هل يمكن هزيمة ترامب في نوفمبر؟

هل يمكن هزيمة ترامب في نوفمبر؟

10 فبراير 2020
+ الخط -
انتهت الأربعاء الماضي معركة الكونغرس مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، فبعد أن قرّر مجلس النّواب، بأغلبيته الديمقراطية، أن الرئيس قد أساء استخدام سلطته لمصلحته الشخصية وعرقل عمل الكونغرس، رُفعت القضية إلى الغرفة العليا في المجلس، مجلس الشيوخ، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، لإجراء المحاكمة. ترأس الجلسات رئيس المحكمة العليا، جون روبرتس، ولعب سبعة ممثّلين عن مجلس النوّاب دور المدّعين العامّين، فيما دافع عن الرئيس فريق من المحامين، عُرف بعضهم بالمرافعة عن أسوأ المتهمين في التاريخ الأميركي، مثل أو جي سيمبسون وهارفي واينستين.
قبيل الجلسة، أقسم أعضاء مجلس الشيوخ المائة أن يكونوا نزيهين وحياديين، وفقا للدستور الأميركي، ولكن 52 عضوا في المجلس نكثوا في قسمهم، فلم يكونوا نزيهين ولا محايدين. والحقّ أنهم جاهروا بذلك، وتباهوا به، كما فعل زعيم الأغلبية ميتش ماكونيل، ورئيس لجنة الاستخبارات ليندسي غراهام. ويوم الأربعاء الماضي، صوّت جميع الجمهوريين (باستثناء الشجاع ميت رومني) بأن الرئيس ترامب غير مذنب، وأُقفلت القصة، داخل المجلس، ولكن ليس في الشارع.
سبق ترامب رئيسان أميركيان في التاريخ إلى قفص الاتهام في مجلس الشيوخ، أندرو جونسون (1868) وبيل كلينتون (1998). أما الرئيس ريتشارد نيكسون فقد استقال قبل التصويت على إجراءات عزله، وقد أدرك أن نوّاب حزبه آثروا الانضمام إلى الحقيقة، وليس إلى 
المصالح الحزبية، ووضعوا البلاد قبل الحزب. تمّت تبرئة جونسون بفارق صوت واحد، وتمّت تبرئة كلينتون بفارق أكبر.
وتختلف محاولة عزل الرئيس ترامب عن سابقتيها في كلّ شيء تقريبا، فما قام به ترامب أكثر خطورة مما قام به سلفاه في القرنين التاسع عشر والعشرين. أقدم جونسون على إقالة أحد وزرائه، وأقام كلينتون علاقة غرامية مع إحدى المتدرّبات، وكذب تحت القسم. في المقابل، للرئيس ترامب جيش جرّار من المخالفات السياسية والقانونية والأخلاقية التي تصل إلى حدّ الجريمة، فهو تقبّل مساعدة صديقه وراعيه بوتين في إيصاله إلى الرئاسة، ورفض إدانة روسيا لتدخّلها في الانتخابات الأميركية، ثم استخدم سلطته للضغط على حكومة أوكرانيا للتحقيق مع منافسه المحتمل في الانتخابات المقبلة، في نوفمبر/تشرين الثاني العام الحالي (2020)، جون بايدن، من أجل إضعافه، ثمّ منع مساعديه في الحكومة والبيت الأبيض من التعاون مع لجنة التحقيق التابعة للكونغرس، كما منع إرسال وثائق مهمّة طلبها الكونغرس. كلّ واحدة من هذه الانتهاكات أسوأ عشر مرّات من التهم التي وجهها الكونغرس سابقا لجونسون أو كلينتون.
الأخطر من ذلك كله أن ترامب قسّم الأمة الأميركية بشكل عميق، فباتوا يشبهون إلى حدّ ما السوريين في انقسامهم العميق، وباتت قصة أميركا اليوم قصتين. بالنسبة لأحداث عديدة في الحياة السياسية، هناك روايتان لا يمكن التوفيق بينهما، تتكشفان بشكل متوازٍ، وغدا من المستحيل إجراء محادثة مثمرة في أميركا اليوم مع أي شخصٍ يصدق الرواية الأخرى، ويشمل ذلك أفراد الأسرة الواحدة. في الفترة التي سبقت انتخابات عام 2016، وجد استطلاع أجرته شبكة ABC أن 37% من الأميركيين عانوا من زيادة التوتر مع الأقارب أو الأصدقاء، 
