عن التجربة المجتمعية المصرية

عن التجربة المجتمعية المصرية

24 ابريل 2015
+ الخط -
يدور نقاش مهم حول إمكانية استفادة المجتمعات من تجارب بعضها، لكن الأهم هو نقاش استفادة المجتمعات من تجاربها هي، ومقاربة هذا الموضوع تستلزم التقديم بنقد مفهوم التجربة المجتمعية وتمظهراتها عند جزء عريض من النخبة العربية. اعتاد بعض المثقفين العرب اختزال التجربة المجتمعية في جروح السايكولوجيا الجمعية، وبالتالي، لم يكن التعامل معها نقديا، باعتبار النقد توجهاً نحو المستقبل. ولكن، على العكس، يتم توظيف التجربة المجتمعية في كل من رفد الشعاراتية التي تمتح من المراثي، الماضوية والنوستالجيا واستبطان وبعث أشد النزعات الجمعية انحطاطاً وتملق المجتمع عبرها. وفي المقابل، في ترسيخ عقد النقص التي تجتاح هؤلاء المثقفين، من خلال التأكيد على "جوهرانية" المجتمع العربي، وأن الأزمة في "العقل العربي"، أي أن المجتمع المذنب استحق ما لحق به، لأنه ليس "راقيا" مثل النخبة التي حاولت تمدينه!
ومع غياب الوعي النقدي عند تناول التجربة المجتمعية، وحضور التوظيف الأيديولوجي لها، تتعقد مشكلات التجربة وتتفاقم، فهناك مثقفون وسياسيون نذروا نفوسهم لاستغلال جروح الذات الجمعية، لتأكيد "صوابية" الماضي، أو الاقتناع بالحاضر، أو، وهذا هو الأسوأ، كلاهما معا! والحالة المصرية الحالية تشكل نموذجا جيداً يستحق النقاش.
بعد انقلاب الجيش المصري في 3 يوليو، دخل المجتمع المصري، والمجتمعات العربية، مرحلة جديدة، ومع ظهور ملامح النظام السياسي القادم، وتأكيده للجميع أنه نظام انتكاسة وثورة مضادة، حصل المجتمع المصري على "تجربة" جديدة، لكن مقاربة التجربة تميزت بالفصام، بسبب التوظيف السيئ لها، فيندر أن تجد مثقفاً مصرياً ضد الانقلاب ينقد المقدمات الواضحة التي ساقت البلد إلى الكارثة، وتلك مقدمات شارك في صوغ جزء كبير منها الجماعة السياسية التي تم الانقلاب عليها. ويندر، بالطبع، أن تجد مثقفاً أيد الانقلاب ينتقد الانتكاسة التي حدثت بفعله. على العكس، يتم تحويل الأنظار عن "نقد التجربة" من خلال تصوير ما حدث مأساة لبطولة نقية، تمت هزيمتها، ممثلة في الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين! أو التشنيع بالرئيس السابق مرسي وجماعته السياسية وكل قوى ثورة 25 يناير المعارضة للانقلاب، بصورة شوفينية صريحة، وهذا ليقال إن الاقتناع بالحاضر هو الأفضل. وهكذا يتضح لنا، في المقام الأخير، أن جزءاً كبيراً من النخبة يعرقل نمو التجربة المجتمعية، عوضا عن إثرائها، أي أن عائق "عقلنة" الواقع ونقده هو ذاته من يناط به إنجاز النقد العقلاني!
التجربة المجتمعية لكي يستفاد منها، يجب أن تتجاوز مستويات الشعور وجروح السايكولوجيا الجمعية إلى مستوى المشروع الوطني، ولا يكون ذلك إلا بالتنظير، وخوض نضال سياسي متسق معه بصورة عامة، وهناك مثقفون عرب أبلوا بلاء حسناً، ولا يزالون في هذا المضمار. ولكن، يجب هنا ألا نغفل أمراً مهماً، وهو دور القواعد المسيسة الشابة، والتي كيل لها ولـ "الشباب" عامة مدائح مبالغ بها، في فترة اشتعال الثورات العربية، فهي، الآن، أمام تحدي بناء هذا المشروع الوطني، وهذا لا يكون إلا باستبطان مفهوم النضال السياسي، بما هو حراك مستمر وطويل النفس، فالحالة المصرية، في هذه اللحظة التاريخية، تستدعي إعادة بناء لمفهوم العمل السياسي نفسه، فقد اتضح أن النخبة السياسية العربية لم تكن ديمقراطية، ولم تستبطن يوماً مفهوم المواطنة، ولم تعرف فعلياً معنى فكرة الدولة. ولهذا، وجدنا سياسيين وأحزاباً استنجدوا بالجيش، لضرب خصم سياسي، والإجهاز عليه.
من دون إعادة بناء العمل السياسي، و"الاستفادة" من التجربة المرة، من خلال التنظير النقدي والنضال طويل النفس، لن تكون التجربة المجتمعية إلا مجرد انكسارات في الوعي الجمعي، تترجم ذاتها لاحقاً إلى أحقاد وثارات تاريخية، تدخل في سرديات القوى السياسية والاجتماعية. وحين تتبدل الأحوال، كما هي سنة الحياة، سيسير المجتمع من جديد في قطاعات مختلفة إلى دائرة الشيطان المقفلة نفسها.
8AC1ED65-78A2-4712-AD9B-FBCD829DA394
أيمن نبيل

كاتب يمني، من مواليد 1991، يقيم في ألمانيا لدراسة الفيزياء النظرية. نشر عدة مقالات في السياسة والاجتماع والثقافة والفنون، في عدة صحف يمنية.