هذا المفترق طرق أمام هذه المواجهات

هذا المفترق طرق أمام هذه المواجهات

11 نوفمبر 2023

جندي إسرائيلي في منطقة الجليل الأعلى قرب الحدود اللبنانية الفلسطينية (7/11/2023/فرانس برس)

+ الخط -

بدأت المواجهات والاشتباكات العسكرية على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية بين حزب الله والجيش الإسرائيلي تعبيرا عن تضامن الحزب مع حركة حماس في وجه الحرب الشرسة التي شنّتهها عليها إسرائيل بعد هجوم 7 أكتوبر، ودليلا على وحدة الساحات. وكان هدفها العسكري إشغال الجيش الإسرائيلي على الحدود مع لبنان، والضغط عليه، لمنعه من الدخول برّاً إلى قطاع غزّة والتهديد بإمكانية اشتعال حربٍ شاملة.

ومع بدء الغزو البرّي الإسرائيلي لشمال القطاع، وعلى الرغم من الثمن الهائل الذي يدفعه المدنيون في غزّة عموماً، وفي القسم الشمالي خصوصاً، بدأ يتّضح شيئاً فشيئاً أن احتمال فتح حرب شاملة مع إسرائيل على أكثر من جبهة، بينها الجبهة اللبنانية، غير مطروح حالياً. وقد أكد هذا الأمر الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في خطابه في الرابع من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، على الرغم من أنه أبقى الأمور على قدر من الغموض، وترك كل الاحتمالات مطروحة. وكان من الواضح أن الجبهة اللبنانية إذا لم تنفتح على الحرب الشاملة في ذروة القتال الدائر في غزّة، فمعنى هذا أن ما تشهده هذه الجبهة سيببقى ضمن حدود "قواعد الاشتباك"، أي أن دائرة النار لن تتخطى مساحة الخمسة كيلومترات بعيداً عن الخط الأزرق، ومع الالتزام بعدم استهداف المدنيين، مع خروقٍ من هنا وهناك وتصعيد متبادل بقى ملجوماً وتحت السيطرة. في هذه الأثناء، شدّدت تصريحات المسؤولين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين أنهم لا يريدون حرباَ شاملة مع حزب الله، ولن يكونوا المبادرين إليها، وتواتر هذا مع مواقف أميركية حذّرت إيران وحزب الله من التورّط في الحرب، لأنهما سيجدان نفسيْهما في مواجهة مع القوات العسكرية الأميركية التي استقدمتها الولايات المتحدة إلى شواطئ لبنان وإسرائيل. ولكن، مع التقدّم الإسرائيلي العسكري في شمال القطاع وعمليات التهجير واسعة النطاق لأهالي شمال القطاع نحو الجنوب، والحديث الإسرائيلي أول مرّة منذ اندلاع الحرب عن بوادر تراجع في المجهود الحربي لحركة حماس، بدأ يظهر أيضاَ منحى إسرائيلي مختلف في التعامل مع ما يجري على الحدود اللبنانية الجنوبية. في هذه الأُثناء، بدأت المواجهات والاشتباكات بين حزب الله والجيش الإسرائيلي تأخذ ديناميّتها الخاصة المنفصلة تقريباً عن القتال الدائر في غزّة، على الأقل من وجهة نظر إسرائيلية، ترافق هذا مع إعادة نظر إسرائيلية عميقة وجذرية للسياسة التي اتّبعت حيال حزب الله منذ 2006، وذلك في ضوء دروس الحرب في غزّة.

من أهم الدروس التي تعلمتها إسرائيل من هجوم 7 أكتوبر أن عليها عدم القبول بوجود قوات عسكرية معادية لها على حدودها، يمكنها، في أي لحظة، أن تتسلّل إلى مستوطناتها القريبة من الحدود، وتقتل مواطنيها أو تخطفهم. وأثبتت حرب غزّة فشل النظريات السابقة بشأن سياسة الاحتواء والردع في المواجهة مع "حماس"، فكم بالأحرى مع حزب الله الذي يملك قدرات عسكرية وترسانة صاروخية تفوق بأضعاف الأضعاف قدرات "حماس" وسلاحها، بعد أن نجح حزب الله بعد حرب تموز (2006) في إعادة بناء قدرات عسكرية هائلة، ولم يكن خاضعاً للحصار، وحظي بدعم عسكري ومالي وسياسي غير محدود من إيران.

هل توافرت الظروف الملائمة في نظر إسرائيل، لتغيير الوضع في الجنوب اللبناني وإجبار الحزب على سحب وجوده العسكري من هناك بالقوة؟

ويلاحظ من يتابع ما ينشر في الإعلام الإسرائيلي، وما يرشح من نقاشاتٍ في الغرف المغلقة بشأن المرحلة المقبلة من الحرب، أن إسرائيل بدأت تتحدّث علناً عن ضرورة تغيير الوضع الذي كان سائداً على الحدود اللبنانية قبل 7 أكتوبر. أولاً، من خلال الوسائل الدبلوماسية، وهذا هو الهدف الرئيسي من زيارة الموفد الأميركي، عاموس هوكشتاين، لبنان. وإذا لم تنجح هذه المساعي في إقناع حزب الله بسحب مقاتلية خارج المنطقة المحاذية للحدود، والالتزام بتطبيق قرار مجلس الأمن 1701 والذي أنهى حرب 2006، فإن معنى ذلك أننا مُقدمون على مرحلة مختلفة من الصراع بين حزب الله وإسرائيل، لا يمكن التكهن بما يمكن أن تؤول إليه.

أسئلة كثيرة تطرح نفسها حالياً بشأن المرحلة المقبلة من المواجهات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، منها مثلاً هل الإعلان عن وقف إطلاق نار مؤقت في غزّة يسري على الجبهة اللبنانية التي لها دينامية مستقلة؟ سؤال آخر: هل المطالبة الإسرائيلية بتطبيق القرار 1701 ذريعة لافتعال مواجهة مع حزب الله، واستغلال التقدّم الذي أحرزه الجيش الإسرائيلي في شمال قطاع غزّة، لتوجيه ضرية مؤلمة إلى البنى التحتية العسكرية لحزب الله على امتداد الخط الأزرق، ما قد يؤدّي إلى نشوب "أيام من القتال" مع الحزب، كما يسمّيها الإسرائيليون، من دون الانجرار إلى حرب شاملة وطاحنة؟

لم يعد الإسرائيليون يصدّقون أن حزب الله تردعُه قوة إسرائيل، بعد الإنجاز العسكري الذي حققته "حماس" في 7 أكتوبر، وأن الوضع المأزوم في لبنان يمكن أن يحول دون مخاطرة الحزب في الدخول في مواجهة معها، أو أن ما يجري في غزّة يمكن أن يشكّل درساً له. في الواقع الحالي لتقدّم المعارك العسكرية في غزّة، والحشد غير المسبوق لحاملات الطائرات الأميركية في المنطقة، واستمرار تعبئة قوات الاحتياط، واستمرار حالة التأهّب القصوى على الحدود مع لبنان، هل توافرت الظروف، الملائمة في نظر إسرائيل، لتغيير الوضع في الجنوب اللبناني وإجبار الحزب على سحب وجوده العسكري من هناك بالقوة؟

رندة حيدر
رندة حيدر
رندة حيدر
كاتبة وصحافية لبنانية متخصصة في الشؤون الإسرائيلية
رندة حيدر