شركات الأمن الخاصة.. الأسباب والوظائف والتداعيات

شركات الأمن الخاصة.. الأسباب والوظائف والتداعيات

18 أكتوبر 2014

أحد عناصر شركة "فالكون" للخدمات الأمنية أمام جامعة القاهرة(11أكتوبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -
أضاء بروز الدور الأمني، أخيراً، لشركة فالكون المصرية في محاولة تأمين عدة جامعات مصرية، ظاهرة قديمة جديدة، عرفتها دول عربية وأجنبية عديدة، وتثير جملة من التساؤلات، لعل أبرزها ما يتعلق بالتمييز بين هذه الشركات ونوع آخر ربما يكون أكثر خطورة، هو الشركات العسكرية الخاصة، والتمييز بين النوعين من ناحية والمرتزقة من ناحية ثانية.

وتثير الظاهرة أسئلة، أيضاً، عن أسباب نشأتها ومدى ارتباطها بقوة الدولة، وقدرتها على أداء وظائفها في المجال الأمني تحديداً، ثم، أخيراً، وليس آخراً، تداعيات استخدام هذه الشركات في تأمين النظم الحاكمة من عدمه.


التمييز بين شركات الأمن والتسليح الخاصة

يمكن التمييز بين نوعين من هذه الشركات، هما شركات الأمن الخاصةPrivate Security Company، ويشار إليها اختصارا ب "PSCs"، والشركات العسكرية الخاصة Private Military Company ، ويشار إليها اختصارا ب PMCs" . وعلى الرغم من وجود تداخل بين وظائف كلا النوعين من الشركات، خصوصاً فيما يتعلق بتوفير الحماية لعملائها، في دول تشهد حالة من عدم الاستقرار، إلا أنه تظل هناك تمايزات بينهما، لعل أبرزها يتعلق بنوع العملاء في كل منهما. هل هم أفراد وشركات، وأحيانا حكومات (النوع الأول)، أم دول وجماعات مسلحة (النوع الثاني)؟ وطبيعة المهام المنوطة بها من ناحية ثانية، هل هي أمنية فقط، لا تتضمن المشاركة في عمليات قتالية (الأول) أم القيام بتقديم دعم عسكري واستشارات حربية قد تصل إلى المشاركة المباشرة في القتال (الثاني).

شركات الأمن الخاصة هي التي تعمل على توفير الأمن السلبي Security passive، لعملائها من الأشخاص والشركات الخاصة تحديداً. ويلاحظ أن هذا النوع من الشركات موجود منذ فترة طويلة وفي كل مكان. لكن، يبدو أن أعدادها آخذة في الزيادة، خصوصاً في الأماكن التي تشهد حالة من عدم الاستقرار الداخلي، حيث يجد رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال صعوبة في الاعتماد على قوات الأمن "الشرطة" الرسمية في الدولة، لتوفير الحماية لهم، ومن مثل هذا النوع، شركة فالكون في مصر.

أما الشركات العسكرية الخاصة فهي التي تقدم خدمات عسكرية متنوعة، مثل التدريب العسكري، القيام بمهام عسكرية هجومية للدول، أو للمنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة، مثل بلاك ووتر في العراق وغيرها.


المرتزقة وشركات الأمن والتسليح الخاصة

وفقا للتعريف اللغوي، المرتزق Mercenary "جندي يعمل لحساب دولة أجنبية"، وبالتعريف السياسي والقانوني،  فهو من يرتكب جريمة الارتزاق، فرداً، أو مجموعة، أو جمعية "هيئة"، أو ممثل دولة"، والذي يعمل من أجل مواجهة عمليات تقرير المصير بالعنف المسلح، وأن ينخرط في القوات المذكورة. ويرى باحثون عدم وجود تمايزات حقيقية بين كل من المرتزقة وشركات الأمن والتسليح الخاصة، على اعتبار أن العاملين في كل منهما يحمل المهنة "العسكرية"، حيث يمكن توصيفهم بأنهم رجال أمن security workers، وهم يقدمون الخدمات نفسها، ويسعون إلى تحقيق الأهداف نفسها (الربح)، ومن ثم، هذه الشركات بمثابة التطور المعدل من المرتزقة. إلا أنه يمكن التمييز بين المرتزقة وهذه الشركات، استناداً إلى عدة معايير، أبرزها المعيار القانوني، حيث تكون هذه الشركات، أو الكيانات، رسمية بصفة عامة، وأعمالها مطابقة للقوانين الداخلية في بلد المقر، كما أنها ذات هياكل معتبرة، وفق قواعد الدول الموجودة فيها، وهي تعمل وفق قوانين العمل الدولية المتعارف عليها. ومن ثم، تخشى من تعرضها للعقوبة القانونية من حكوماتها الوطنية، في حالة قيامها بمهام غير مشروعة أو غير أخلاقية. أما المرتزقة فهم لا يراعون، في الأغلب الأعم، الجوانب القانونية، بل، على العكس، يعملون، في أحيان كثيرة، مع المنظمات أو الأشخاص المدانين دولياً، مثل الجبهة الثورية المتحدة في سيراليون والاتحاد الوطني لتحرير أنغولا "يونيتا"، والرئيس الليبيري السابق، تشارلز تايلور، فضلا عن كونهم أفراداً، أو حتى مجموعات صغيرة غير مسجلة تحت أية مظلة قانونية، ومن الممكن أن تقوم هذه الشركات بممارسات المرتزقة نفسها، في الواقع العملي، خصوصاً ما يتعلق بشركات التسليح.

