رأس السنة... تقاليد وطقوس احتفالية في بريطانيا

29 ديسمبر 2017
احتفالات وتجمعات ليلة رأس السنة (جون فيليبس/Getty)
+ الخط -
كانت للاحتفالات التي ترافق بداية العام الجديد آثار اجتماعية وسياسية ودينية هامّة. كما كانت مجرّد تقاليد لدى بعض الثقافات لا تختلف عمّا نقوم به اليوم.

ويعود الاحتفاء برأس السنة إلى آلاف السنين، حيث بدأ مع أهالي العراق القدماء، وكان يعرف باسم "أكيتو" لدى هذه الشعوب التي سكنت هذه البلاد، من الآكديين والسومريين والآشوريين والكلدانيين في بلاد الرافدين. كما احتفلت روما بهذه المناسبة لأول مرّة في عام 153 قبل الميلاد، أي ألفي عام قبل أن تبدأ بريطانيا بالقيام بذلك. 

أمّا اليوم فتحتفل معظم دول العالم بوداع عام واستقبال آخر، كلّ وفق طقوسها وتقاليدها، التي يستمر الزمن في تشكيلها، ليمحو منها ويضيف إليها.

ففي العاصمة البريطانية لندن، تضيء الألعاب النارية سماءها الملبّدة بالغيوم والمتسترة خلف الضباب، مجمل أيّام السنة، كما تدق أجراس الكنائس عند منتصف الليل، وهو تقليد جرى مع الأحداث العامة الكبرى، فضلا عن دقات ساعة "بيغ بن" في قصر "وستمنستر" التي تدق معلنة عن بداية عام جديد.

ولا يزال تأثير شعوب الكلت التي سكنت بريطانيا (750 سنة قبل الميلاد)، جليّا في شمال بريطانيا وفي إسكتلندا. إذ كان يعتقد أنّ الدخان يدرأ الأرواح الشريرة، وأنّ النار تغري الشمس بالعودة، لذلك تقام طقوس الحرائق المركزية في هذه المناطق. حيث تسير مواكب تستعرض كرات نارية وأشكالا مختلفة من النار.

ومن تقاليد الشعب الإنكليزي تجمّع الناس في المناسبات الهامّة في بقع وأماكن مختلفة. وكان أوّل تجمّع موثّق في ليلة رأس السنة الميلادية في عام 1878 في كاتدرائية سانت بول، حين تهافتت الحشود للاستماع إلى الأجراس الجديدة التي ثبتت آنذاك. بات هذا المكان النقطة المحورية التي يتجه إليها سكّان لندن، حتى أن السلطات حاولت وقف ذلك، خاصّة مع الإفراط في شرب الكحول.

ولم ينتقل الناس إلى ساحة ترافلغار إلّا بعد الحرب العالمية الثانية، ومنذ عام 2004، باتت ضفاف نهر التايمز تضم تجمّعات الحشود بالقرب من عين لندن.

"للكحول دور كبير في تقاليد الإنكليز، خاصّة في رأس السنة، حيث نبدأ بتناوله مع حلول ظهيرة هذا اليوم"، يقول كريس ديهان (33 عاماً)، لـ"العربي الجديد"، ويضيف أنّ الكثيرين منهم أو من يتحمّلون تكاليف لندن يحضرون الألعاب النارية من إحدى غرف الفنادق المطلّة على التايمز أو من برج "شارد" الشاهق. ويكمل أنّه شهد هذا المنظر الرائع منذ سنوات وقد يعود هذا العام إلى لندن لحضور احتفالات رأس السنة فيها، كونها رائعة، وتبعث في النفوس بهجة وتفاؤلا.

