حاشية بشأن واقعة أمين معلوف

حاشية بشأن واقعة أمين معلوف

12 يونيو 2016

أمين معلوف.. دعوة مبطنة إلى سحب جنسيته اللبنانية (18/7/2011/أ.ف.ب)

+ الخط -

للأستاذ الجامعي اللبناني، الأميركي الجنسية، أسعد أبو خليل، أن يزهو بنفسه، لأنه كتب، قبل نحو ست سنوات، واحدةً من أكثر المقالات فكاهةً في الصحافة العربية، لا تزيّد في الزعم إنها فريدةٌ في ظرافتها وكاريكاتوريتها. ويُضاعف من أهميتها أن صاحبَها يحكي فيها عن واقعةٍ، دلّت، كما كتب، على مبدئيّته في رفضه التطبيع مع إسرائيل. .. دعت جامعة سان فرانسيسكو أبو خليل إلى أن يُساجل قنصلاً إسرائيلياً في مناظرةٍ معه، فلبّى الدعوة، صدوراً عن أنها ليست من جهةٍ إسرائيلية، مشترطاً أن لا يتجاور في الجلسة مع (شريكه؟) هذا، وأن لا يتحاورا. وكتب أنه لم ينظر إلى الرجل، ولم يدعْ عينيه تقعان عليه، وكتب "ناظَرْتُ رجلاً لم أره"، و"لم أنظر إليه، إذ كنت أحدّق في الفراغ".

تُذكّر تلك الحدوتة بدعوةٍ تلقاها سفير السودان في القاهرة، من (زميله) سفير إسرائيل، إلى حفل عشاءٍ واسع، في أولى أسابيع العلاقات الطبيعية بين مصر وإسرائيل زمن أنور السادات. احتار الرجل ماذا يصنع، فبلاده ملتزمةٌ بمقاطعة إسرائيل تبعاً لقرارات جامعة الدول العربية، لكنها على علاقةٍ ممتازة مع مصر الساداتية. سأل وزيرَ الخارجية جواباً، فلم يُسعفه هذا بشيء، فرُفعت المسألة إلى الرئيس جعفر نميري الذي حسمها بحضور السفير الحفل، بشرط أن لا يتناول فيه أيّ طعام.

لم يقترف أسعد أبو خليل مثل فعلة الروائي أمين معلوف المستجدّة قبل أيام، المرذولة والمستنكرة، الظهور في مقابلةٍ مع قناة تلفزيونية إسرائيلية، لكنه، بموجب القانون اللبناني، جالَس مسؤولاً إسرائيلياً، أياً كان ما سمع هذا منه، ما يعني محاسبته، كأن يترافع عن نفسِه أمام القضاء، لينال البراءة أو العقاب، وهذا يحدّده أهل الاختصاص في قوانين الدولة اللبنانية. وفي وسع محامٍ عن أبو خليل أن يُقنع قضاةَ محكمةٍ لبنانيةٍ بأن ما قام به موكله كان عملاً كفاحياً ضد إسرائيل، الأمر الذي ليس في مقدور قرّاء تلك المقالة أن يجعلوه على هذه الوجهة، طالما أن ثمّة بعداً قانونياً له. ولمّا كان محبو أبو خليل، في الصحيفة البيروتية التي تنشر مقالاته، وفي أوساطٍ أخرى، قد ألحّوا على وجوب أن يأخذ القانون مجراه، وبلا تسييس، في قضايا غير قليلة، فقد كان الأدعى أن يُطالِبوا بأن يُستَنْطق أبو خليل بشأن حادثة سان فرانسيسكو، فلا يزاولوا اللعثمة المشوبة ببعض الحرج، كما فعلوا لمّا انكشفت جاسوسيّة فايز كرم لإسرائيل، وهو الذي كان أبرز معاوني ميشال عون. أما تعاطف هؤلاء، في الجريدة نفسها، وفي مثيلاتها، وفي أوساطٍ منقطعةٍ للممانعة، مع ميشال سماحة، لمّا اعترف بتكليف بشار الأسد له بارتكاب جريمةٍ مهولةٍ في لبنان، فلا يغيب عن الذاكرة.

مناسبة استدعاء هذا الأرشيف غير البعيد، هنا، أن الذين تنادوا في مسرح المدينة في بيروت، أول من أمس، في تجمّع "لنحاسب أمين معلوف"، طالبوا القضاء اللبناني بأن يُسائل الروائي، اللبناني الفرنسي الجنسية، بأن يطبّق القانون. وألمحوا، في بيانٍ أشهروه، إلى خيار سحب جنسية الرجل اللبنانية، ومنعه من دخول الأراضي اللبنانية. ولا يملك قارئ هذا الكلام غير استفظاعه، ليس دفاعاً عن معلوف الذي لم تُعرف عنه يوماً أيُّ جذريةٍ ضد إسرائيل، ولم يُزاول أيَّ دورٍ بشأن القضايا العربية في المنابر التي يُستضاف فيها في فرنسا. ومع كل عبارات التنديد الواجبة بما صنعه معلوف، حين ارتضى توظيف شهرته كاتباً عربياً في التحاور معه في قناةٍ ليكودية، فإن الواحد منا، ومع تثمينه الشعور الوطني العالي لدى الذين تداعوا إلى الجمع البيروتي، ليس في وسعه أن يغفل عن أن هؤلاء ينقصُهم إدراك أن الإجرام والاستبداد المهوليْن اللذيْن يرتكبهما النظام السوري (مثلاً) ضد شعبه هما مما يزوّدان إسرائيل بأسباب البقاء والمنعة. وأن مقاومتها الواجبة لا تستقيم مع إسناد الاستبداد القاتل في سورية. ولأن الأمر كذلك، فإن الطلب من جمع "مسرح المدينة" بالتطهّر من شغفهم بنظام البراميل القاتلة في دمشق، في محله، وذلك لتتصّف دعوتهم إلى محاسبة صاحب "سلالم الشرق" بالمصداقيّة اللازمة. ومع الإلحاح على وجوب اعتذار أمين معلوف عن سقطته، يجوز إنعاش السؤال بشأن حدّوتة أسعد أبو خليل، كما أوردها في فكاهيّته الخالدة، لم لا يبرّئه القضاء اللبناني؟

 

 

   

 

 

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.