بايدن رئيساً: نهاية الكابوس

بايدن رئيساً: نهاية الكابوس

20 يناير 2021
سيكون على بايدن تلبية تطلعات ناخبيه (درو أنغرير/ Getty)
+ الخط -

يرث الرئيس الأميركي السادس والأربعين جو بايدن، الذي يبدأ ولايته اليوم الأربعاء بحفل تنصيب استثنائي تسيطر عليه المخاوف الأمنية من أعمال عنف وفي ظل إجراءات أمنية مشدّدة، إرثاً ثقيلاً من سلفه دونالد ترامب، مشوب بالانقسام الداخلي الذي وصل إلى حد العنف السياسي في الأيام الأخيرة وكانت أبرز صوره اقتحام مبنى الكونغرس من مناصري ترامب الذي زرع شكوكاً كبيرة في العملية السياسية، وبعد 4 سنوات في الحكم شهدت انقسامات عرقية كبيرة واحتجاجات بعد أكثر من اعتداء على مواطنين سود أظهرت عنصرية متغلغلة في بعض المؤسسات، وعنف الشرطة المدعوم من الرئيس المنتهية ولايته. يترافق ذلك مع تحدٍ اقتصادي وصحي كبير، أنتجه تفشي وباء كورونا في البلاد، مسجلاً آلاف الضحايا والملايين من العاطلين عن العمل.

لكن التحديات أمام الرئيس الجديد لن تقتصر على معالجة أزمة أمة داخلية ممزقة، بل ستتعداها إلى إصلاح العلاقات مع الخارج، بعدما قاد ترامب بشعاره "أميركا أولاً" إلى إبعاد بلاده عن الاهتمامات الدولية في ملفات عدة، أكان عبر الانسحاب من معاهدات دولية، مثل اتفاق باريس للمناخ، أو منظمة الصحة العالمية، أو إغلاق بلاده أمام مواطني دول ذات غالبية مسلمة، وهي خطوات يعتزم بايدن التراجع عنها سريعاً عبر مراسيم تنفيذية سيصدرها فور تنصيبه اليوم. لكن التراجع عن إرث ترامب لن يكون بهذه السهولة، خصوصاً في ظل حقائق أوجدها ترامب لن يكون التراجع عنها سهلاً، يأتي على رأسها انسحاب الرئيس المنتهية ولايته من الاتفاق النووي مع إيران عام 2018، ويبدو أنه سيكون على رأس أولويات الرئيس الجديد، الذي بدأ فريقه باتصالات مع إيران في الأيام الأخيرة، وفق ما كشفت وسائل إعلام إسرائيلية أخيراً. تبرز أيضاً العلاقات مع روسيا، وعلى رأسها تمديد معاهدة "نيو ستارت" لنزع السلاح النووي، فأمام واشنطن وموسكو حتى 5 فبراير/شباط المقبل فقط لإقرار هذا التمديد، إضافة إلى العلاقة مع تركيا، والمفاوضات مع كوريا الشمالية، وانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، وغيرها.

وإذا كان بايدن قد أبدى عزمه على الانقلاب على سياسات ترامب في هذه الملفات، تبقى بعض الخطوات واقعاً لا يرغب الرئيس الجديد في التخلي عنه، ولعل أبرزها العلاقة مع إسرائيل التي حصلت في عهد ترامب على مكاسب كبيرة، ومنها الاعتراف الأميركي بسيادتها على القدس المحتلة ونقل السفارة الأميركية إليها، و"صفقة القرن" التي أعلنتها الإدارة الأميركية السابقة، واتفاقات التطبيع الإسرائيلية مع عدد من الدول العربية، وهي خطوات لا يبدو أن بايدن يرغب في إعادة النظر فيها، وقد يكتفي بإعادة العلاقات مع السلطة الفلسطينية، لتبقى عودة واشنطن إلى "حل الدولتين" كطريق أساسي لإنهاء الصراع في المنطقة مشوبة بالكثير من التشكيك.

