الإخوان الأردنيون.. حراك فكري وتنظيمي

الإخوان الأردنيون.. حراك فكري وتنظيمي

07 يناير 2018
+ الخط -
تشهد جماعة الإخوان المسلمين (الأصلية غير القانونية) في الأردن، مع جبهة العمل الإسلامي، ورشات عمل مكثّفة في الوقت الحالي، تتضمن مراجعاتٍ واسعةً وعميقةً، تقوم بها نخبة واسعة من القيادات في الحركة الإسلامية عموماً.
تشكل هذه المراجعات التي أسفرت عن قناعات مهمة جديدة، نقطة تحوّل في تفكير الحركة الاستراتيجي، جاءت مغايرة للتوقعات، ذلك أنّ أغلب قيادات الجناح المعتدل سابقاً في الإخوان والجبهة، إمّا استقالوا أو فُصلوا أو جمّدوا أنفسهم. لكن المصادر الموثوقة داخل التنظيم تتحدث اليوم عن إعادة إنتاج الحالة الوسطية، عبر أفكار تقودها نخبةٌ كانت، في المرحلة السابقة، محسوبة على الجناح المتشدد، لكنّها اليوم تقود عملية نقدية، وتحولات كبيرة في خطاب الحركة ورؤيتها، شاركت فيها جماعة الإخوان الأم مع جبهة العمل الإسلامي، ضمن تحالف وطني واسع، أطلق عليه اسم تحالف الإصلاح الوطني، بعد مقاطعة للانتخابات استمرت نحو عشرة أعوام.
جاءت مشاركة الإسلاميين في الانتخابات أيضاً بعيداً عن شعار "الإسلام هو الحل" المعروف. وقبل ذلك، كانت انتخابات الشورى غير التقليدية (لأنّها جرت سراً بعد حظر الجماعة قانونياً) تفرز انتصاراً للحالة الوسطية الجديدة، كما يطلق عليها بعض قادة الجماعة، ثم كان زكي بني أرشيد الذي يقود اليوم المراجعات والحراك التنظيمي الجديد ينشر مقالةً لافتةً في "الجزيرة نت" مؤيداً مفهوم الدولة المدنية، ما دفع بعض قيادات الجناح المتشدّد إلى معارضته علناً.
كلا الاتجاهين المتنافسين اليوم في أروقة جبهة العمل الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين (الحالة الوسطية الجديدة والجناح المتشدد التقليدي) يشاركان في ورشات المراجعة الداخلية، ومن ضمنها إعداد أنظمة أساسية جديدة، تؤكد على زيادة تمثيل النساء والشباب (وتحوّلهما إلى قطاعات كاملة في الحزب). والأهم من ذلك فصل الدعوي عن السياسي، من خلال تفرّغ جماعة الإخوان للعمل الدعوي والتربوي والديني، والحزب للعمل السياسي والعام، مثل الانتخابات والنقابات. وما تزال هنالك سيناريوهات مقترحة لكيفية إعادة إنتاج الحالة القانونية لجماعة الإخوان المسلمين بعد حظرها قانونياً، ومنح ممتلكاتها للجمعية المرخصة بالاسم نفسه التي يتولى قيادتها المراقب العام الأسبق، عبد المجيد الذنيبات.
يشترك اليوم زكي بني أرشيد، بصراحة، مع قيادات التيار المعتدل سابقاً في الجماعة، الذين خرجوا وأسسوا أحزاباً جديدة، مثل "الشراكة والإنقاذ" و"زمزم"، وحتى الجمعية الجديدة للإخوان المسلمين، بأنّ هنالك ضرورة ماسة لمراجعة أدبيات الجماعة، وتطوير البنى الفكرية والتنظيمية، وتحديداً عملية فصل الدعوي عن السياسي، واقتصار دور الجماعة على الجانب الدعوي والتربوي، في مقابل تعويم العمل السياسي والحزبي بين أحزابٍ تنتمي لمدرسة الإخوان روحياً وفكرياً، لكنها متحرّرة سياسياً.
المفاجأة التي تلقاها سالم الفلاحات، مؤسس حزب الشراكة والإنقاذ وكان مراقباً عاماً لجماعة الإخوان المسلمين وأحد أبرز قادتها، أن زكي بني أرشيد كان في مقدمة من هنأوه بالموافقة على حزبه الجديد، ما يشي بأنّ هنالك توجهاً جديداً في الجماعة. ويكشف أحد أعضاء مجلس الشورى في جماعة الإخوان المسلمين، سرّاً، أن مجلس الشورى رفض اقتراحاً، في جلسته أخيرا، لمناقشة موضوع فصل قادة "الشراكة والإنقاذ" من الجماعة، كما حدث مع قادة "زمزم" وأعضاء الحزب، بل هنالك من يرى إلغاء قرار سابق لشورى الجماعة بتخيير أعضاء "الشراكة والإنقاذ" بين ترك جماعة الإخوان أو التخلي عن فكرة زمزم.
تتزامن هذه التطورات وتتوازى مع جهودٍ كبيرةٍ، يقودها قادة حزب زمزم، من أجل التوحد مع حزب الشراكة والإنقاذ لتقوية الحزبين، من خلال إطار واحد مشترك، خصوصا أن الأفكار تكاد تكون متطابقة بينهما.
تتوافق الاتجاهات الجديدة في الأردن مع اتجاهاتٍ شبيهةٍ في دول عربية أخرى، خصوصا في المغرب العربي، تؤشر إلى نقلة نوعية في فكر الإسلام السياسي إلى مرحلة ما بعد الإسلام السياسي، أي إلى القبول بالفصل بين الدعوي والسياسي، وتحويل جماعة الإخوان إلى مدرسة روحية وفكرية ودينية، وترك العمل السياسي والعام للمؤسسات المتخصصة، بل تعويمه من خلال أحزاب متعدّدة، والتركيز على الجانب الوطني في تلك الحركات، مع تأكيد الاستقلالية عما يسمى التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين.
محمد أبو رمان
محمد أبو رمان
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية والمستشار الأكاديمي في معهد السياسة والمجتمع.