العراق: أحزاب جديدة بقيادة ناشطين ومتظاهرين

العراق: أحزاب جديدة بقيادة ناشطين ومتظاهرين

31 مايو 2022
خلال تظاهرة بمدينة الناصرية في مارس الماضي (أسعد نيازي/فرانس برس)
+ الخط -

تُشجع الظروف الصعبة التي تمر بها الأحزاب التقليدية في العراق، الناشطين المدنيين على الاستمرار بحراكهم السياسي بعيداً عن الأضواء، عبر نشاطات ميدانية مختلفة، أبرزها الندوات والفعاليات الثقافية والسياسية، في مختلف مدن البلاد، لا سيما في بغداد وجنوبي العراق.

ولا يُخفي عدد من القيادات البارزة في الحراك المدني ببغداد والبصرة وذي قار على وجه التحديد، نيتهم التوجه لإنشاء تكتلات وكيانات سياسية جديدة، قاعدتها الشعبية المتظاهرين والناقمين على تجربة الأحزاب الإسلامية تحديداً من الشارع العراقي.

الشهران الماضيان شهدا تأسيس عدة تكتلات جديدة تفاعل معها عشرات الناشطين

تأسيس أحزاب عراقية جديدة

وفي السياق، كشفت مصادر سياسية من داخل الوسط المدني العراقي، لـ"العربي الجديد"، أن الشهرين الماضيين شهدا تأسيس عدة تكتلات جديدة تفاعل معها عشرات الناشطين، أبرزها حزبا "المصير الليبرالي"، و"طموح".

وحزب "طموح" باشر بعقد اجتماعات أولية بين أعضاء لجنته التأسيسية بهدف التفاهم على الخطوة المقبلة من العمل السياسي، قبل التقدم بطلب تسجيله في دائرة الأحزاب العاملة ضمن مفوضية الانتخابات العراقية، وفقاً للوائح المعمول بها في البلاد قبل إشهار الحزب وممارسة نشاطه.

ووفقاً للمصادر نفسها، فإن الحركات الجديدة تتعامل مع المشهد السياسي في العراق بأنه بات مهيأ لها شعبياً، خصوصاً بعد التجربة الناجحة لحركة "امتداد" المدنية التي استطاعت انتزاع 9 مقاعد برلمانية من معاقل الأحزاب الإسلامية التقليدية جنوبي البلاد في الانتخابات الأخيرة.

وكشفت المصادر نفسها لـ"العربي الجديد"، عن تحركات في النجف أيضاً تمهيداً للإعلان عن تكتل مدني جديد، غالبيته من الشباب، ويتبنى شعارات تظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019، المطالبة بالإصلاحات. وتتحدث المصادر عن جذب الحراك الجديد "أسماء شخصيات أكاديمية وصحافية معروفة بنهجها الوطني المعارض".

تشتيت القوى التقليدية العراقية

من جهته، يقول أحمد فلاح، وهو أحد أعضاء حزب "طموح"، الذي تشكل أخيراً، إن "الأحزاب التقليدية التي تتناحر فيما بينها حالياً على تشكيل الحكومة وتقاسم المناصب والامتيازات، ستتراجع مع استمرار الحراك المدني في العراق عموماً".

ويلفت في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "دخول مزيد من المدنيين والمستقلين للبرلمان، سيشتت القوى التقليدية أكثر ويضعف قبضتها على البرلمان والحكومة بشكل تدريجي"، مضيفاً أن "هناك إيمانا تاما لدى أعضاء الحزب بضرورة المشاركة في العمل السياسي، وهذا لا يعني إهمال الجانب الاحتجاجي الذي يمثل الذراع الأكثر تأثيراً على أحزاب السلطة".

تحركات في النجف تمهيداً للإعلان عن تكتل مدني جديد

ويؤكد فلاح أن "معظم الناشطين البارزين في الاحتجاجات توزعوا على كيانات سياسية. ولو أن هناك بعض الخلافات بين هذه الكيانات، إلا أنها تشترك بأهداف مهمة، منها عزل السياسيين الفاسدين ومحاسبتهم، والكشف عن قتلة المتظاهرين عبر الوجود في البرلمان والسلطة، وعدم السماح للأحزاب التقليدية بالاستمرار بالعمل وفق مبدأ المحاصصة الحزبية والطائفية".

