احتجاجات سورية: عوامل عدة تدفع إلى اتساع تظاهرات السويداء

22 اغسطس 2023
من التظاهرات في السويداء أمس (العربي الجديد)
+ الخط -

يتسع نطاق الاحتجاجات الشعبية، لا سيما في محافظة السويداء، جنوب سورية، ضد النظام والوضع الاقتصادي الكارثي، مع ارتفاع عدد نقاط التظاهر والاحتجاج في عموم المحافظة إلى 43 نقطة أمس الاثنين، في مشهد أعاد للأذهان بدايات الثورة السورية في ربيع عام 2011. ويأتي ذلك خصوصاً أن المتظاهرين في السويداء رفعوا ذات شعارات الثورة وهتفوا بها، وأهمها لجهة التأكيد على وحدة سورية، ومطالبة رأس النظام السوري، بشار الأسد، بمغادرة السلطة.

ولم تقتصر التظاهرات على السويداء، إذ قال الناشط محمد الحوراني، لـ"العربي الجديد" إن العشرات من أهالي مدينة داعل في ريف درعا خرجوا في تظاهرة مساء أول من أمس مطالبين بإسقاط النظام السوري. وأضاف الناشط أن تظاهرة أخرى كانت في مدينة الصنمين شمالي درعا وسبقتها تظاهرات في بلدات تسيل والشجرة وسحم الجولان غربي درعا. وحملت التظاهرات في درعا مطالب بإسقاط النظام السوري وشعارات تنادي بالحرية والكرامة ورفض الظلم. كما حيا المتظاهرون الحراك الاحتجاجي في السويداء.

احتجاجات السويداء: مطالب شاملة

وطالب المتظاهرون في السويداء، أمس الاثنين مجدداً، بـ"إسقاط النظام"، رافعين لافتات تُحمّل نظام الأسد مسؤولية تحويل سورية "من مهد الحضارات إلى دولة المخدرات"، ومؤكدين رفضهم لـ"الطائفية والمناطقية". كما رفع محتجون لافتات طالبوا من خلالها بـ"اللامركزية" الإدارية في المحافظات السورية، والتي يرفضها النظام. وفي تطور يمنح هذه الاحتجاجات زخماً أكبر، انضم وفد من مشايخ منطقة "وادي اللوا" إلى المحتجين في ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء، مركز المحافظة. وواصل المحتجون قطع الطرقات داخل المحافظة، مع استمرار حركة الإضراب في المؤسسات الحكومية، وتنفيذ وقفات احتجاجية في مختلف البلدات والقرى في محافظة السويداء.

تواصل الإضراب في المؤسسات الحكومية بمحافظة السويداء

ووفقا لشهودٍ عيان، فقد قدرت أعداد المحتجين الذين توافدوا من قرى وبلدات المحافظة إلى ساحة السير (الكرامة) بما يفوق الألف محتج ومحتجة من أعمار مختلفة. ووجّه المتظاهرون في الساحة وسط مدينة السويداء، التحيات إلى كل المحافظات والمدن السورية، في خطوة تبرز الجانب الوطني في هذه التظاهرات التي بدأت قبل أيام رداً على إجراءات اقتصادية اتخذها النظام عمّقت الأزمات المعيشية التي يعاني منها السكّان في مناطق سيطرة النظام.

وأشار الناشط المدني في هذا الحراك، منيف رشيد، في حديث لـ"العربي الجديد" من ساحة الكرامة، إلى أن التظاهرات ووقفات الاحتجاج "لن تتوقف في السويداء"، مضيفاً "لم يعد لدينا ما نخسره إلا كرامتنا، وهي خطنا الأحمر هنا". وبيّن رشيد أن المتظاهرين "يطالبون بتنفيذ القرار الدولي 2254 لانتشال سورية من أزمتها"، معتبراً أن "رهان النظام على طمس الوعي الثوري لدى السوريين من خلال الترهيب، قد فشل".

وذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أنه "سيعقد خلال الأيام القليلة المقبلة مؤتمر يحضره منظمو الحراك الشعبي في المحافظة"، مشيرة إلى أنه "ستنبثق عن المؤتمر جهات تنظيمية لإدارة شؤون المحافظة من مختلف النواحي".

إلى ذلك، دعا الرئيس الروحي للطائفة الدرزية، الشيخ حكمت الهجري، أمس، من مضافته في بلدة قنوات، شمال شرقي مدينة السويداء، المحتجين، إلى الحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة، معلناً استمرار تأييده للإضراب في المحافظة. وأشار الهجري إلى أن المتظاهرين في السويداء "هم لسان حال كل السوريين".