وهناك، أيضاً، المعيار الوظيفي، وهو يتعلق بالوظائف الخاصة بهما، فعلى الرغم من أن هناك تداخلاً بين هذه الوظائف وعدم اقتصار وظائف المرتزقة على الجوانب القتالية فقط، كما يتضح من تعريف تقرير جنيف للتحكم الديمقراطي في القوات المسلحة لعام 2003، والذي أفاد بأنهم يقدمون خدمات كبيرة، تتراوح بين المهام القتالية، الدعم العملياتي، النصائح والتدريب العسكري، جمع المعلومات الاستخبارتية، إنقاذ الرهائن.. إلخ، إلا أنه يظل هناك فارق بين الجانبين في الوظائف، من الناحية العملية، حيث يقتصر دور المرتزقة، بسبب الإمكانات، على الجوانب القتالية فقط، في حين يتراوح دور الشركات العسكرية بين المهام غير القتالية "الاستشارات العسكرية، الدعم اللوجيستي"، وصولاً إلى القيام بالمهام القتالية، أما الشركات الأمنية، فيقتصر دورها على المهام الأمنية غير القتالية أساساً.

طلاب مصريون يتظاهرون في القاهرة ضد الانقلاب والشركات الأمنية (12أكتوبر/2014/الأناضول)


أسباب ظاهرة شركات الأمن الخاصة

يمكن القول بوجود مجموعة أسباب، أدت إلى بروز مثل هذه الشركات، لعل أبرزها:

1-تراجع الوظائف الأمنية للدولة، بمعنى عدم القدرة على القيام بالمهام الأمنية على الوجه المطلوب، فقد فقدت الدولة، في العالم النامي، مكانتها دولة حارسة للنظام والقانون، بسبب غياب الديمقراطية وعملية التداول السلمي للسلطة، ثم صار اللجوء إلى القوة عبر الانقلابات العسكرية السبيل للوصول إلى الحكم، أو إطاحة النظم القائمة. كما أدى انتشار فكرة العولمة، منذ منتصف التسعينيات، والاتجاه نحو تراجع دور الدولة في المجالات كافة، بما فيها الاقتصادية والسياسية والأمنية، إلى تزايد الاعتماد على هذه الشركات في المجالين، الدفاعي والأمني. وتضاف إلى ذلك حالة الإنهاك التي تعاني منها قوات الداخلية لهذه الدول، خصوصاً في حالة استخدام العنف في مواجهة المعارضة.

2-الرغبة في تحسين صورة الدولة أمام الرأي العام، الداخلي والخارجي. لذا، يتم الاعتماد على هذه الشركات في القيام بهذه المهام، حتى لا تفقد هذه النظم البقية الباقية من شرعيتها.

3-استمرار ولاء كبار رجال الجيش والشرطة للدولة، بعد خروجهم إلى التقاعد، إذ غالبا ما يؤسس هؤلاء هذه الشركات، بصورة منفردة، أو بمشاركة كبار رجال الأعمال. وبالتالي، تتم الاستعانة بهذه الشركات، للقيام بهذه المهام في مقابل عائد مادي كبير، يفوق بكثير العائد الذي يحصل عليه الضابط النظامي. وربما هذا ما يساهم في حدوث إشكالية بين العاملين في هذه الشركات ونظرائهم النظاميين، الذين ربما يطالبون، أحياناً، بمساواتهم بأقرانهم في هذه الشركات.

