"كتاب أخضر": كوميديا كاريكاتورية

"كتاب أخضر": كوميديا كاريكاتورية

11 يناير 2019
"كتاب اخضر" لبيتر فاريلّي: دراما وكوميديا (فيسبوك)
+ الخط -
تمتلك "أفلام الطريق" جاذبية ما للسينمائيين، غالبًا بسبب مساحة الحرية المفتوحة أمامهم، والاحتمالات الممنوحة لهم بفضلها. أي شيء يمكن أن يحدث بناء على ما تُصادفه الشخصيات في رحلاتها تلك. "كتاب أخضر" (Green Book) لبيتر فاريلّي ـ الفائز بـ3 جوائز "غولدن غلوب 2019"، في فئات أفضل فيلم موسيقي أو كوميدي وأفضل سيناريو لفاريلّي وبراين هايس كورّي ونِكْ فالّيلونغا، وأفضل ممثل ثانٍ لمارهرشالا علي ـ أحد ألطف "أفلام الطريق" في الأعوام الأخيرة. فرغم مشاكل واضحة في السيناريو تحديدًا، استطاع الفيلم خلق دراما وكوميديا في آن واحد، مسلّيتين وبسيطتين، بفضل إدراك صانعه لما يريده منه، وعدم تحميله ثقلاً غير مناسب لأجوائه. والأهم، بفضل أداء بارع لممثليه الأساسيين فيغو مورتنسن وماهرشالا علي، في أحد أفضل الكيمياء المشتركة بين الممثلين خلال عام 2018. 

تدور أحداثه مطلع الستينيات الفائتة. قصّته حقيقية، بطلها فرانك فالالونغا، أميركي ذو أصل إيطالي، ينجح في الحصول على وظيفة سائق وحارس خاص لدون تشيرلي، عازف موسيقى الچاز ذي الأصل الأفريقي. يتّجه الرجلان، في رحلة طويلة بالسيارة، إلى الجنوب الأميركي، في جولة موسيقية لتشيرلي. صعوبة الرحلة الأساسية لن تكون فقط بسبب العنصرية المتزايدة والعنف المحتمل كلما توغّلا في الجنوب، بل في الاختلاف الثقافي الشاسع بين الرجلين، وطباعهما المتناقضة في كل شيء، التي تحمل صدامات عديدة، بالإضافة إلى كوميديا ودراما كثيرين، تلتقي كلّها معًا، فتغيّر في كلّ واحد منهما ببطء.

يحمل الفيلم شكلاً كاريكاتوريًا في بناء شخصياته وأحداثه. لوهلة أولى، ربما يكون الأمر مزعجًا، فبيتر فاريلّي وضع اسمي بطليه في صفحتَي "كرّاس" متقابلتين. وكلما اختار صفة لأحدهما، وضع للآخر نقيضها. بدءًا من الشكل (أبيض وأسود، ممتلئ ونحيل، طويل وقصير)، وصولاً إلى طريقة الحديث والحركة والصوت، ونهاية بتفاصيل الطعام وإنشاء العائلة والعادات اليومية. إلى جانب ذلك، فإن بناء الأحداث والمواقف التي تقابلهما أثناء الرحلة مفتعلٌ أحيانًا، أو مدفوع في اتجاهات تخدم الدراما أو المعنى أو التفاعلات التي يراد لها أن تحضر بين البطلين، وإنْ لم تكن الاتجاهات منطقية بصورة كاملة. مشاكل السيناريو كان يُمكنها أن تعكِّر كل مصداقية، أو كل تفاعل بين المُشاهد والفيلم، لولا امتلاكه أهم ما يحتاجه "فيلم الطريق": ممثلون على درجة عالية من التفاهم والكيمياء المشتركة، بحيث يشعر المُشاهد برغبة في إكمال الرحلة معهم.

فيغو مورتنسن وماهرشالا علي يحملان الفيلم على أكتافهما بشكل شبه كامل. يبدآن من كوميديا "الفعل وردّ الفعل"، المبنية على تناقض الشخصيتين. بتلقائية مدهشة، يثيران الضحك والتعاطف والتفهّم. يحوّلان الشخصيتين ذاتي الطابع الكاريكاتوري على الورق إلى مشاعر وانفعالات ملموسة عند تأديتها على الشاشة. يصنعان جسرًا مع المُشاهد، ليخوض معهما تلك المغامرة. من تلك النقطة، يتضاءل بعض مشاكل السيناريو، ويتحوّل الشعور بلا منطقية بعض منعطفات القصّة إلى مواقف محدّدة، وإلى اهتمام بمصائر الشخصيتين في كل موقف، وتأمل الدوافع التي تحرّكهما، والتغيرات التي تمرّ بها تلك الصداقة، والتي تؤثّر في حياة كل منهما، كأنهما ينضجان معاً، فيُصبح للرحلة أثر ومعنى بفضلهما.

المساهمون