احتجاجات مختلفة

وتشهد محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية من السكّان حركات احتجاجية منذ عام 2014، ردّاً على سوء الأحوال المعيشية، ولكن النظام كان يطوّقها بتدخل من فعاليات محلية ودينية وحزبية مرتبطة به.

ولكن ما تشهده السويداء اليوم مختلف عما سبقه، خصوصاً أنه يأتي في ظلّ انسداد الآفاق أمام انفراجة سياسية لتحقيق حل سياسي في البلاد، وفي ظل أزمة اقتصادية خانقة دفعت عدداً كبيراً من شبّان المحافظة للهجرة.

خرجت تظاهرات عدة في درعا مساء الأحد تطالب بإسقاط النظام

وأكد الناشط المدني حمزة المعروفي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الاحتجاجات بنسختها الحالية مغايرة تماماً لما سبقها"، مضيفاً أن "مستوى الوعي الجماهيري للمرحلة ولمآلات الأمور أصبحت واضحة أكثر، وكل من كان متمسكاً بثوب النظام أفلته من يده بعدما أدرك أن هذا الثوب بات ممزقاً".

وحول إمكانية استمرار الاحتجاجات والتظاهرات، أعرب المعروفي عن اعتقاده بأن "احتمالية استمرار هذا الحراك الشعبي الواسع، مرهونة بوعي المحتجين المنتفضين على الأرض والأهالي المتضررين من قرارات النظام واستبداده"، لافتاً إلى أنه "كلّما ترسخ الوعي بضرورة وجود مؤسسات تؤدي خدماتها للمواطنين دون تقصير، وأن هذا النظام غير جدير بذلك، اتسعت رقعة الاحتجاجات وكسبت تأييداً أكبر يمكنها من الاستمرار".

وفي السياق، رأى الصحافي نورس عزيز، وهو من أبناء محافظة السويداء، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "انضمام شيوخ دين ومباركة المؤسسة الدينية المتمثلة في الشيخ حكمت الهجري، كلّها عوامل تساعد على استمرار هذا الحراك الشعبي".

ومنذ بدء الثورة السورية في عام 2011، حاول النظام السوري تحييد محافظة السويداء عما يجري في سورية كي لا تنخرط في الحراك الثوري الداعي إلى إسقاطه. وامتنع سكان المحافظة عن إرسال أبنائهم للخدمة في قوات النظام، في موقف يعكس رفضهم للبطش الذي مارسه نظام الأسد ضد المحافظات السورية الأخرى.

وظهرت في محافظة السويداء العديد من الحركات المعارضة، لعل أبرزها حركة "رجال الكرامة" التي تأسّست في نهاية عام 2013 من قبل مجموعة من رجال الدين في بلدة المزرعة، والذين اختاروا الشيخ وحيد البلعوس قائداً للحركة. وفي منتصف عام 2015، تمّ تفجير موكب الشيخ البلعوس ورفاقه أثناء توجهه إلى بلدة سالي عبر طريق ظهر الجبل، فقُتل مع عدد من رفاقه. واتهم ليث البلعوس، وهو ابن الشيخ الراحل، في عام 2021، إيران و"حزب الله" باغتيال والده، وذلك في ظهور له على تلفزيون "سوريا" الذي يبثّ من تركيا.

وتعليقاً على ما يجري اليوم في محافظة السويداء من تظاهرات وحركات احتجاج، رأى الباحث السياسي أحمد القربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هذه الاحتجاجات كانت متوقعة نتيجة الأزمة المعيشية التي تعيشها مناطق سيطرة النظام". أما بالنسبة إلى إمكانية استمرار هذه الاحتجاجات، فرأى القربي أنه "أمر متوقف على العديد من العوامل، من قبيل استجابة النظام لمطالب المحتجين، إضافة إلى العامل الخارجي، فضلاً عن ظهور حركات مماثلة في محافظات أخرى ما يسهم الى حد بعيد في استمرار تظاهرات السويداء".

ورأى الباحث أن "اتساع رقعة الاحتجاج والتظاهر داخل محافظة السويداء مؤشر مهم على استمرارها وعدم تراجع زخمها"، مستبعداً أي تصعيد أمني أو عسكري من قبل النظام ضد سكّان المحافظة. ولكنه أكد أن النظام "لا يملك ليس ما يقدمه لتحسين الأوضاع المعيشية في عموم المناطق التي يسيطر عليها وليس في محافظة السويداء وحدها".

المساهمون