4-الفساد المالي، والذي قد يجعل النظم تلجأ إلى هذه الشركات، من أجل مجاملات خاصة، أو جذب ولاءات معينة على حساب المصلحة الوطنية.

5-فقدان ثقة النظم في قوات الأمن والجيش الوطنية، وبالتالي، غالباً ما تتم الاستعانة بهذه الشركات، لتأمين رؤساء هذه الدول وزعمائها، بدلاً من الحرس الجمهوري النظامي.


وظائف شركات الأمن الخاصة

يختلف دور الشركات في المجال الأمني، بحسب قوانين كل دولة من ناحية، ودورها الفعلي من ناحية ثانية. وبصفة عامة، يقتصر دورها على الجوانب الأمنية "التأمينية فقط"، مثل تأمين نقل أموال البنوك، حماية بعض المنشآت الخاصة، البنوك وغيرها، والعامة، كالجامعات في حالة "فالكون" المصرية، أو تأمين الشخصيات العامة، مثل كبار رجال الأعمال، نواب البرلمان، مرشحي الرئاسة. وكانت شركة فالكون مسؤولة عن تأمين المقر الانتخابي للمرشح الرئاسي السابق، أحمد شفيق عام 2012، وعبد الفتاح السيسي 2014.

وبالإضافة إلى هذه الوظائف، هناك غيرها، أبرزها، الاستشارات، ولا سيما في المشكلات الأمنية الكبيرة، التي ترى الأجهزة الأمنية حاجة إلى الاستعانة ببعض الخبرات، بما في ذلك الشركات الدولية ذات الخبرة الأمنية، ولعل المثل البارز شركة فينيل Vinnell U. S الأميركية، التي قدمت النصيحة للسعودية لإعادة السيطرة على الحرم المكي، بعد عملية اقتحامه عام 1979. التدريب، حيث تقدم هذه الشركات، خصوصاً الأجنبية، عمليات التدريب للشرطة، بل والجيش الوطني، لبعض الدول، مثل التي تقوم به شركتا US Vinnell and Booz Allen & Hamilton Inc الأميركيتان. تدرب الأولى قوات الحرس الوطني السعودي، والقوات العراقية الجديدة بعد الاحتلال الأميركي عام 2003. وتقوم الثانية بتدريب وتوجيه قادة أركان الحرب. وربما يقتصر التدريب على نمط المحاكاة وألعاب الحروب، كما يقدم بصورة كبيرة من شركات التسليح الإسرائيلية.

ومن وظائف هذه الشركات، الدعم اللوجيستي، ويقصد به كل ما يتعلق بالإمداد والتموين، ولقد زودت شركة American Kellogg Brown & Root Halliburton الأميركية القوات الأميركية في البلقان والعراق بكل ما تحتاجه، بدءا من الثكنات العسكرية، المعسكرات، الطعام، توزيع البريد، المياه النقية، وصولاً إلى عودة الأسرى وجثث القتلى إلى الوطن، وأنشأت وأدارت معسكرات اللاجئين خارج حدود كوسوفو.

وأيضاً، حماية القيادة السياسية وكبار رجال الدولة، مثل شركة DynCorp التي كانت تحمي الرئيس الأفغاني السابق، حامد قرضاي، وكبار رجال الحكومة، ومثل شركة بلاك ووتر، وتوفيرها الحماية للحاكم الأميركي المدني السابق للعراق، بول بريمر.

تداعيات

الخلاصة أن هذه الشركات ليست ظاهرة جديدة، وأن للاستعانة بها أكثر من دلالة، وكما أنها قد تساهم في تعزيز دور النظام في مواجهة المعارضة تحديداً، إلا أن لها أيضا تداعيات سلبية، لا سيما فيما يتعلق باستفزاز الرأي العام الداخلي عموماً، وقوى المعارضة خصوصاً، من وجود مثل هذه الشركات، وربما هذا ما حدث أخيراً، في الجامعات المصرية، ولم يقتصر الاستفزاز فقط على طلاب التيار الإسلامي، كما أنها قد تكون لها تداعيات أخرى على العلاقة بين العاملين في هذه الشركات من ناحية، وأقرانهم في المؤسسات الرسمية المدنية (الداخلية) والدفاعية (الجيش)، بسبب الامتيازات المادية الكبيرة التي يتمتع بها العاملون في هذه الشركات.

B8DDCC55-8075-41F9-A617-4F3EA9A3A8C9
بدر شافعي

كاتب وباحث مصري، يحمل الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، له كتابان عن تسوية الصراعات في إفريقيا، وعن دور شركات الأمن في الصراعات.