صحافيون عرب في ضيافة الإسرائيليين الأكثر عنصرية

صحافيون عرب في ضيافة الإسرائيليين الأكثر عنصرية

25 فبراير 2016
صحافي فلسطيني مصاب خلال تغطية اشتباكات مع الاحتلال بالضفة(Getty)
+ الخط -
في الوقت الذي يصارع فيه الصحافي الفلسطيني، محمد القيق، الموت في سجونه، بعد إضرابه عن الطعام لأكثر من 90 يوماً، وعلى الرغم من حربه المُعلنة على الصحافة الفلسطينية والتي شملت إطلاق النار على صحافيين واعتقالهم ومنعهم من العمل وإغلاق محطات إذاعيّة وقنوات تلفزة ومصادرة مقتنياتها، استقبل الاحتلال الإسرائيلي أربعة صحافيين عرب مقيمين في أوروبا، بهدف الإسهام في تحسين صورته أمام الرأي العام العربي. وتأتي هذه الخطوة ضمن تحرك أوسع تعكف وزارة الخارجية الإسرائيلية على تنفيذه، ويهدف إلى تنظيم زيارات لنخب إعلامية وكتاب من العالم لإسرائيل من أجل محاولة التأثير عليهم ومنحهم انطباعات "إيجابية" عن الكيان الصهيوني، ليقوموا بنقلها إلى الرأي العام في بلدانهم. وقد أطلق على هذا التحرك "مشروع الطائرة"، حيث تم ضمنه تنظيم رحلات لـ"نخب إعلامية أوروبيّة".

ونقلت صحيفة "يديعوت أحرنوت"، في عددها الصادر الثلاثاء، عن مسؤول في الخارجية الإسرائيليّة قوله إنّ الهدف من تنظيم زيارة الصحافيين العرب محاولة التأثير على صورة إسرائيل النمطية التي تعرضها وسائل الإعلام العربية. وحسب الصحيفة، فقد زار الصحافيون الأربعة مؤسسة تُعرف باسم "الكارثة والبطولة"، التي تخلد ذكرى اليهود الذين قتلوا إبان وعشية الحرب العالمية الثانية، والكنيست وتم تنظيم لقاءات بينهم وبين ساسة وصحافيين إسرائيليين.

وعلى الرغم من أنهم طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم، إلا أن الصحيفة نقلت عن أحدهم، وهو صحافي عراقي مقيم في ألمانيا، أشارت إلى اسمه بـ "ج.م" قوله: " لقد مثلت زيارة إسرائيل بالنسبة لي تجربة مثيرة وخاصة، أنه من دواعي الأسف أن العالم العربي يستند في موقفه إزاء إسرائيل إلى كراهية عمياء ومواقف مسبقة". وقد نقلت الصحيفة عن صحافية شاركت في الزيارة قولها: " اطلاعنا على الأوضاع في إسرائيل خطوة مباركة، من المحظور أن نقع ضحايا المواقف المسبقة، لقد غيرت هذه الزيارة انطباعاتي عن إسرائيل". وعلى الرغم من أن الخارجية الإسرائيلية زعمت أنه تم اختيار الصحافيين الأربعة من وسائل إعلامية ذات انتشار واسع في العالم العربي، إلا أنه من الواضح أنه تم اختيار هؤلاء الصحافيين لأن وسائل الإعلام، التي يعملون لديها، تتخذ بعض المواقف التي تلقى ارتياحاً لدى إسرائيل.

وعلى الرغم من أن الخارجية الإسرائيلية لم تكشف عن هوية الصحافيين الإسرائيليين، الذين نظمت لقاءات للصحافيين العرب معهم، فإنه يمكن القول إن الوزارة اختارت هؤلاء الصحافيين بشكل انتقائي، بحيث يكون جلهم من الذين يتبنون مواقف اليمين الصهيوني. ويحمل كبار المعلقين والصحافيين في إسرائيل بشكل أساسي الحكومة الإسرائيلية، وتحديداً رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، جزءاً مهماً من المسؤولية عن اندلاع انتفاضة القدس بسبب رفضه تقديم أية مرونة تجاه السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس. وقد وصل الأمر إلى درجة أن انضمت النخب العسكرية إلى توجيه النقد لحكومة نتنياهو بسبب مواقفها، كما عبر عن ذلك بشكل واضح رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، هرتسلي هليفي، يوم الثلاثاء، خلال إفادته أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست. وبالتأكيد لم يكن لوزارة الخارجية أن تسمح للصحافيين العرب بمقابلة الصحافي، تسفي بارئيل، أحد كتاب الأعمدة الرئيسيين في صحيفة "هارتس"، الذي اتهم مؤخراً نتنياهو بالتحريض على العنف ضد الفلسطينيين.

