مصر والسعودية وأمن البحر الأحمر

مصر والسعودية وأمن البحر الأحمر

23 يناير 2017
+ الخط -
تداولت وسائل الإعلام، أخيراً، خبرين يتعلقان بمصر، يحتاجان للوقوف عليهما كثيراً. زيارة رئيس جيبوتي، عمر جيله، القاهرة ولقائه عبد الفتاح السيسي، والحديث عن القاعدة السعودية المزمع إقامتها في جيبوتي ومدى تأثيرها على الأمن القومي المصري. وافتتاح السيسي مقر ما يسمى الأسطول الجنوبي في مدينة سفاجا، بهدف توسيع النفوذ في البحر الأحمر، لا سيما بعد رفع العلم على حاملة الطائرات ميسترال الفرنسية التي اشتراها قبل أكثر من عام، لتكون تابعة لهذا الأسطول. ويجمع الخبرين تساؤل بشأن أهمية البحر الأحمر للأمن القومي المصري من ناحية، وحدود هذا الأمن، أي هل تقتصر على حدود مصر المطلة عليه، أم تتعدّاها إلى أقصى الجنوب، حيث جيبوتي ومضيق باب المندب؟ وهل يمكن أن تشكّل القاعدة السعودية "المزمعة" في جيبوتي تهديدا له؟
بدايةً يمكن القول إن من حق مصر تأمين حدودها بشتى السبل، بما في ذلك المطلة على البحر الأحمر، وهو ما ينطبق مع الخبر الثاني الخاص بنقل موقع القيادة البحرية من الإسكندرية على البحر المتوسط شمالاً، إلى سفاجا على البحر الأحمر، ناهيك عن حقها في تعزيز قواتها البحرية في منطقة الحدود، وإن كان هذا محل تساؤل كبير، ولا سيما مع عدم وجود تهديداتٍ قادمة لها، سواء من البحر الأحمر أو حتى المتوسط. وبالتالي، ثار جدل كبير مع توقيع السيسي صفقة "الميسترال" مع فرنسا في أكتوبر/ تشرين الأول 2015 بقيمة 950 مليون يورو. وبشأن السؤال الثاني عن حق مصر، منفردةً، تعزيز وجودها جنوب البحر الأحمر، حيث مضيق باب المندب الذي تطل عليه اليمن وجيبوتي، وتكرار تجربة حرب 1973، عندما ساعدت اليمن والصومال في إغلاقه ومحاصرة إسرائيل من الجنوب، والإجابة بالنفي قولاً واحداً. لماذا؟
لأن الاتفاق الأول لفصل القوات بين مصر وإسرائيل عام 1974 تضمن رفع الحصار العربي عن باب المندب، وحصول إسرائيل على تعهد أميركي بعدم تكرار الأمر ثانيةً، من خلال أسطولها السابع المرابط في المحيط الهندي، بل دشّن الرئيس الأميركي آنذاك، جيمي كارتر، ما عرف في حينها بمبدأ كارتر عام 1976، والذي يسمح بالتدخل العسكري في المنطقة حال تهديد المصالح الأميركية (وبالطبع المصالح الإسرائيلية). وظهرت، في حينها، فكرة تشكيل قوات الانتشار السريع. وفي عام 1982، تم إخبار إسرائيل أن واشنطن عزّزت وجودها في البحر الأحمر لحماية حرية الملاحة، ومنها الملاحة الإسرائيلية. وبعد أحداث "11 سبتمبر"
في 2001، عزّزت الولايات المتحدة وجودها في المنطقة، في إطار حربها على ما أسمته الإرهاب، فنجحت في الحصول على قاعدةٍ عسكرية لها في جيبوتي، على الرغم من وجود أكبر قاعدة فرنسية هناك، ثم نجحت في تشكيل تحالف دوليٍّ بحريٍّ في هذه المنطقة، بهدف تأمين عملية الحرية الدائمة (Enduring freedom) الخاصة بمكافحة الإرهاب في منطقة القرن الأفريقي. وقد تكرّر الأمر نفسه مع بروز ظاهرة القرصنة في الصومال قبل أكثر من عشر سنوات. حيث أعلنت قيادة الأسطول الخامس الأميركي في البحرين آنذاك عن تشكيل منطقة تأمين بحري بين السواحل الصومالية وسواحل اليمن، على شكل مستطيل في منطقة خليج عدن، مع التركيز على تخليص المنطقة من أعمال القرصنة، وأن سفن القوات المتحالفة ستراقب هذه المنطقة.
إذن، لم يعد البحر الأحمر بحيرة عربية كما كان، بل أصبح بحيرةً دوليةً، نظرا لمرور ناقلات البترول القادمة من الخليج عبره إلى أوروبا وأميركا، وقدوم واردات الأخيرة عبره إلى هذه الدول. ومعنى هذا أنه لا يجوز لمصر أن تتخذ قراراتٍ منفردة لتأمين المدخل الجنوبي للبحر، بل لا بد من التشاور مع الدول العربية والدولية في آن واحد. أي باختصار هي جزء من التحالف الدولي المهتم بهذه المنطقة. ولعل هذا يجيب عن التساؤل الخاص بالقاعدة العسكرية السعودية في جيبوتي، وتأثيرها على الأمن المصري، فليس من الممكن أن تحرّض السعودية جيبوتي على غلق المضيق، ناهيك عن أنها لا تسيطر على الضفة الثانية منه (اليمن)، فضلا عن عدم سماح الولايات المتحدة وفرنسا صاحبتي القاعدتين العسكريتين في جيبوتي بذلك، فالسعودية تسعى إلى مواجهة نفوذ إيران في هذه المنطقة، ولا سيما بسبب أزمة اليمن، وما تردّد عن دعم إيران الحوثيين عبر بعض دول القرن الأفريقي، وهو ما يفسر أسباب تكريس اهتمام الرياض، بل وبعض دول الخليج الأخرى، بهذه الدول أخيراً، الصومال وإثيوبيا وإريتريا وجيبوتي.
ومعنى هذا أن القاهرة تدرك أن باب المندب لم يعد يشكل تهديداً خطيراً على أمنها القومي، خصوصاً أن مصدر التهديد التاريخي لها من هذه الجهة (إسرائيل) باتت على علاقة وطيدة بالسيسي. لكن، يبدو أن استقبال السيسي رئيس جيبوتي، والاستعراض العسكري في البحر الأحمر، يأتيان في إطار الرغبة في لفت نظر السعودية إلى إعادة تقييم علاقاتها معه، وعودتها إلى ما كانت من قبل، لا سيما أن مصادر مصرية أشارت إلى اشتراط الرياض تسليم جزيرتي تيران وصنافير، قبل الحديث عن عودة العلاقات إلى سابق عهدها، ولعل هذا يفسر السبب المفاجئ لإرسال الحكومة المصرية اتفاقية الجزيرتين إلى البرلمان للتصديق عليها، وعدم انتظار الحكم النهائي لمحكمة القضاء الإداري بشأنهما، والذي جاء يقضي بمصريتهما.
B8DDCC55-8075-41F9-A617-4F3EA9A3A8C9
بدر شافعي

كاتب وباحث مصري، يحمل الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، له كتابان عن تسوية الصراعات في إفريقيا، وعن دور شركات الأمن في الصراعات.