ابتزاز صهيوني لاحتكار الجريمة

ابتزاز صهيوني لاحتكار الجريمة

23 فبراير 2024
من تظاهرة في فرنسا ضد العدوان على غزة (ناصر السهلي)
+ الخط -

لسنين طويلة سادت في أوروبا عمليات خداع سياسي ــ إعلامي، عن شعب فلسطين والاحتلال الإسرائيلي، ليس فقط بالتركيز على نفي منهجي لوجود شعب فلسطيني وحقه التاريخي في وطنه، بل في تغطية الجريمة الصهيونية المتواصلة منذ 1948.

وردّدت بعض صحافة أوروبا كالببغاوات، أنه ليس ثمة شعب فلسطيني. فالصهاينة قبلهم اخترعوا تعريف الباقين بأرضهم التاريخية، من عرب وبدو ومسلمين ومسيحيين ودروز وشركس وبهائيين وغيرهم، بـ"أقليات"، تعرّضت لخضوع أو أسرلة وسط هيمنة دولة الأبرتهايد.

يأتي ذلك أيضاً لتسويق "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، بينما هي تتيح أعمق أشكال العنصرية والتمييز والظلم، حتى عند قضاة يعتبرون زئيف جابوتنسكي مثلهم الأعلى. تعريف "العرب" مقابل "الدولة العبرية/اليهودية" أهدافه كثيرة، ليس أقلها تنشئة جيل "تطبيع" المذبحة في مجتمع صهيوني يُساس بعقلية قبلية بدائية.

ففي نهاية المطاف "ثمة 21 بلداً عربياً وهناك فقط دولة يهودية واحدة"، مع سؤال تردد عن غزة: "لم لا يرحل العرب (من غزة وسائر فلسطين) إلى أشقائهم".

الأذرع الصهيونية، من كل الجنسيات، لم تمل من تكرار سردية "التطهير". وأصبحت حرب الإبادة في غزة تعكس بوضوح التنشئة التي رأت قيمة العربي صفراً، لا بل يستحق الطرد والقتل. كل ذلك في إطار قولبة العقول على أنه لا جريمة تُقارن بما تعرض له يهود أوروبا، لشرعنة هدوء الضمائر في جريمة إبادة الفلسطيني. 

ومثلما انهارت عند آلاف الأوروبيين خديعة "مثالية اشتراكية الكيبوتس" (المستوطنة)، بدأت تنهار كذبة "الجيش الأخلاقي"، رغم اعتبار المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي أنه أفضل من جيش بلاده. وما كان هذا ممكناً قبل ثورة الاتصالات.

سفالة الجيش الإسرائيلي في غزة وانحطاطه يفضحان تربية اجتماعية و"وطنية"، ترى في سرقة ممتلكات الغزيين أمراً عادياً، إذ هكذا فعل بالأصل الآباء والأجداد في بقية فلسطين. والإعدام بدم بارد وحرق الممتلكات ونسف مجمعات سكنية وضرب المشافي، لم يأت من دون مباركة قطيعية، تعيد التذكير بسنوات الظلامية الأوروبية بين 1933 و1945، والتي نشأت بالمناسبة في صناديق الاقتراع.

سردية أنها "ليست أفعالاً ممنهجة"، تكذبها الوقائع المتواصلة، باحتضان ذاكرة أحفاد وأبناء مرتكبي مذابح النكبة لـ"بطولات" عصابات الذبح، ممن غرّموا عن المذابح بـ"قرش" (أغورة واحدة، أصغر فئة في العملة الإسرائيلية)، متفاخرين بنشأة تقوم على أن الضحايا "ليسوا سوى عرب".

عليه، ليس مستغرباً أن يصير عدواً من يذكرهم أن أفعالهم ترقى إلى جرائم النازية، سواء كان الرئيس البرازيلي (لويس إيناسيو) لولا دا سيلفا، أو سابقاً المفكّر الراحل الفرنسي روجيه غارودي أو رئيس البرلمان الدنماركي السابق موينز لوكاتوفت، وآخرين، تحت الترهيب بمقصلة "معاداة السامية"، مذكرين بمخاتلة احتكار السامية ذات نفسها.

وما يجري في غزة على مدار نحو 20 سنة هو تحويل القطاع إلى معسكر اعتقال ضخم لنحو مليونَي إنسان. وحين يُجري البعض مقارنات مع تشييد الفاشية الأوروبية معتقلات ضخمة لتجويع وقتل الناس وسرقة ممتلكاتهم، حتى حشوات أسنانهم الذهبية، فلأن الوقائع تتحدث عن نفسها، وبتصريحات علنية ممن يسمون "قادة" في دولة الاحتلال. وبسلاح عصري، وتحت سمع وبصر البشرية، يطالب هؤلاء بإبادة وتطهير عرقي، مسنوداً بكل الوسائل التي انتهجتها الفاشية لارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

فهل المطلوب تحت يافطة الترهيب بـ"معاداة السامية" أن يصمت العالم ويقبل الجرائم والإبادة؟هو سؤال بالمناسبة يفزع دوائر الصهيونية، في تل أبيب وحول العالم، إذ يأتي في سياق طرح مقاربات جريئة، لم تعد مجرد أصوات معزولة. كما يسري كتيار عام في أوروبا نفسها، والتي عاشت تضليلاً صهيونياً لعقود طويلة.