حفل تنصيب استثنائي وسط إجراءات أمنية مشددة وغياب ترامب

وفي غياب ترامب الذي سيكون أول رئيس منذ أندرو جونسون في عام 1869 يرفض حضور أداء اليمين لخلفه، تشهد واشنطن اليوم حفل تنصيب بايدن رئيساً للولايات المتحدة في مراسم ستجرى تحت مراقبة أمنية مشدّدة. وبدا وسط العاصمة الأميركية واشنطن أشبه بحصن منيع، وانتشرت قوات من الحرس الوطني وصل عديدها إلى 25 ألفاً بهدف ضمان أمن "منطقة حمراء" شاسعة تمتدّ من حي كابيتول هيل، الواقع ضمن نطاقه مقرّ الكونغرس حيث سيؤدي بايدن ونائبته كامالا هاريس القسَم، وصولاً إلى البيت الأبيض. وتأتي هذه الإجراءات تخوفاً من أعمال عنف لمناصري ترامب، بعد أيام قليلة من اقتحامهم مبنى الكونغرس في 6 يناير/ كانون الثاني الحالي. وبعد أداء اليمين، سيلقي بايدن خطاب التنصيب التقليدي الذي سيؤكد فيه الحاجة إلى المصالحة بين الأميركيين. وبعد الظهر، من المقرر أن يضع إكليلاً من الزهور على قبر الجندي المجهول في مقبرة أرلينغتون برفقة ثلاثة من أسلافه وزوجاتهم: جورج بوش الابن وزوجته لورا، وبيل وهيلاري كلينتون، وباراك وميشيل أوباما.

وفي طريق العودة، سيتوقف موكب الرئيس الأميركي السادس والأربعين على بضع مئات الأمتار من البيت الأبيض، ليسير بايدن إلى مقر إقامته الجديد. ويمكنه بعد ذلك أن يعلن عن قراراته الرئاسية الأولى والتي قدّم لمحة عامة عنها، إذ يعتزم إصدار عدد من المراسيم التنفيذية، تنص أبرزها على إعادة البلاد إلى اتفاق باريس للمناخ الذي انسحب منه ترامب عام 2017، وإلغاء مرسوم منع دخول مواطني دول عدة ذات غالبية مسلمة. وسيضيف إلى هذين التدبيرين سلسلة مراسيم لا تخضع لتصويت الكونغرس، أغلبها ذات طابع اقتصادي ولمعالجة جائحة كورونا. لكن بايدن سينتظر الكونغرس للمصادقة على تعيين أعضاء حكومته، الذين سيخضع كل عضو منهم للتصويت في مجلس الشيوخ، وذلك بالتوازي مع بحث المجلس قضية عزل ترامب. وأعرب بايدن بعد توجيه التهمة إلى ترامب عن أمله "أن يجد مجلس الشيوخ طريقة للتعامل مع مسؤولياته الدستورية المتعلقة بآلية عزل ترامب، مسيّراً في الوقت نفسه قضايا الأمة الملحّة". وطرح فكرة أن يقسّم المجلس وقته فيعمل نصف اليوم على المحاكمة ويعقد في النصف الآخر من النهار جلسات لتأكيد التعيينات في الإدارة الجديدة. وبدأت هذه الجلسات اعتباراً من يوم أمس، مع المصادقة على تعيين أليخاندرو مايوركاس وزيراً للأمن الداخلي، ولويد أوستن وزيراً للدفاع، وجانيت يلين وزيرةً للخزانة، وانتوني بلينكن وزيراً للخارجية.

وبينما يسعى بايدن لإعطاء زخم سريع لولايته عبر المراسيم التنفيذية، إلا أنه سيواجه تحديات صعبة لن يكون من السهل حلها، لعل أبرزها مواجهة تداعيات وباء كورونا الذي يحصد أكثر من ثلاثة آلاف أميركي كل يوم، ويتسجل مليون شخص في برنامج البطالة كل أسبوع ويشكّك عشرات الملايين في شرعيته. والولايات المتحدة هي البلد الأكثر تضررا في العالم بكوفيد-19، مع تسجيلها 24 مليون إصابة وحوالى 400 ألف وفاة. وبدأت حملة تطعيم ضخمة في منتصف ديسمبر/ كانون الأول، لكنها تتقدم ببطء، فيما تعهد بايدن بتكثيف الحملة لتلقيح 100 مليون شخص بحلول اليوم المائة من ولايته.

