مولد سيدي ترامب

مولد سيدي ترامب

30 مايو 2017
+ الخط -
المولد مظهر وتعبير شعبي للاحتفال بشخصٍ ما له قيمة ومكانة دينية أو وليّ من أولياء الله الصالحين، وتنتشر الموالد في مصر في جميع القرى والمدن، وسبق لباحث أن أحصاها بما يقارب مائة مولد في العام، لكنها غير معروفة في الخليج، بل تعتبر من البدع المحرّمة التي يحرّم القيام أو الاحتفال بها (الضرورات تبيح المحظورات، قاعدة فقهية). وفي الموالد تكثر التصرّفات والأفعال المخالفة لتعاليم الدين الحقيقية.
جالت بخاطري صور الموالد في مصر، وأنا أشاهد وصول ترامب واستقباله في السعودية، وما سبق زيارته، وما كان أثنائها وما بعدها من صور وكلمات وتعليقات وتحليلات تكفّل بها الإعلام العربي، والذي كان دوره أشبه بـ "دراويش" الموالد الذين يتراقصون ويتمايلون يميناً ويساراً وهم يردّدون اسم صاحب المولد.
جاء ترامب وذهب واحتفل الرؤساء والزعماء المسلمون، وصفقوا له كثيرا، وهو يلقي عليهم دروسه وتعاليمه، ويتحدث عن رؤيته وفلسفته حول الدين، وهم له منصتون، وبحديثه معجبون، والإعلام العربي يرقص نشوان، فرحاً، إلى درجة أن وصفه عبد الفتاح السيسي "أنت رجل تفعل المستحيل"، فأجاب بتواضع "هو ذلك فعلا". ولي من أولياء الله الصالحين يصنع المعجزات. نعم حدث ذلك كله. ولكن، يبقى السؤال: ماذا حقّقت زيارة ترامب أميركا وللعرب وللمسلمين؟
بالنسبة للولايات المتحدة، فقد كانت الزيارة أكثر من رائعة، وحقّقت أكثر مما كان يحلم به ترامب نفسه، بعد أن عقد صفقات لبلده وشركاته بـ 460 مليار دولار (دقّقوا في الرقم جيداً، قد يستغرق ذلك بضع دقائق)، نعم 460 مليار دولار لإنعاش اقتصاد أميركا وتنمية مواردها وتحسين نسبة البطالة، كما استغل ترامب الزيارة في الإشارة الخفية إلى فشل سلفه أوباما ونجاحه هو في الإفراج عن المواطنة الأميركية من أصل مصري التي استمر اعتقالها ثلاث سنوات، وأفرج عنها في عشرة دقائق التزاماً بالقاعدة الفقهية المصرية "لا أحد يتدخل في أحكام القضاء".
وبالنسبة للعرب، وباعتبارها أمّة الضاد ومولعة بالخطب والعبارات الرنانة، فقد حصدت عبارات إنشائية وجمل جميلة بليغة كثيرة، ونال العرب (الخليج تحديدا) الكثير منها، والتي تندّد بالعدو الإيراني، وتصفه بالصفات الشيطانية والإبليسية، فسعد العرب وفرحوا، ولكن: هل اختلف شيء على أرض الواقع؟ هل توقف دعم إيران الحوثيين؟ هل تنازلت عن دورها في سورية؟ هل تخلّت عن حزب الله في لبنان؟ لم ولن يحدث شيء، فقط كلمات.
وأخيراً، بالنسبة للعالم الإسلامي، والذي حضر أكثر من 50 من زعمائه، وبعد كلمة ترامب عن الدين والعقيدة، هل سأله زعيم مسلم واحد عما يحدث للمسلمين في بورما؟ وماذا يسميه؟ هل تجرّأ رئيس وفد مسلم واحد على الحديث عن اضطهاد المسلمين وقتلهم وحرقهم في بورما أو أثيوبيا أو تايلاند؟ هل يعلم أحد من الرؤساء أصلا أنّ المسلمين يضطهدون هناك؟
وأخيراً، ففي كل الموالد في مصر هناك ما يعرف بالحمص والحلاوة، وشخصياً، فكثيرا ما أكلت حمص وحلاوة في مولد السيد البدوي في طنطا، فأين ذهب الحمص والحلاوة في مولد ترامب؟ فهل أخذه كله صاحب المولد؟
وكل مولد وأنتم طيبين.
795B9830-8541-444B-B4A4-35AB0D11D51C
795B9830-8541-444B-B4A4-35AB0D11D51C
محمد لطفي (مصر)
محمد لطفي (مصر)