الفشل الأخلاقي الغربي حيال إبادة أهالي قطاع غزّة

الفشل الأخلاقي الغربي حيال إبادة أهالي قطاع غزّة

25 أكتوبر 2023

مندوبة أميركا في الأمم المتحدة في جلسة طارئة لمجلس الأمن عن غزّة (18/10/2023/الأناضول)

+ الخط -

يدخل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة أسبوعه الثالث من دون حدوث أي تحرّك دولي له معنى للضغط من أجل وقف إطلاق النار، أو تسهيل إدخال المساعدات الإنسانية بالقدر المطلوب لتلبية احتياجات السكان القابعين تحت حصار وحشي، وعقاب جماعي منهجي من الاحتلال الإسرائيلي. تمنح الدول الغربية الوقت للاحتلال لتحقيق الهدف المعلن من جانبه، وهو القضاء على الإمكانات العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وضمان السيطرة السياسية والعسكرية الكاملة على قطاع غزّة. ولكن في ضوء تردّد إسرائيل في تنفيذ ما أعلنت عنه من عملية اجتياح برّى للقطاع، لم ينجح الاحتلال سوى في قتل المدنيين من سكّان غزّة، وتحطيم البنية التحتية والممتلكات المدنية في ظل استمرار الغارات الجوية بشكل منهجي ويومي في مناطق متفرّقة من القطاع. الحديث عن وقف إطلاق النار باعتباره أولوية قصوى من الناحية الإنسانية ليس وارداً بعد في الخطاب السياسي للولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.

تتفق هذه الدول على ما يعتبرونه ضمان استمرار حقّ إسرائيل في الدفاع عن النفس، وهو الأمر الذي كرّره مسؤولو الدول الغربية المشاركين في قمّة القاهرة للسلام. وقد تصدّت الولايات المتحدة عبر استخدام حق النقض (الفيتو) لمشروع قرار في مجلس الأمن قدّمته البرازيل استهدف وقف إطلاق النار، وإنشاء ممرّ إنساني للفلسطينيين المحاصرين. وفي المقابل، قدّمت الولايات المتحدة قبل أيام مشروع قرار آخر يحمل الرؤية الغربية المنحازة لإسرائيل، يقرّ بحقّ إسرائيل في الدفاع عن النفس من دون المطالبة بوقف إطلاق النار، ويطالب بوقف تصدير الأسلحة إلى ما اعتبرها منظمّات إرهابية في قطاع غزّة، مع إشارة مشروع القرار إلى ضرورة حماية المدنيين والالتزام بقواعد القانون الدولي الإنساني. تواصل هذه الدول بخطابها السياسي نزع التصعيد العسكري الحالي عن السياق التاريخي والقانوني لواقع الاحتلال الإسرائيلي، والإغفال المتعمّد لحقّ الفلسطينيين في تقرير المصير.

من المؤسف أنه أمام التعنّت الغربي واستمرار التحريف المتعمد لمفاهيم القانون الدولي، فشلت الجهود العربية في ممارسة ضغوطٍ للتأثير على مسار السياسات الدولية للتصدي للعدوان الإسرائيلي

وعلى النقيض مما تروّجه الحكومات الغربية الحليفة مع إسرائيل، كانت محكمة العدل الدولية قد أقرّت في رأيها الاستشاري الصادر عام 2004 بشأن مشروعية الجدار العازل في الضفة الغربية، أنه ليس للاحتلال الإسرائيلي أن يتذّرع بالحقّ في الدفاع عن النفس لتبرير مشروعية العمليات العسكرية التي يقوم بها في الأراضي الفلسطينية المحتلة في مواجهة تهديدات أمنية نابعة من الأراضي الخاضعة للاحتلال. فالوضع القائم غير شرعي بالأساس، والتوصيف السليم لا بد أن ينظر إلى إسرائيل على أنها دولة تمارس جريمة العدوان. لا تنفذ إسرائيل عملياتها العسكرية ضد دولة أخرى مستقلة لها السيادة الكاملة على أراضيها، لكي تكون في محلّ الدفاع عن نفسها، فإسرائيل قبل عملية طوفان الأقصى هي دولة احتلال ما زالت تمارس سيطرتها الجوية والبحرية والبرّية على قطاع غزّة وباقي الأراضي الفلسطينية. ومن المؤسف أنه أمام التعنّت الغربي واستمرار التحريف المتعمد لمفاهيم لقانون الدولي، فشلت الجهود العربية في ممارسة ضغوطٍ للتأثير على مسار السياسات الدولية للتصدي للعدوان الإسرائيلي. ومن المفارقات أن الحكومة المصرية جعلت أولوياتها وسط هذه الكارثة الإنسانية وقف أي مخطّط، حسب ما تزعم، لتهجير سكّان غزّة إلى سيناء، لكنها لم تتعامل بالجدّية نفسها، مثل حكومات عربية أخرى للتحرّك على المستوى الدولي بشكل جماعي منسّق للوقف الفوري لإطلاق النار، ووقف الهجوم المتعمّد على المدنيين. بل إن الرئيس عبد الفتاح السيسي ظهر في المؤتمر الصحافي أخيرا في القاهرة مع المستشار الألماني، أولاف شولتز، وكأنه موافق على الأهداف السياسية والعسكرية التي أعلنتها إسرائيل بالتهجير القسري غير القانوني لسكّان قطاع غزّة، وتدمير حركات المقاومة في القطاع.

