عراقيل لم الشمل... عقبات الدولة تزيد مرارة اللجوء في النرويج

عراقيل لم الشمل... عقبات الدولة تزيد مرارة اللجوء في النرويج

23 يناير 2023
سلسلة عقبات تعترض لم شمل الأسر اللاجئة إلى النرويج (Getty)
+ الخط -

يوثق التحقيق ما يواجهه اللاجئون في النرويج من عقبات تضعها الدولة في طريق لم شملهم بأسرهم، عبر شروط من دونها لا تتأهل العائلة للتقدم ورسوم تعتبر من الاعلى في العالم، وفترة طويلة لمعالجة الطلب، وخلالها تتفاقم المعاناة.

- اضطر اللاجئ الفلسطيني توفيق محمد الحسن إلى العمل في وظيفتين حتى يتقدم بطلب لم شمله مع زوجته حنين حسن، إذ يشترط أن يكون لدى مقدم الطلب إجمالي دخل قدره 300,988 كرونة نرويجية (30,169 دولارا أميركيا) في العام السابق من تقديم الطلب، وأن يستمر هذا الدخل عاما لاحقا على الأقل، وألا يكون معتمدا على المساعدة الاجتماعية المالية في الأشهر الـ12 التي تسبق تقديم الطلب، بحسب اللوائح الخاصة بمتطلبات الدخل في قضايا الهجرة العائلية الصادرة عن وزارة العدل والأمن العام في 25 أغسطس/آب 2017.

ولم يكن سهلا على لاجئ وصل إلى النرويج عام 2011 أن يجد عملين، وفق حنين، خاصة أنه كان عليه تسجيل طلب لم شمل الأسرة عبر الإنترنت في غضون ستة أشهر من منحه تصريح إقامة في النرويج، كما يتوجب على أفراد الأسرة في الخارج تقديم جميع المستندات اللازمة في سفارة نرويجية محددة أو مركز تقديم الطلبات في غضون عام واحد، وهذا ما لم تتمكن حنين وزوجها من الإيفاء به في الوقت المحدد، وهو إجراء آخر يزيد من تعقيدات عملية تقديم الطلب، وفقا لما يؤكده تقرير للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة النرويجية للاجئين (NOAS)، وهي منظمة مستقلة، بعنوان "حق اللاجئين في وحدة الأسرة: تحديات لم الشمل في النرويج والسويد والدنمارك"، والذي صدر في 27 نوفمبر/تشرين الأول 2019.

ما مرت به حنين وزوجها جزء من التحديات العديدة التي تعرقل لم شمل أسر اللاجئين في النرويج، والتي يوثقها تحقيق "العربي الجديد" ويتتبع أثرها على الأسر التي قد تصل مدة انتظارها إلى 21 شهرا قبل أن تلملم شتاتها، على الرغم من أن بعضها قد يكون معرضا للخطر في الدول غير المستقرة التي يوجد فيها، أو اضطر للإقامة في بلد آخر ريثما تنتهي معالجة طلب لم الشمل في النرويج.

من يمتلك الحق في طلب لمّ الشمل؟

يحق لكل من حصل على وضع اللاجئ وعلى الحماية الإنسانية في النرويج أن يقدم طلب لم الشمل للأزواج والأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما، بحسب ما نشرته مديرية الهجرة النرويجية UDI على موقعها الإلكتروني.

تتباين فترات انتظار معالجة طلبات لم الشمل باختلاف الجنسية

وبلغت طلبات لم شمل الأسرة 11,727 في عام 2019، من بينها 5756 طلبا لم شمل للشريك، و4221 للأطفال، و272 طلبا للوالدين، وحالات أخرى 1529، وبلغت نسبة القبول العامة 89%، وكانت الدول التي جاء منها أكثر مقدمي طلبات لم الشمل الهند، وسورية، وإريتريا، والفيليبين وتايلاند، وفق ما وثقته معدة التحقيق عبر قاعدة بيانات موقع الوكالة المركزية للإحصاءات (مستقلة تعنى بنشر الإحصاءات الرسمية).

