السويد بين خطاب الكراهية والعنف

السويد بين خطاب الكراهية والعنف

24 ابريل 2022

نيران في سيارة للشرطة خلال احتجاج ضد حرق القرآن في أوربرو في السويد (15/4/2022/فرانس برس)

+ الخط -

صرّحت رئيسة الوزراء السويدية، ماغدالينا أندرسون، لصحيفة أفتونبلادت إنّ أيّ شخصٍ يهاجم الشرطة السويدية يهاجم المجتمع الديمقراطي السويدي، مشيرة إلى الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها مدن سويدية على حرق السياسي الدانماركي المتطرّف، راسموس بالودان، نسخة من القرآن الكريم. ورأت أن ما سمته "العنف العشوائي" لم يكن موجّهاً ضد الشرطة فحسب، بل ضد القيم الديمقراطية للمجتمع بأسره أيضاً. وأضافت "يحمل راسموس بالودان رسالة كراهية شائنة، ولكن من غير المقبول وغير المبرّر وغير القانوني الرد على ذلك بهذا العنف الخطير". وأكدت ما قاله قائد الشرطة السويدية "هؤلاء ليسوا متظاهرين عاديين. هؤلاء ليسوا ممثلين عن المناطق السكنية المتضرّرة. لدى الشرطة شكوك قوية بوجود صلات بعصابات إجرامية".

حاولت رئيسة الوزراء أن تظهر بمظهر المتوازن في الموقف مما جرى، مع الانحياز بقوة ضد العنف، لكنّ النظر في الخلفية البعيدة للأحداث التي شهدتها السويد تجعل الرؤية مختلفة، إذا جرى النظر فيها أبعد من لحظة الصدام التي تتحدّث عنها أندرسون.

كثيرون ممن شاركوا في أحداث العنف التي تسبّبت بجرح عشرات، منهم ستة من الشرطة، ليسوا متدينين، ولم يحرّكهم الدافع الديني في الاحتجاجات، بقدر ما حرّكهم الشعور بالإهانة المباشرة التي سعى بالودان إلى توجيهها لهم، وفي مناطق تجمّعهم وبحماية أعداد كبيرة من الشرطة. لا يكفي اتهام المحتجّين بأن لهم صلات مع عصاباتٍ إجرامية، حتى تصبح القضية قضية عنف عشوائي واعتداء على الديمقراطية في السويد، كما قالت أندرسون.

بات اللاجئون المشجب الذي تعلّق عليه الأحزاب السويدية كلّ المشكلات

تقصّد بالودان العنصري القيام بأفعاله في مناطق تجمّعات المهاجرين لمعرفته أن حرق القرآن وركله يستفز هذه التجمّعات، وكان غرضه هذا الاستفزاز، باعتبار أنّ نجاحه في استفزازهم يخدم ادّعاءات اليمين المتطرّف أنّ هؤلاء اللاجئين أو من أصول لاجئة عنيفون، ولا يصلحون للعيش في المجتمعات الغربية، ويشكلون خطراً عليها. لكنّ ما جرى كان متوقعاً، وهو ما تعرفه الشرطة السويدية، وهي التي منعت بالودان الذي أحرق سابقاً نسخةً من القرآن في ساحة غوستاف في مدينة مالمو من دخول السويد لحرق نسخ القرآن مرّة أخرى، قبل حصوله على الجنسية السويدية، والتي جعلت الشرطة غير قادرة على منعه من دخول البلد. وهو قد حكم عليه بالسجن شهرا في الدنمارك، بلده السابق، لسلوكه العنصري. وبعد فعلته، توعد بفعل ذلك مجدّداً أمام حشود يرغب في تنظيمها في أحياء تسكن فيها أعداد كبيرة من المسلمين وفي عدة مدن سويدية. حتى أنّه تقدّم بطلب ترشيح للبرلمان السويدي في الانتخابات سبتمبر/ أيلول المقبل. وكان قد ترشّح في عام 2019 في الانتخابات الدنماركية، وحصل على نسبة 1.8% من أصوات الناخبين هناك.