من جانبه، يرى المتحدث باسم حركة "وعي" المدنية، حامد السيد، أن "مشاركة الشباب في الفعل السياسي، تؤكد على حاجة ملحة بدأت تنبت لدى جيل يستشعر الفشل الكبير لدى الأحزاب التقليدية التي أخفقت في توفير الحقوق العامة للعراقيين وحقوق الشباب خصوصاً".

ويلفت في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "جيل الشباب فقد جميع خيارات الضغط على الطبقة الحاكمة من احتجاجات وسخط ومقاطعة للانتخابات، ولم تبق أمامه غير فرصة أن ينظم نفسه سياسياً ويستعد لإيصال طبقة مناظرة له قادرة على تمثيله وإنصافه في المرحلة المقبلة".

ويعتبر السيد أن "النجاح سيحدث عبر الابتعاد عن الانفعال والتسرع، لأن مرحلة التصدي قد ترافقها بعض الإخفاقات، وقد يحيط بها التشكيك والتسقيط، وقد توضع أمامها عقبات كبرى من قبل القوى نفسها الممسكة بالمعادلة السياسية، لكن الأداء فيها سيكون محكوما بالنجاح لمن يصمد ويواصل العمل ويتحمل الأعباء ويتصدى لمشقتها وعنائها".

معظم الناشطين البارزين في الاحتجاجات توزعوا على كيانات سياسية

انتقال الناشطين العراقيين من ساحات الاحتجاج إلى تأسيس الأحزاب

بدوره، يشير الباحث في الشأن السياسي العراقي، كتاب الميزان، إلى أن "جزءا مهما من الناشطين باتوا لا يكتفون بالاحتجاجات، بل إنهم يشعرون بمسؤولية أكبر، خصوصاً مع تزايد الهيمنة الحزبية على مقدرات العراق المالية والاقتصادية. ناهيك عن السلوك الديكتاتوري في البلاد من قبل الأحزاب التقليدية".

ويتابع في حديث مع "العربي الجديد" أن "هذه الأسباب تدفع الشباب إلى تأسيس المزيد من الأحزاب والكيانات، والتي باتت تطرح نفسها كبديل سياسي، وهذا الأمر ينطبق على معظم محافظات الجنوب والوسط".

ويكشف الميزان أنه "في المحافظات الغربية والشمالية، هناك نية موجودة لدى الناشطين بأخذ زمام المبادرة والشروع بحراك مماثل، لكن الأحزاب هناك تعمل على مضايقة أي نشاط أو تحرك للقواعد الشعبية بشكل واضح".

ويشدد على أن "نجاح التجربة السياسية الجديدة للناشطين في العراق، ترتبط بالابتعاد عن سرعة المنافسة، لأن العمل السياسي يحتاج إلى صبر ومناورات كثيرة، إضافة إلى النضج والتعرف على تجارب الآخرين".

الميزان: نجاح التجربة السياسية الجديدة للناشطين يرتبط بالابتعاد عن سرعة المنافسة

وكانت حركة "امتداد" و"البيت الوطني" وحراك "نازل آخذ حقي" وحركة "وعي"، من أولى الكيانات السياسية التي ظهرت عقب تراجع "انتفاضة تشرين"، بعد أن انقسم المتظاهرون ما بين مؤيد للمشاركة في الحياة السياسية ومعارض لها.

ولم تشترك جميع الكيانات التي أفرزتها الاحتجاجات في الانتخابات التي أجريت في العاشر من أكتوبر 2021. فقد عارض "البيت الوطني" الانتخابات إلى جانب "الحزب الشيوعي العراقي"، لكن كيانات أخرى فضلت المشاركة، متبنيّة خطاب الدولة واللجوء إلى القضاء للكشف عن قتلة المتظاهرين ومحاسبة المتهمين بالفساد واختلاس المال العام وتهريبه.

وكانت التظاهرات العراقية قد اندلعت في الأول من أكتوبر 2019، عقب دعوات انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي إثر تردي الخدمات وتفاقم نسبة البطالة، قبل أن تتفجر بشكل واسع في بغداد ومدن جنوب ووسط العراق.

وأدت أعمال قمع التظاهرات إلى مقتل نحو 800 متظاهر، وإصابة أكثر من 27 ألفاً، في وقت لم تُحاسَب فيه أي جهة متورطة بهذه الأعمال.

المساهمون