وفي عام 2020، بلغت طلبات لم شمل الأسرة 9628، من بينها 4074 طلبا للشريك، و7442 طلب لم شمل لأطفال تحت سن الثامنة عشر، و212 طلب لم شمل لأحد الوالدين، وكانت نسبة القبول العامة لطلبات لم الشمل من جميع الجنسيات 83%، والدول التي جاء منها أكثر مقدمي الطلبات هي سورية، وإريتريا، والهند، وتايلاند والفيليبين.

وارتفع إجمالي الطلبات في عام 2021 إلى 19,710، منها 8524 طلبا للشريك، و3633 للأطفال تحت سن الثامنة عشرة، و232 لأحد الوالدين، و7501 لأفراد آخرين، وكانت نسبة القبول 87%، وتصدرت الفيليبين الدول التي جاء منها أكبر عدد من الطلبات، ثم باكستان وأفغانستان وتايلاند وإيران.

الصورة
لم شمل

رسوم عالية تعيق اللاجئين

تؤكد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن الرسوم المفروضة على مقدم طلب لم الشمل في النرويج تصل إلى 10500 كرونة نرويجية (1053 دولارا)، وتعتبر من أعلى الرسوم في العالم لمثل هذا النوع من الطلبات، وهذا يدفع اللاجئين إلى عمل غير معلن أو قروض باهظة الثمن من أجل دفع الرسوم، وفق ما جاء في تقرير بعنوان "تجب حماية العائلات معا" نشرته المفوضية على موقعها في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، مؤكدة أنه يجب على النرويج أن تعفي اللاجئين من متطلبات الرسوم كما تفعل السويد والدنمارك.

تفرض النرويج على مقدم طلب لم الشمل أعلى رسوم في العالم

وما يزيد الأمر تعقيدا أن رفض الطلب لأول مرة أمر وارد، لأسباب عديدة، منها شرط بلوغ كلا الزوجين سن 24 عاما عند معالجة طلب لم الشمل، وهو ما حصل مع حنين التي كان عمرها أقل 24 عاما وقت التقديم، وكذلك لم يمض على زواجهما سوى بضعة أشهر، علما أن المتطلبات الجديدة التي أدخلت على قانون الهجرة الذي ينص على أن الشخص المرجعي الذي يطلب لم الشمل يجب أن يكون متزوجاً منذ أكثر من عامين قبل قدومه إلى النرويج، وتعزو مديرية الهجرة النرويجية فرضها هذه الشروط إلى قلقها بشأن شكل الزواج المتخذ في بلدان الشرق الأوسط خاصة، ومخاوف من أن تكون الفتاة مجبرة على الزواج بسبب صغر عمرها، وهذا ناجم عن وجود نسبة كبيرة لزواج الفتيات القصر في البلدان العربية، بحسب رد المديرية على "العربي الجديد".

مدة طويلة للنظر في الطلب

تقدمت العراقية رواء أحمد بطلب لم شمل لزوجها في فبراير/شباط 2018، عقب وصولها إلى النرويج مع أطفالها الثلاثة في ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته، واستدعي الزوج إلى المقابلة في السفارة النرويجية بالأردن عام 2019، بعد ذلك، بدأت رحلة الانتظار الطويلة كما تقول رواء، والتي استمرت 20 شهرا، نظرا لما تحتاجه عملية معالجة الطلب من وقت.

وينص دليل مدة الانتظار في قضايا الهجرة العائلية، المنشور على الموقع الإلكتروني لمديرية الهجرة النرويجية، على أن مدة الانتظار للعراقيين تبلغ 20 شهرا، ويستغرق الأمر عادة 21 شهرا لمعالجة حالات لم شمل العائلات من إريتريا، و18 شهرا للطلبات المقدمة من سوريين، في حين تحتاج معالجة طلبات الأشخاص من الولايات المتحدة الأميركية وتايلاند إلى شهرين فقط.

ويعد الوقت الطويل الذي تحتاجه معالجة الطلب من العقبات التي يواجهها اللاجئ في عملية تقديم طلب لم شمل الأسرة في النرويج، والتي لا يمكن التغلب عليها، بحسب تقرير المفوضية "تجب حماية العائلات معا"، وهذا قد يعرض العديد من الأفراد الذين تم منحهم وضع اللاجئ في النرويج للخطر، فقد تكون أوضاعهم غير مستقرة، وليس لديهم سوى القليل من المال للعيش، كما جاء في التقرير ذاته الذي تشدد فيه المفوضية على أنه يجب إعطاء الأولوية لطلباتهم لاستعادة وحدة أسرهم بسرعة.