اقرأ أيضا: إسرائيل تحظر نشر المعلومات عن العلاقة السرية بنظام السيسي

إنّ ما لم يلتفت إليه الصحافيون العرب، الذين شاركوا في الزيارة، هو حقيقة أن المسؤول الإسرائيلي الذي أشرف على برنامج "الطائرة"، الذي تم في إطاره استقبال الصحافيين العرب، هو نائبة وزير الخارجية تسيفي حوطبيلي، التي تعد من أكثر النخب اليمينية تطرفاً وتشجيعاً على العمليات الاستفزازية ضد الفلسطينيين. فمن المفارقة ذات الدلالة أن الكشف عن حلول الصحافيين العرب ضيوفاً على وزارة الخارجية الإسرائيلية، جاء بعد 12 ساعة على إعلان مضيفتهم حوطبيلي عزمها على تقديم مخطط لحملة دعائية ستعرضها على الحكومة، ويهدف إلى إقناع العالم بقبول ضم الضفة الغربية بالكامل إلى إسرائيل. وفي مقابلة أجرتها معها قناة التلفزة الثانية، ليل الإثنين الماضي، قالت حوطبيلي إنها ستعرض على الحكومة عقدها جلسة "احتفالية" في قلب المسجد الإبراهيمي في الخليل في الخامس من يونيو/حزيران القادم بمناسبة حلول الذكرى التاسعة والأربعين لحرب 1967 للتأكيد على عزم إسرائيل على عدم الانسحاب من الضفة. وكانت حوطبيلي المسؤولة الإسرائيلية الوحيدة، التي تجرأت على إعلان رفضها الاتفاق الذي توصلت إليه إسرائيل والأردن بشأن ترتيبات تواجد اليهود في المسجد الأقصى، حيث دعت إلى رفع العلم الإسرائيلي على الحرم القدسي الشريف، لأنه يخص اليهود وحدهم. وقد شاركت حوطبيلي بشكل دائم في الاقتحامات، التي ينظمها المتطرفون الصهاينة للمسجد الأقصى برئاسة وزير الزراعة، أوري أرئيل.

ومن أجل التأكيد على موقفها المتطرف، أصرت حوطبيلي على عقد قرانها قبل ثلاثة أعوام في قلب الحرم القدسي، وتحديداً قبالة قبة الصخرة المشرفة. وكما ذكرت "يديعوت"، فقد كلفت الخارجية الإسرائيلية نائب الناطق بلسان الوزارة، حسن كعبية، بمرافقة الصحافيين الأربعة،
وكعبية هو بدوي من شمال فلسطين خدم في الجيش الإسرائيلي وتسرح قبل سنوات برتبة مقدم. وقد سبق لصحيفة "يديعوت" أن ذكرت أن كعبية كان قد أيد قرار وزير الخارجية السابق، أفيغدور ليبرمان، القاضي بعدم تعيين أي شخص غير يهودي في وزارة الخارجية لم يؤد الخدمة العسكرية. ويشار إلى أن الخارجية الإسرائيلية استقبلت قبل شهرين وفداً يضم العشرات من الكتاب والصحافيين الألمان الشباب، حيث نظمت لهم لقاءات مع كبار المسؤولين الإسرائيليين، على رأسهم رئيس الوزراء ووزير الخارجية بنيامين نتنياهو.

ويذكر أن نخباً يمينية متطرفة في إسرائيل، تستند إلى كتابات بعض الكتاب العرب في إضفاء شرعية على مواقفها المناوئة للشعب الفلسطيني ومقاومته. وقد برزت الكاتبة اليمينية، ليندا مينوحين، في اقتباس ما تتضمنه مقالات طارق الحميد، رئيس التحرير الأسبق لصحيفة "الشرق الأوسط"، من انتقادات لاذعة لحركة "حماس" في التدليل على صدقية مواقف اليمين الصهيوني من الحركة.

ويأتي الكشف عن زيارة الصحافيين الأربعة، في الوقت الذي يطالب فيه قادة المستوطنين اليهود في الضفة الغربية بمنع وسائل البث الفلسطينية من العمل، عبر حرمانها من الترددات التي تتحكم فيها وزارة الاتصالات الإسرائيلية. وقد تظاهر الأحد الماضي قادة "مجلس المستوطنات اليهودية" في الضفة الغربية، أمام مقر الحكومة في أثناء انعقاد جلستها الأسبوعية مطالبين بمنع وسائل الإعلام الفلسطينية من العمل، بزعم دورها في "التحريض على العنف". وتحظى مطالب المستوطنين بدعم عدد من وزراء الحكومة.

ويشار إلى أن الجيش الإسرائيلي أغلق عدداً من المحطات الإذاعية وقنوات التلفزة الفلسطينية، في أرجاء الضفة الغربية، في إطار حملته على ما أسماه "التحريض الفلسطيني". في الوقت ذاته تشن إسرائيل حملة قمع غير مسبوقة ضد الشباب الفلسطيني، الذي يستخدم وسائل الإعلام الجديد. ففي غضون أقل من عام قدمت إسرائيل لوائح اتهام ضد عشرات الفلسطينيين بحجة توظيف مواقع التواصل الاجتماعي في التحريض على إسرائيل، في حين يتم غض الطرف عن اليهود، الذين يقومون بالتحريض على العنف ضد الفلسطينيين.



اقرأ أيضاً: صحافيون مصريون في ضيافة إسرائيل... وأفيخاي أدرعي يفضح التطبيع

المساهمون