عبد الناصر وسؤال زنجبار المعلّق

عبد الناصر وسؤال زنجبار المعلّق

11 أكتوبر 2021
+ الخط -

مرّت، في 28 الشهر الماضي (سبتمبر/ أيلول)، ذكرى وفاة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وامتلأت وسائل التواصل بعبارات حنينٍ إلى حلم عربي تم إجهاضه. ليس في ذاكرتي عن عبد الناصر إلا نتف من الطفولة البعيدة في المدينة التجارية مطرح (في عُمان)، حين كان بعض الناس من أهلي يعلّقون صوره في جدران بيوتهم. أذكر كذلك أن أبي علّق حتى صورة الرئيس اليمني الراحل إبراهيم الحمدي، وسمّى أحد أبنائه باسمه. وكانت أيضاً مطاعم شعبية تترصّع بصور الرئيس الخالد. ولكن أكثر ما قرأته في صلات عُمان بعبد الناصر هو في بعض الكتب. في سيرة سليمان بن ناصر اللمكي، نرى ملامح كثيرة منها، إذ شغل الرجل عدّة مناصب في زنجبار، واكتشف جاسوساً إسرائيلياً، وحين أبلغ عنه كان للبريطانيين هناك رأي آخر. ويتحدث عن طلبه من عبد الناصر، لمّا التقاه، بعثاتٍ تعليميةً من مصر وبعض المساعدات، فكان له ما طلب. كذلك لقاء إذاعي أجراه سليمان المعمري مع زاهر المحروقي، تحدّث فيه عن دور الدعم الذي كانت تقدمه إسرائيل للقتلة الذين تسببوا في حرب الإبادة التي أنهت الوجود العُماني في زنجبار.
وهناك رواية البحريني جعفر سليمان "زنجبار أندلس الشرق" متوسطة القيمة فنياً، عن سائح عُماني يذهب إلى زنجبار للتعرّف على تاريخ العُمانيين هناك. اتبعت الرواية، شكلاً، أسلوب الحياد، عن طريق المرشد السياحي الذي لا يرى أن ثمّة إنجازات مهمة للعمانيين في زنجبار. وهذا تنفيه الوقائع والآثار، فسلاطين البوسعيديين أوجدوا في زنجبار الكثير، حين اعتبروا المكان وطناً، مثل قنوات الصرف الصحي التي كانت الأولى أفريقياً، والمطابع التي كانت تطبع الكتب العربية، والقصور العديدة التي أصبحت لاحقاً مقارّ حكومية، بعد طرد العُمانيين من فردوسهم الذي بنوه على مزاجهم وفنهم، كما فعل الأندلسيون في الأندلس. من هذه القصور "قصر متوني" والذي وصفته سالمة سعيد في كتابها الجميل "مذكّرات أميرة عربية" (ترجمة سالمة صالح، دار الجمل، بيروت، 2017)، وكان وصفاً دقيقاً للحياة التي كانت في ذلك القصر، وكيف كان السلطان يُعامل سكانه الذين كان عددهم كبيراً ومتجدّداً معاملة عادلة، ما يدل على الحكم الأبوي الذي مسح فترة السيادة البوسعيدية العُمانية لزنجبار.
أمر آخر، أنتج الحكم العربي لزنجبار لغة مشتركة للشرق الأفريقي، تسمّى "السواحلية" وفي هذه التسمية بعدٌ عربي ظاهر، وقد كُتبت بالحرف العربي، قبل أن تتحوّل إلى اللاتينية. ومن المستحيل تحويل الكمّ الهائل من الكلمات العربية التي تختزنها هذه اللغة أثراً باقياً ومطبوعاً في ضمير تلك المنطقة، ما يدلّ على توغل النسيج العُماني فيها، فضلاً عن التنوّع الزراعي الذي أصاب شرق أفريقيا، بسبب الوجود العُماني، إذ سعى السلاطين إلى تزويد التربة بمجموعة متنوعة من الثمار، نتيجة ثراء مكوّناتها الطبيعية، ومن أهمها زهور القرنفل التي زرعها السلطان العُماني سعيد بن سلطان البوسعيدي، وكانت هذه الزهور بمثابة موردٍ مهمٍّ للمال. وكانت للسلطان العُماني برغش بن سعيد البوسعيدي، هو الآخر، بصمات عديدة، فمن يزور زنجبار، ويمر على البحر، سيرى قصراً، ضمن مجموعة من القصور، يطلق عليه "بيت العجائب" بناه السلطان برغش، في عام 1883، بفنيةٍ عاليةٍ، حين كان يأتي بمكوّناته من البلدان التي يزورها، ومن أهمها المصعد الكهربائي الذي عدّ طفرةً في ذلك الوقت.
بالعودة إلى عبد الناصر وعلاقته بزنجبار، تتناقض الأخبار بشأن دوره، فثمة من يثني على دوره وجميله، فيما يقول آخرون إنّه ساهم في تزويد القتلة بالسلاح، وهذا يصعب إثباته، بل يقول مختلف ما قرأت في هذا الموضوع عكس ذلك. وفي رواية "زنجبار أندلس الشرق" وعن طريق السارد المحايد، ثمة ما يصعب إثباته، على الرغم من أنّه يصبّ في صالح عبد الناصر ومساعدته زنجبار، حين يقول السارد، على لسان المرشد السياحي، إنّ عبد الناصر عرض على السلطان جمشيد (آخر سلاطين زنجبار من العُمانيين) المساعدة، فردّ عليه الأخير أنّك إذا أردتَ أن تساعدنا عليك بإرسال السيدة أم كلثوم لتحيي حفلاً في زنجبار.

593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
محمود الرحبي

كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية

محمود الرحبي