الجزائر... الشاحنة قبل الدبابة

الجزائر... الشاحنة قبل الدبابة

28 فبراير 2024
منطقة الزويرات الموريتانية، مارس 2023 (ماركو لونغاري/فرانس برس)
+ الخط -

بات يتوافر للجزائر نموذج قائم ومكتمل لعلاقات مفيدة ومنتجة للقيمة المضافة، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، مع الجارة موريتانيا، يمكن أن يكون محلّ عرض لتعميمه على دول الجوار في الساحل، يتجاوز البعد السياسي والإطار الأمني الضيق، ويعطي دعامات أكثر واقعية ويوفر حقائق جدية على الأرض لأي مسعى لتحقيق الاستقرار والأمن واستغلال جيد للإمكانات المتوافرة، وتحويل المشكلات التي تطرحها طبيعة المنطقة إلى فرص للاقتصاد.

قبل أسبوع وضعت الجزائر وموريتانيا أساسات هذا النموذج الجديد في علاقات تتجاوز التعابير السياسية التقليدية التي لم تُغنِ من جوع ولم تُسمن، عندما افتتح البلدان معبراً برياً وتجارياً ومنطقة حرة والبدء بإنجاز طريق يصل تندوف، جنوبيّ الجزائر بالزويرات الموريتانية.

والحقيقة أنه ما كان لبلدين مغاربيين كالجزائر وموريتانيا، أن يتأخرا ستة عقود لفتح منطقة تجارية حرة، والتأخر أكثر في تدشين معبر بري بين البلدين، يسمح بتنقل الأشخاص والتجارة، لو حضر الانتباه والرشد السياسي في حينه، ولو احتكم الحاكمون إلى الفكر الاقتصادي الناضج قبل ذلك بزمن.

دائماً كانت الطبيعة ترفض الفراغ، لذلك فإن التجارب الناجحة والسياسات الحكيمة هي تلك التي سعت لصياغة مشاريع إيجابية لملء الفراغ وشغل منطقة الفراغ الصحراوي، وشق طرق وبناء خطوط سكة حديد، بما يمكن أن يسمح بتوطين الناس والحد من الهجرة وتثبيت حركة السكان وتغيير الدور الحيوي للمدن والحواضر الحدودية، التي ستأخذ قيمتها أكثر عندما تتحرك فيها وعبرها دواليب الاقتصاد والتجارة.

ومما لا شك فيه، أن هذه الأساسات تعزز العلاقات والروابط أكثر من أيّ شيء آخر، وتصون الأمن وتكرّس الاستقرار أكثر من الأدوات الأمنية، فمهما كان هناك إمكانية للدبابة لتحقيق بعض مقتضيات الأمن وحراسة الحدود، غير أن شاحنة السلع وقطار البضائع وحركة التجارة، يمكن أن تخلق الحياة وتوفر الأمن أكثر بكثير، بل وتخفف بصورة مختلفة العبء الأمني، عندما تصبح هذه الحركة جزءاً من مفهوم الأمن الشامل.

هناك إمكانية كبيرة بالنسبة إلى الجزائر لتقديم النموذج الجديد لعلاقاتها بموريتانيا، لإنشاء علاقات بالقيمة نفسها مع دول الجوار الجنوبي، النيجر ومالي تحديداً، بغضّ النظر عن أية اعتبارات للأزمة الظرفية.

وهذا الذي يجب أن يحصل لتحسين حيوات الناس وامتصاص أسباب وعوامل الأزمات ومسببات الهجرة، خصوصاً مع بروز تداعيات وخيمة للتغيرات المناخية المقبلة في الأفق، فضلاً عن المتغيرات الاستراتيجية التي تواجهها المنطقة، لأن النخب والمجموعات الاقتصادية التي تنحاز عادة إلى المصالح والربح المشروع وتطوير المشروعات، والسكانية أيضاً، ستكون أكثر حرصاً على استدامة الاستقرار وفتح مسالك الحركة التجارية وتطوير العلاقات، وفتح إمكانية لتكامل اقتصادي مناطقي، أكثر من الحكام والحكومات نفسها.

ويتعين في المقام نفسه وضع العلاقات مع كل من تونس وليبيا ضمن ذات السياق والمنحى، ذلك أن سياسات الجوار التقليدي لم تكن منتجة لا بالقدر الكافي للأمن بالمعنى السياسي والمجتمعي، ولا للاستقرار بالمعنى الاجتماعي والاقتصادي.

المساهمون