ـ تتجاوز تلك النماذج التقليدية الشديدة في بنائها وتفاصيلها، في مقابل "خفّة" و"اختلاف" الشكل السردي الذي يجعل هؤلاء يتحدّثون عن أنفسهم أمام الكاميرا بشكل تسجيلي.

لكن، بعد نصف الساعة الأول، الذي يُدرك فيه المتفرّج نوعية الفيلم الذي يشاهده وطبيعة الكوميديا النابعة منه، لا يملك أحمد عامر أي شيء إضافي يثير به حماسة الفرجة أو متابعة الأحداث.

يُصبح كل شيء متوقعًا، كأن العمل لا يحمل سوى نكتة أساسية معتمِدة على تراجع فجر عن القبلة، وتحدث الشخصيات عن هذا الأمر ـ باعتباره حدثًا جللاً ـ أمام الكاميرا، من دون أي مساحات أخرى يحتمل الذهاب إليها في الإطار التجديدي الذي يختاره منذ البداية، ومن دون القدرة على تسيير القصة بتطورات درامية مقبولة، تجعلنا نبقى أمام الشاشة 90 دقيقة من دون ملل.

هذا لم يحدث. فحين تنتهي "مفاجأة" الشكل السردي للفيلم في بدايته، لا يكون هناك أي شيء آخر أصيل أو لافت للانتباه والمتابعة.

المحبِط أن الموضوع الأساسي الذي يدور حوله الفيلم يحتمل، بالفعل، مسارات وتطورات كثيرة، وتلاعبًا داخل هذا الإطار الشكلي، الذي يختاره أحمد عامر. أمور مرتبطة بتغيّر المجتمع المصري، وبكيفية صعود "نجوم الكوميديا الشباب" منذ عام 1997، بالتزامن مع زيادة النزعة الدينية المحافظة في المجتمع، إلى درجة التعامل بتجريم وإدانة أخلاقية مع أي ممثلة تقوم بتأدية قبلة على الشاشة، أو تظهر بـ"ملابس (شبه) عارية"، رغم أن هذا عادي، ولم يُجرَّم سابقًا في أفلام الأسود والأبيض، وصولاً إلى نوعية الأفلام التي يُمكن تقديمها على الشاشة السينمائية بتلك الحدود العنيفة التي تضعها الفنانات أنفسهنّ. هناك أيضًا سؤال: كيف يمكن تقديم فيلم رومانسي مثلاً من دون قبلة واحدة بين بطليه؟

لكن "بلاش تبوسني"، رغم مميّزات التجديد الواضح في روحه، يسير وراء إغواء الشكل والنكتة والـ"إيفّيه"، ويكرّرها حتى النهاية، ما يجعله تجربة لافتة للانتباه، لكنها غير مكتملة وغير ناضجة.

المساهمون