بسبب حملة ترامب. زادت هذه النسبة كثيرا، خصوصا في أثناء التصويت على تعيين عضو المحكمة العليا، بريت كافانا، اليميني المتعصّب والكاره للنساء، ووصلت إلى ذروتها في أثناء محاولة عزل الرئيس.
يجيد ترامب، إلى حدّ بعيد، إثارة الفرقة بين الأميركيين، وقد فعل ذلك من جديد في أثناء إلقائه خطاب حالة الاتحاد، قبل تبرئته في مجلس الشيوخ بيوم واحد، فبدأ برفض مصافحة رئيسة مجلس النوّاب، نانسي بيلوسي، ثم فتح النار على كلّ من يخالفه الرأي، واختطف قاعة الكونغرس محوّلاً ما ينبغي أن يكون لحظةً موحّدة إلى حملة انتخابية، مفسدا الدور الأساس الذي يلعبه الرؤساء في تلك اللحظة: كونهم رؤساء للأمة بأجمعها، وليس لفئة أو حزب.
وباتت المسألة الآن في أيدي الأميركيين. تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية ثمانية أشهر فقط، وعلى الأميركيين أن يقرّروا خلالها إن كانوا يريدون رئيسا يتلاعب بالانتخابات، ويطلب مساعدات خارجية ليفوز، ويدعم كلّ أنواع الطغاة في العالم، ويتستّر على جرائمهم، ويعمل على زيادة ثروة الأثرياء وإفقار الطبقة الوسطى والعمال، ويشوّه صورة الولايات المتحدة في العالم، ويحتقر المرأة والملوّنين والمسلمين واللاجئين، ويساند العنصريين البيض والفاشيين الجدد، أم أنهم يريدون رئيسا يعكس ذلك كله، ويؤمن بالمبادئ والقيم الأميركية وسيادة القانون،
 ويعمل على إعادة الاعتبار للحلم الأميركي.
لا يمكن لأحد أن يتنبأ بنتائج الانتخابات المقبلة، فثمّة للرئيس ترامب قاعدة ثابتة لا تبدّل ولا تغيّر، وهؤلاء مستعدّون لإعادة انتخابه حتى (وأستشهدُ بما قاله هو نفسه قبل سنوات) وإن قتل رجلا ما "في الجادّة الخامسة بنيويورك". تقارب هذه القاعدة 40% من الأميركيين. ثمّ يأتي النظام الانتخابي الأميركي الغريب الذي يعطي الولايات الصغيرة صوتا أكبر من نسبة عدد سكّانها ليضيف إلى أسباب عدم القدرة على التنبؤ، فحتى لو فاز منافس ترامب بعدد أكبر من الأصوات يمكن أن يخسر وفق قانون الهيئة الانتخابية، كما خسرت هيلاري كلنتون أمامه في عام 2016، على الرغم من تفوقها في عدد الأصوات بثلاثة ملايين صوت. وأغلب الظنّ أن اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، رغم ميله الليبرالي عموما، سيدعم ترامب الذي أعطى الإسرائيليين ثلاث هدايا لا تقدّر بثمن، حين اعترف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، واعترف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان المحتلّ، ثم ختمها بصفقة القرن، التي تعطي إسرائيل كلّ شيء، وتبقي للفلسطينيين الفتات.
لو كانت السياسة منطقية، لقلنا بثقة إن التجديد لترامب في ولاية جديدة غير وارد، ولكن السياسة غير ذلك تماما. كان هيغل يردّد أن "كل ما هو عقلي واقعي، وكل ما هو واقعي عقلي"، ومغزاها الحقيقي يكمن في أن المعقول متحققٌ بالفعل، وما هو متحققٌ بالفعل معقول. ولكننا في زمن غير زمن هيغل. نحن في زمن ترامب وبنيامين نتنياهو.
8B0BB846-CF42-461B-9863-1B914FC64782
8B0BB846-CF42-461B-9863-1B914FC64782
وائل السواح

باحث سوري في قضايا المجتمع المدني وحقوق الإنسان. عضو في المكتب التنفيذي لرابطة الكتاب السوريين ورئيس تحرير موقع "سيريان أبزرفر" ومسؤول تحرير في موقع الأوان.

وائل السواح