سقطت الدول الغربية الكبرى في فشل أخلاقي جسيم بالانحياز الصارخ لآلة الجرائم الإسرائيلية

التغيير الجاري في توجّهات الرأي العام الغربي، الذي يظهر من خلال توسّع مساحات التضامن في العواصم الغربية مع الشعب الفلسطيني أمام جرائم الاحتلال يجب أن يتواكب مع تحرّكات سياسية عربية دولية تليق بجسامة الأحداث الحالية. يتعيّن أن تبدأ هذه التحرّكات بتجميد العلاقات الدبلوماسية العربية مع إسرائيل ما لم يتم وقف الإعمال العدوانية ضد المدنيين الفلسطينيين. ومن الضروري على الدول العربية تكوين تحالف دولي للتحرّك في المؤسّسات الدولية، وذلك بحشد تأييد الدول المناصرة للقضية الفلسطينية، خصوصاً من دول أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية. وفي ظل جمود دور مجلس الأمن بسبب "الفيتو" الأميركي، أصبح من الملحّ اللجوء للجمعية العامة للأمم المتحدة من خلال الحصول على دعم تصويت سبعة أعضاء من مجلس الأمن أو بطلب غالبية أعضاء الأمم المتحدة، لعقد جلسة استثنائية للجمعية العامة لمواجهة العدوان الجاري على غزّة. وقد مثّل اللجوء للجمعية العامة بشكل استثنائي في فبراير/ شباط عام 2022 مخرجاً لمواجهة فشل مجلس الأمن في بلورة موقف حيال الغزو الروسي لأوكرانيا. يمكن أيضاً للمجموعة العربية الدعوة إلى جلسة طارئة لمجلس حقوق الإنسان لتناول الأوضاع الإنسانية في قطاع غزّة، وتكليف لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة ببدء تحقيق في الجرائم المرتكبة في الأراضي المحتلة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول. وسيكون على هذا التحالف الدولي تكثيف الضغط على المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، البريطاني كريم خان، للإسراع في التحقيق في جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي.

سقطت الدول الغربية الكبرى في فشل أخلاقي جسيم بالانحياز الصارخ لآلة الجرائم الإسرائيلية. وسيكون لهذا الفشل بالتأكيد تداعيات لسنوات مقبلة في علاقة هذه الدول مع الشعوب العربية، وعلى المشروعية الأخلاقية للقانون الدولي، وحقوق الإنسان. ولكن لا بديل في الوقت الحالي سوى تحرّك الدبلوماسية العربية النشط على كل الأصعدة الإقليمية والدولية، وتوظيف كل القنوات الدبلوماسية والقانونية المتاحة، وممارسة ضغوط نوعية على الدول الغربية لتغيير مواقفها لإعطاء أولوية قصوى لوقف هذا العدوان الإسرائيلي الغاشم.

معتز الفجيري
معتز الفجيري
معتز الفجيري
أكاديمي وحقوقي مصري. أستاذ مساعد ورئيس برنامج حقوق الإنسان في معهد الدوحة للدراسات العليا. عمل سابقاً في العديد من المنظمات غير الحكومية العربية والدولية المعنية بحقوق الإنسان.
معتز الفجيري