هجوم على "يولاندس بوستن" الدنماركية والسبب: "شارلي إيبدو"

هجوم على "يولاندس بوستن" الدنماركية والسبب: "شارلي إيبدو"

09 يناير 2015
مبنى صحيفة "يولاندس بوستن" الدنماركية (العربي الجديد)
+ الخط -

وجّهت السياسيّة اليمينية عن حزب الشعب الدنماركي، بيا كيرسغوورد، نقداً لاذعاً لصحيفة "يولاندس بوستن" مساء أمس الخميس، إلى عدم إعادة نشر الرسوم الساخرة التي نشرتها "شارلي إيبدو" "كنوع من التضامن" بحسب كيرسغوورد.

"يولاندس بوستن" هي الصحيفة التي بدأت مسلسل النشر المعروف قبل عشر سنوات، والذي أدى إلى احتجاجات طافت دول المنطقة العربية والإسلامية. وواجهت خلالها الدنمارك أزمة دبلوماسية ومقاطعة اقتصادية وخلافات داخلية عميقة بين سياسييها ورموز الجمعيات الإسلامية داخل البلاد.

وتعتبر كيرسغوورد في تصريحات نقلها عنها التلفزيون الدنماركي أن عدم إعادة نشر تلك الرسوم بمثابة "ركوع واستسلام أمام التطرف". وأضافت: "يمكننا تفهّم مخاوف "يولاندس بوستن"، ولكن الاستسلام إلى التطرف دفعها إلى عدم إعادة نشر الرسوم، والذي هو تصرف يعني مكافحة هذا التطرف وليس الركوع له".

صحيفة "يولاندس بوستن" التي كانت أول صحيفة غربية تنشر كاريكاتوراً ساخراً من الرسول محمد، عبّرت على لسان رئيس تحريرها، يورن ميكلسين، أن "الحقيقة وراء عدم إعادة نشر تلك الرسوم الساخرة هو تحمّل المسؤولية، ونشرها سيعتبر تصرفاً غير مسؤول، وليس أولوية في هذه اللحظات. العديد من الناس لن يعترفوا بذلك، لكنني على العكس، أعترف بأنها ليست أولوية". وأضاف ميكلسين "إن صحيفة يولاندس بوستن لديها مسؤوليات تجاه الزملاء العاملين فيها، وأيضا مسؤوليات تجاه حرية التعبير. ومن المؤسف أن حرية التعبير يجري تهديدها كما لم يجر في السابق". 

من جهتها، قالت مديرة مؤسسة حرية الرأي والمطبوعات الدنماركية كاترينا فينكل هولم: "إن العنف انتصر. لقد كانت يولاندس بوستن وحدها في المقدمة عامي 2005 و2006 وقامت بإعادة نشر رسومات النبي محمد في 2008، والآن تتردد. يمكننا فهم ذلك، ولكنه بنفس الوقت هذا أمر فظيع". وتعتقد هولم بأن "يولاندس بوستن" تتردد "بسبب وضع عامليها على لوائح القتل والاستهداف". لكنها في الوقت ذاته تقول: "هذا تصرف ينم فقط عن رغبة في حماية النفس، وليس رفع لواء حرية التعبير، وهو موقف محزن جدا".  

من ناحية أخرى عبر السياسي المحافظ، ومسؤول السياسات الخارجية في البرلمان عن حزب الليبراليين، سورن بيند، الناقد للإسلام السياسي، عن تفهمه موقف صحيفة "يولاندس بوستن" التي رفضت نشر الرسومات اليوم قائلاً: "لن أقول شيئاً سيئاً عن يولاندس بوستن. ليس مطلوباً منهم أن يكونوا في الصدارة الآن، لقد ضحوا بما فيه الكفاية. إنهم في الصحيفة يخافون وهذا أتفهمه تماماً. وكل صحيفة هي من يقرر، من الآن فصاعداً، ما ستنشره من رسومات ساخرة أو إعادة نشر ما نشرته شارلي إيبدو".

في مقابل ذلك اختارت صحيفة "بوليتيكن" التي تتقاسم المبنى ذاته مع "يولاندس بوستن"، إعادة نشر رسومات ساخرة من صحيفة "شارلي إيبدو" اليوم الخميس.

الاهتمام الدنماركي الكبير بما حصل في باريس يعود إلى أن مسألة حرية التعبير والرأي تعتبر جزءاً أساسياً من هويتها الثقافية، كما في السويد التي تتعامل بحذر مع انتقاد الأديان والأعراق في إعلامها وصحافتها وثقافتها عموما. وهي لذلك لا تضع حدوداً أو معايير نشر أو تقيد حرية التعبير، حتى لو طالت القصر الملكي ورموزا تاريخية ودينية. وغالباً ما تقوم الصحافة ووسائل الإعلام الدنماركية بنشر ما تظن أنه مستفز لمن يحاول وضع قيود أو معايير أخلاقية تعتبرها تجاوزا لحقوق حرية التعبير والرأي، سواء في قضايا داخلية أو خارجية.


اليمين الدنماركي عادة ما يستغل مسألة حرية التعبير و"تهديدها" لإلصاق التهمة بمن يطلق عليهم هنا "الظلاميون". بينما في حالات أخرى يتصدى هو نفسه لكل عمل ينتقد التاريخ الدنماركي، بما فيها المسلسلات والأفلام السينمائية، كما حدث أخيراً في مسلسل أثار لغطاً كبيراً بين اليمين ومخرجين سينمائيين على خلفية مسلسل من ثماني حلقات بعنوان "1864"، والذي يتحدث عن حروب الدنمارك مع ألمانيا وانحسار النفوذ العسكري بعد تلك الحقبة. تصدى التلفزيون الرسمي "دي آر" حينها مع عديد من المخرجين لهذا اليمين باعتباره يمارس ممارسات "الظلاميين" ذاتها في تقييد الحريات ووضع معايير تقديس لا يقبلها كثيرون في المجتمع.