ليس بالودان طيراً منفرداً، على الرغم من فجاجته، فهو تعبير متطرّف عن انزياح المجتمعات الأوروبية، باتجاهاتٍ يمينيةٍ وشعبويةٍ وعنصرية. صحيحٌ أنّ العنصريين المتطرّفين ما زالوا أقلية، لكن المد اليميني والشعبوي يكتسح أوروبا، وهذا ما جعل قضية اللاجئين في مقدمة أولويات الأحزاب في الانتخابات المقبلة، والتي تجمع الأحزاب السويدية فيها على أنّ سياسات الهجرة المتساهلة التي كانت قائمة قبل سنوات لن تعود، حتى في ظل موجة اللجوء الكبيرة القادمة من أوكرانيا، والتي تجد قضيتها تعاطفاً سياسياً كبيراً في أوروبا، سهل دخول الأوكرانيين إلى دول الاتحاد الأوروبي. لكنّ هذا لم يغير من سياسات الهجرة المتشدّدة التي فرضتها السويد بعد موجة اللجوء في عام 2015. هذه الموجة التي منحت حزب ديمقراطيي السويد العنصري صعوداً صاروخياً، والذي لم يتجاوز نسبة الحسم في انتخابات 2010 ليحصد بارتفاعه الصاروخي حوالي 18% من أصوات الناخبين خلال دورتين انتخابيتين 2014 و2018. ومن المتوقع أن يحافظ على نتائجه في الانتخابات المقبلة، إن لم ترتفع نسبة تمثيله إلى 20% كما تشير استطلاعات الرأي.

يجب النظر إلى الاحتجاجات في السويد على حرق القرآن أبعد من اللحظة التي حدثت فيها

بات اللاجئون المشجب الذي تعلّق عليه الأحزاب السويدية كلّ المشكلات، من الأزمة الاقتصادية إلى ازدياد الجريمة داخل المجتمع السويدي، وصولاً إلى العنف المنزلي. ولم يعد بينها من يؤيد سياسات هجرةٍ منفتحة، ولم تقف المسألة هنا، بل هناك سياسات تمييزية تمارس، ليس ضد اللاجئين الجدد فحسب، بل ضد اللاجئين القدامى أيضاً، وهو ما أنتج وضعاً محتقناً بين أوساطهم، وكان ينتظر الفرصة لينفجر في احتجاجات، ولأنّ اللاجئين ليسوا مجموعاتٍ سياسيةً منظمةً في أطر تعمل كجماعات ضغط، فإن سلوكها يكون ردّة فعل على حدث، كما الحال في موضوع حرق القرآن، الذي اعتبر من خلاله كثيرون أنّ الأمثل للشرطة التي تحمي بالودان، وهو يحرق القرآن، من أن تلاحق العصابات الإجرامية التي تصطاد أولادهم في شبكات توزيع المخدّرات.

بالتأكيد، ليس العنف هو الحلّ لمشكلات التمييز التي يعاني اللاجئون أو من أصول أجنبية منها، ولكن قراءتها بوصفها فعلا من عصابات إجرامية اختزال للمشكلة وتغطية عليها، وهو ما يعمل على تفاقمها خلال الفترة المقبلة. يجب النظر إلى الاحتجاجات التي جرت على حرق القرآن أبعد من اللحظة التي حدثت فيها، ليس للإهانة التي تعرّضت لها التجمّعات التي حرق كتابها الأكثر قدسية فيها فحسب، بل للتمييز الذي عانت منه هذه "المناطق الضعيفة"، كما يطلق عليها في السويد أيضاً. ويجب النظر إلى البيئة التي جاء هذا العنف منها، وما يفعله خطاب الكراهية الموجّه ضدهم من استبعاد لهم، وتحويلهم إلى مناطق معزولة، تعيش أوضاعا بائسة، منسوباً إلى أقرانهم في المناطق السويدية.

من المفيد محاربة العنف، والمفيد أكثر محاربة منبعه، والذي يكمن في الأوضاع التي تعيشها المناطق التي يرغب بالودان حرق القرآن لاستفزازهم في مناطقهم، والتي يجب معالجة أوضاعها، ومعالجة خطاب الكراهية المتنامي في أوساط السويديين.

D06B868A-D0B2-40CB-9555-7F076DA770A5
سمير الزبن

كاتب وروائي فلسطيني، من كتبه "النظام العربي ـ ماضيه، حاضره، مستقبله"، "تحولات التجربة الفلسطينية"، "واقع الفلسطينيين في سورية" ، "قبر بلا جثة" (رواية). نشر مقالات ودراسات عديدة في الدوريات والصحف العربية.