الثورة في ليبيا تُصارع ضِدَّها

الثورة في ليبيا تُصارع ضِدَّها

19 فبراير 2015
+ الخط -

في الذكرى الرابعة لثورة 17 فبراير، يستذكر الليبيون انطلاقتها، والشعارات التي رفعت فيها، وإرهاصاتها، تأثراً بالثورتين اللتين اندلعتا قبلها، التونسية والمصرية، حيث لم تكن وليدة لحظتها، بل كانت نتيجة أربعين عاماً قضاها الليبيون في صراعات وتجاذبات محلية، وحتى دولية، مع النظام السابق الذي لم يدخر جهداً في إذلال مواطنيه، بالتجويع تارة والحصار تارة أخرى، إلى التعذيب والقتل والتغييب في السجون، بأرخص التهم، حتى جاءت ثورة فبراير 2011، والتي تعتبر امتدادا لانتفاضة 17 فبراير 2006، أمام القنصلية الإيطالية في بنغازي، وكانت هذه بتنظيم من النظام نفسه في ذلك الوقت، احتجاجا على تصريحات وزير إيطالي آنذاك مسيئة للمسلمين، غير أن المظاهرة ما لبثت أن تحولت ضد النظام نفسه، عندما أطلق رجال الأمن الرصاص الحي على المتظاهرين الذين حاولوا إنزال العلم الإيطالي من على القنصلية، فكان الرصاص أقرب إليهم، فتساقط القتلى منهم، الأمر الذي أجج غضب المتظاهرين، وجعلهم ينقلبون على النظام، وتتحول المظاهرة من مسارها الذي خطهُ لها النظام إلى مسار لم يكن يتوقعه، ليجعله في موقف حرج أمام مواطنيه والعالم، حيث بدأت سوءاته تنكشف للعالم كله .

ومن سنة 2006 وحتى فبراير 2011، حاول نظام معمر القذافي لملمة تلك الجروح بالترهيب تارة، وبالترغيب أخرى، غير أن جريمة أخرى تقض مضاجعه، وهي مجزرة سجن أبو سليم 1996 التي قَتل فيها النظام نحو 1200 سجين ليبي في غيابات سجن أبو سليم سيئ السمعة، ولم يستطيع النظام قفل ملف هذه المجزرة، سواء بإرضاء ذوي الضحايا، أو بإيجاد مبررات تخرج رأس النظام منها، والتضحية ببعض من رموزه، ولم يفلح فيه ولو جزئياً، الأمر الذي جعل أهالي الضحايا يتظاهرون بين الفينة والأخرى للمطالبة بمعرفة مصير أبنائهم، حتى كان يوم 15 فبراير 2011 بخروج أهالي الضحايا أمام مديرية أمن بنغازي، لينضم إليهم الشباب المطالبون بالثورة، على غرار ثورة تونس ومصر، ليتوسع بعدها مدى المظاهرات في مدن ليبية، شرقية وغربية، ليرفعوا شعار "إسقاط النظام"، وليصل إلى ذروته، في يوم 17 فبراير، فكانت الثورة الليبية، بكل معانيها السلمية منها والحربية، ووصلت إلى نجاحها بتحقيق الثورة وإسقاط النظام.

ولكن، بعد مرور أربعة أعوام من عمر الثورة الليبية، يرى كثيرون أنها لا زالت تصارع أركان النظام السابق، والمحاولات الانقلابية عليها من العسكر المدعوم من الثورات المضادة التي رأت النور في الثورات العربية التي سبقتها، ليصل بها الحال، اليوم، إلى محاولات جر البلاد نحو التدخل الأجنبي، في ظل الانقسام التشريعي والتنفيذي الذي تغذيه دول رأت نجاح الثورة في ليبيا يعكر مزاجها، واعتبرته ناقوس خطر على أركان حكمها، فحاولت، بجميع الطرق، إفشالها، غير أنها لم تصل إلى مرادها، لتصير فزاعة الإرهاب والمتطرفين، ولتثبت مزاعمها، ومحاولة أخيرة منها لاستقطاب من يمكن استقطابهم من مؤيدين لها، لتغليب أركان الثورة المضادة، وخصوصاً أن الحوار الأخير في غدامس بدأ يؤتي أكله، ويضع النقاط على الحروف، بمباركة من الأمم المتحدة الراعية له، الأمر الذي سيجعل قادة الثورة المضادة، وداعميهم من الدول الخارجية، خارج المعادلة السياسية الليبية، بل يصل الأمر إلى ملاحقتهم دولياً بتهم القتل والتعذيب والدمار للدولة وممتلكاتها، ولعل هذا ما يرونه واقعاً أمام أعينهم، مما جعلهم يستنجدون بفزاعة الإرهاب، في كل مرة يرون أن الحوار قد اقترب من الوفاق.

ولكن، في المقابل، يرى كثيرون أن الحل في ليبيا لا يكون إلا بالحوار الشامل، وهو الوحيد الكفيل ببناء مؤسسات الدولة على أساس قويم وسليم، ليعبر بالثورة من المرحلة الانتقالية إلى الدائمة، وكبح التدخلات الأجنبية التي تحاول إجهاضها، مع المحافظة على مبادئها، وعدم التفريط في الصيغ القانونية والدستورية لها، حيث أنها وحدها الكفيلة بحمايتها من الثورة المضادة، في ظل التقلبات السياسية والحوارية من الطرف المقابل في الحوار.

هكذا يبدو المشهد الليبي، اليوم، بعد مرور أربعة أعوام على الثورة، مشهد تتصارع فيه الثورة وثوارها مع الثورة المضادة وأركان النظام السابق، بكل ما تحمله الدلالة من معنى، مما يزيد عمق الفجوة بين أبناء الوطن الواحد الذي ربما لن يستيقظ منهم من يؤيد العسكر، إلا حين يحكم قبضته على البلاد، ويرفع شعار من سبقه من حكام العسكر الذين أذلوا شعوبهم، بعدما استمالوهم بالشعارات الرنانة التي تتغير، عبر الأزمان والأوقات، إلا أن الهدف واحد، وهو الاستيلاء على الحكم لا غيره، فهل من مُتذكر في ذكرى الثورات العربية اليوم؟