ما سبق عايشه السوري حسين حيدر الذي كان يبلغ عمره 15 عاما حين وصل إلى النرويج عام 2015، وتقدم بطلب لم الشمل لأسرته عقب حصوله على الإقامة بعد عام ونصف من وصوله، وكان العبء كبيرا على حسين الذي عاش بعيدا عن عائلته مدة ثلاث سنوات ونصف في مركز رعاية لطالبي اللجوء القصر غير المصحوبين بذويهم، مفتقدا إلى أسرته ومنعزلا، ويتفاقم خوفه كلما واجهت العوائق طلبه، إذ طلبت من أسرته أوراقا كثيرة مثل القيد المدني (مستند إثبات صفة)، دفتر العائلة وإثبات زواج والديه، وكان من الصعب على العائلة التي غادرت إلى تركيا أن تؤمن هذه الأوراق التي يجب أن تكون صادرة بتاريخ حديث، ما دفع والد حسين لتوكيل أحد أفراد عائلته في حلب لاستخراجها، وفُرض عليهم إجراء فحص (DNA) وإرسال النتيجة إلى مديرية الهجرة النرويجية، علما أن الأسرة لم يكن لديها أي مصدر دخل في تركيا، وقد شكلت هذه المتطلبات عبئا ماديا كبيرا عليها. ويقرّ مساعد المدير في قسم الإقامة في مديرية الهجرة النرويجية، جوناس فولمو، بأن القصر غير المصحوبين بذويهم معرضين للخطر ولا بد من إعطاء طلباتهم الأولوية، مستدركا بأن العائق الذي يعيق تقليص المدة متعلق بالإجراءات التي تستلزم الكثير من الوقت للتأكد من مصداقية الأوراق.

أما اختلاف مدة معالجة الطلب باختلاف الجنسية، فإن مديرية الهجرة النرويجية تبرر ذلك في ردها على "العربي الجديد" بضرورة إجراء تحقيقات للتأكد من صحة المعلومات المقدمة في طلب لم الشمل، وهذا الإجراء يختلف من بلد إلى بلد بخاصة إذا كان يسود هذا البلد مثلا الفساد الوظيفي الذي سيؤدي إلى الشك في المعلومات المقدمة في الطلب، مضيفة أن طول المدة يكون في كثير من الأحيان بسبب نقص في الأوراق المطلوبة من حالات.

تبعات عراقيل لم الشمل

تصنف المنظمة النرويجية للاجئين العقبات التي تضعها النرويج في طريق طالبي لم الشمل بأنها انتهاكات إنسانية، وفق ما نشرته في تقريرها "حق اللاجئين في وحدة الأسرة: تحديات لم الشمل في النرويج والسويد والدنمارك".

وبمجرد ظهور العقبات في طريق طالبي لم الشمل، تبدأ المعاناة وفق رواء التي عانت نفسيا جراء تأخر قدوم زوجها، كما أن تحملها أعباء أطفالها وحدها اضطرها إلى المكوث في البرد ساعات طويلة، بخاصة في أوقات علاج ابنها الذي كان يعاني من ورم في الرئة، فأصيبت بمرض فيبروميالغيا (الألم الليفي العضلي) وهو مرض عضلي هيكلي مزمن ناجم عن الإجهاد، إذ كان نهارها يبدأ من الساعة الـ5 صباحا لتحضير الطعام لأطفالها، وإيصالهم إلى المدرسة، ومن ثم ذهابها إلى مكان العمل.

أما القاصر حسين فقد عانى من الوحدة والغربة، وقد شعر خلال ثلاث سنوات بأنه نضج قبل الأوان بسبب الغربة، وأصبح مسؤولا عن أسرته بأكملها، ومضطرا لمواجهة شكوك مديرية الهجرة النرويجية بشأنها إن كانت هي الأسرة الحقيقية أم لا، حتى إنهم اقترحوا عليه أن تتبناه أسرة نرويجية، لكنه رفض حتى لا يخسر حقه في لم شمل أسرته، وهذا كله كان يشكل ضغطا نفسيا عليه وعلى أسرته، كما قال لـ"العربي الجديد".