أمّا عن تجمع الأهل والأصدقاء، فيقول كريس إنّهم ليلة رأس السنة يحتفلون عادة خارج المنزل على النقيض من عيد الميلاد الذي غالباً ما يقضونه في المنزل. يتابع أنّهم يذهبون إلى إحدى الحانات لتناول الغداء أو العشاء، ويتحدّثون عادة عمّا حدث خلال العام الماضي من إخفاقات وإنجازات وغيرها، كما يحاولون وضع أهداف أو خطط للعام الجديد. "تحتفل إسكتلندا بليلة رأس السنة بطريقة مختلفة عن بقية مناطق إنكلترا"، يضيف كريس، ويقول ابحثي عن "هوغماناي"، وهو اسم ليلة رأس السنة عند الإسكتلنديين، كي تتعرّفي على تقاليدهم في هذه المناسبة.

وبالفعل، بدت تقاليد الإسكتلنديين مميزة، أو قد تكون فريدة، وأكثرها شعبية تلك التي تبدأ مباشرة بعد منتصف الليل، حيث يؤمنون بأنّ الشخص الأوّل الذي تطأ قدماه عتبة المنزل، هو الذي يحدّد مصير العام المقبل، ويجلب الحظ لبقية السنة. وتقليدياً، يفضّل أن يكون هذا الزائر رجلاً طويل القامة، وبشعر داكن اللون، فضلاً عن حمله الفحم والملح والخبز والويسكي، التي ترمز إلى الدفء والثروة والصحة الجيدة.

وعلى الرّغم من اختلاف "هوغماناي" بين مناطق إسكتلندا ذاتها، بيد أنّها تحتفظ بطقوس خاصّة بها. ففي مدينة ستونهافن، في شمال شرق إسكتلندا، يصنع أهل المنطقة كرات نارية مصنوعة من ريش الدجاج والصحف القديمة والعصي والخرق وغيرها من المواد القابلة للاشتعال، ويعلقونها على حبل مضاد للنيران. وحين يقرع جرس البلدة القديمة، تشعل هذه الكرات، وفي نهاية الحفل تلقى الكرات النارية التي لم تنطفئ في الميناء.

يتدفق الناس لمشاهدة هذا الحدث الذي يجذب الحشود في منتصف الليل، فضلاً عن قرع الطبول في الشوارع وعروض الألعاب النارية.

وتحتفل المدن الإسكتلندية الكبرى طوال الليل كما معظم أرجاء العالم، مثل غلاسكو وأدنبرة وأبردين. وتعتبر احتفالات أدنبرة "هوغماناي" من بين أكبر الاحتفالات في العالم، خاصّة بعد أن دخلت كتاب غينيس كأكبر حفل رأس سنة في العالم، بين عام 1996 و1997، بعد أن حضره حوالي 400 ألف شخص. ومنذ ذلك الحين، تمّ تقييد أعداد الناس بسبب مخاوف تتعلّق بالسلامة.

وفي هذا العام، هناك الكثير من الأمور التي يمكن القيام بها في لندن ليلة رأس السنة، 2017، ومنها مشاهدة الألعاب النارية أثناء التجوّل في رحلة على قارب أو سفينة في نهر التايمز، أو من الممكن زيارة مدينة وينتر لاند، التي تستضيف رأس السنة الجديدة، من الساعة الثامنة مساء، في أجواء مرحة ومشروبات وأطعمة فاخرة.

وخارج لندن، تحتفل مدن بريطانيا جميعها كل على طريقتها. ففي برمنغهام، الحدث الأكبر الذي يحتل الواجهة هو العودة إلى السبعينيات في حفلات الديسكو، وارتداء الملابس التنكرية أو الكلاسيكية.

كما تتهيّأ لندن لاستقبال اليوم الأوّل من السنة الجديدة بموكب مذهل يمتد على طول شوارع ويست أند. وفي كل عام يتجمّع في قلب هذه المدينة الرّاقصون والبهلوانات في مسيرات للمركبات التاريخية، للتعبير عن فرحتهم من خلال عروض ملونة تجمع بين المعاصرة والتقليدية. ويتواجد في هذا الحدث ما يزيد عن ثمانية آلاف من الفنانين الذين يمثلون أحياء لندن ودولاً من جميع أنحاء العالم، مع تهافت حوالي 500 ألف متفرّج، بمواكبة بث تلفزيوني مباشر.

المساهمون