انحيازاً للرجل

انحيازاً للرجل

21 نوفمبر 2016

(Getty)

+ الخط -
كان واضحا مقدار الحزن والقهر والغضب على ملامح الرجل، وهو يتحدّث بحرقة قلبٍ عن مأساته أباً حرم من (التصبّح) بوجه صغيره الأحلى من القمر، كما يصف، أو اصطحابه إلى الحضانة، أو الاستماع إلى تذمرّه من الأولاد الذين يتشاجرون معه على الألعاب، أو الذهاب وإياه إلى التسوق، وقراءة قصة تضم رسوماً ملونة قبل النوم، أو حتى أن يطبع قبلة المساء على جبينه، ويُحكم وضع الغطاء على جسده الصغير، وهو الذي يحبه أكثر من روحه. ذلك كله بسبب نزاع زوجي شائك، لم يؤد إلى طلاق حاسم ونهائي حتى الآن، غير أن الأم، على ما يبدو، ووفقاً لرواية الأب، تستخدم الصغير في ذلك الوضع المعقد، ورقة ضغطٍ في مسار الصراع الزوجي المرير وحيثياته، وهو الصراع الذي يدفع طفل، لم يتجاوز الرابعة من عمره، ثمنه حرماناً من حقه الطبيعي الذي أقرّته كل شرائع الدنيا ومواثيقها، بضرورة العيش ضمن رعاية أبوية وحمايتهما.
يتقاطع ما يحدث على أرض الواقع، في حالات كثيرة، مع هذه الحكاية، مخالفاً حتى قانون الطبيعة. ولأن البشر، كما أثبت تاريخ الإنسانية، أكثر قسوة ووحشية، بحيث يقترفون البشاعة بذريعة الدفاع عن النفس، ولن يتورّعوا، في أحيانٍ كثيرة، عن استخدام أي سلاحٍ متوفر بين أيديهم، في سبيل دحر العدو الذي كان شريك العمر يوماً ماً (!)، حتى لو كان ذلك السلاح طفلاً أعزل، لا يملك من أمر نفسه شيئاً، والمفترض أنه أمانةٌ سماويةٌ عليهما الحرص على تجنيبها دخول تجربة مؤلمةٍ كهذه، وهما يتحملان معاً، بطبيعة الحال، مسؤولية أخلاقية، ليس من حقهما التنصّل منها، في مراعاة مصلحة الأطفال، أولا، مهما بلغ الخلاف من حدّة، لحماية أرواحهم الهشّة المعرّضة لتأثيرات شديدة السلبية، سوف ترافقهم طوال حياتهم، وتجعل منهم في المستقبل أشخاصاً ناقمين، فاقدين حس الأمان النفسي الضروري، لتنشئة أي طفل. كما ينبغي على كل من يفكّر في الإقدام على الإنجاب، أن يتمهل قليلاً، وأن يتأكّد من أهليته لهذه المهمة الكبيرة؛ لأن علاقةً إنسانية أساسية كهذه تتطلب التزاماً نهائياً، لا فكاك منه، وليس من العدل والرحمة أن يحرم الطفل من أيٍّ من أبويه، فيغدو يتيماً مع وقف التنفيذ؛ لأنهما وبسبب من أنانيتهما يرفضان التوصل إلى حلٍّ إنساني وحضاري، يكفي الطفل شر الوجع وحرقة القلب.
قصص مشابهة كثيرة تحدث دائماً، يتعرّض فيها الآباء إلى ظلمٍ شديد، بسبب حق الأم المنصوص عليه شرعاً في الحضانة. وللأسف، يتعسّف بعض النساء في استعمال هذا الحق، فينفسن عن أحقادهن تجاه الأزواج السابقين، ويخلصن ثأرهن مستخدمات صغارهن دروعاً بشرية، محتميات بالقانون الذي ينصّ على حق الأب بالمشاهدة، بموجب ما تقرّره المحكمة الشرعية، لزمن محدد ومكان محدد، وتحت إشراف جهات رسمية.
وعلى الرغم مما تبذله هذه الجهات لتوفير جو حميم ومريح لتنفيذ المشاهدة، غير أنها، من وجهة نظري، تظل إجراءً سافراً بحق الطفل، أولاً، حين تختزل علاقته بوالده إلى هذا الوضع غير الإنساني.
هذه المشكلة العويصة لن تحلها نصوص قانونية، وجلسات محاكم، بل تفاهم أطراف النزاع على تخفيف ما حلّ بالطفل من مصاب، بتفريق شمل العائلة، والتوصل إلى صيغة لقاء أقل إيذاءً لنفسيته، تتيح له قضاء وقتٍ كافٍ بصحبة والده في بيئته الطبيعية.
ومن دون انحياز، نستطيع الإقرار أن أغلب حالات الطلاق تحدث بسببٍ من تعسّف الرجال، لكن السؤال موجهٌ إليكن، أيتها السيدات اللواتي تعشن هذه التجربة: ما جدوى انتقامكن من أطفالكن؟ وماذا اعترى عاطفة الأمومة النبيلة في قلوبكن التي أعماها الغضب؟ حسناً، ماذا لو استيقظ طفلك ذات ليلة، مذعوراً جراء حلم، وصرخ مطالباً بحضن أبيه؟ هل ستقولين له أجّل ذعرك، يا صغيري، حتى يحين الموعد الرسمي للمشاهدة؟ أم ستحاولين إقناعه بأن والده هو أسوأ الرجال، وتشرعين في تعداد مساوئه الكثيرة، لكي يقتنع الصغير أن (البابا كخه)؟ والله حرام.
AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.