كما أدت تدابير الإغلاق التي فرضت لكبح انتشار الفيروس إلى توقف عجلة الاقتصاد الذي شهد انكماشا بنسبة 2,4 في المائة عام 2020، وفقا للاحتياطي الفيدرالي الأميركي. واضطرت شركات عديدة لإغلاق أبوابها وتسريح موظفيها. ويعيش 18 مليون أميركي اليوم على إعانات البطالة التي توفرها الحكومة. وقال بايدن بعد إعلانه خطة طوارئ بقيمة 1,9 مليار دولار يعتزم تسريع مصادقة الكونغرس عليها "تنتشر المعاناة الإنسانية في وضح النهار وليس لدينا وقت نضيعه". كما تعهد بايدن بإنشاء فرق عمل معنية بالتشرد ولمّ شمل الآباء المهاجرين مع الأطفال الذين انفصلوا عنهم على الحدود الأميركية-المكسيكية، وتوفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر جاءوا إلى الولايات المتحدة بشكل غير قانوني وهم أطفال.

مواجهة تداعيات تفشي كورونا من أبرز التحديات أمام بايدن

وبعد أربع سنوات من ولاية رئاسية عمد ترامب خلالها إلى إثارة الانقسامات بين الأميركيين، أدت الحملة التي شنها ترامب على نتيجة الانتخابات الرئاسية إلى تعميق الهوة أكثر. ورفض الاعتراف بالهزيمة مندداً بعمليات "تزوير"، ما دفع أنصاره لاقتحام الكونغرس. وبعد اتهامه بتشجيع أعمال العنف هذه، من المقرر محاكمة ترامب أمام مجلس الشيوخ، وهو ملف قد يشغل الشيوخ ويستهلك الوقت الذي يحتاج إليه بايدن لبدء مشاريعه. في هذا الوقت، يواجه بايدن تحدي تلبية توقعات أغلبية ساحقة من الأميركيين السود الذين انتخبوه احتجاجاً على ترامب بعد الاحتجاجات الضخمة التي اندلعت عقب مقتل المواطن الأسود جورج فلويد خلال توقيفه من قبل شرطي أبيض، وما تبع ذلك من حملة أظهرت التفاوتات العرقية الكبيرة، أكان في الاقتصاد أو السكن أو تعامل الشرطة مع السود.

دولياً، مع تأكيد بايدن أن "أميركا عادت وهي مستعدة لقيادة العالم"، فإن عزمه على إعادة بلاده إلى صفوف المجتمع الدولي سيصطدم بتحديات شائكة. واختار بايدن دبلوماسيين متمرسين عملوا في إدارة باراك أوباما، ما يضمن العودة إلى خط تقليدي أكثر في السياسة الخارجية الأميركية، أبرزهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن، والذي قال خلال جلسة تثبيت تعيينه أمس إن الولايات المتحدة يمكنها "التفوق" على منافسة الصين من خلال القيم الديمقراطية، داعياً إلى تعزيز التحالفات التي ضعفت خلال عهد ترامب، مضيفاً "معاً، نحن في وضع أفضل بكثير للتصدي لتهديدات تمثلها روسيا وإيران وكوريا الشمالية".

ومن أبرز الاستحقاقات الملحّة أمام الرئيس الجديد تمديد معاهدة "نيو ستارت" لنزع السلاح النووي مع موسكو قبل 5 فبراير، فيما انتقد الديمقراطيون على نطاق واسع مماطلة الحكومة المنتهية ولايتها بشأن هذه القضية. وسيتعين على إدارة بايدن، المصممة على إظهار مزيد من الحزم في ما يتعلق بروسيا مقارنة بسياسة ترامب، إيجاد طريقة للتفاوض بسرعة.

ويبقى الملف الإيراني أكثر إلحاحاً، فقد وعد بايدن بالعودة إلى الاتفاق الدولي الذي تم التوصل إليه في 2015 وانسحب منه ترامب عام 2018. وبينما تم الكشف عن بدء اتصالات بين فريق بايدن وطهران، سيكون عليه رفع العقوبات التي أعاد ترامب فرضها واستمر في تشديدها، مع ضمان عودة إيران أيضاً في المقابل إلى بنود الاتفاق بعدما تخلت تدريجياً عن بعض واجباتها، بالتوازي مع المطالبات الإسرائيلية بأن تشمل المفاوضات ملف الصواريخ البالستية الإيرانية.

بايدن الذي حصل على أصوات نحو 80 مليون ناخب، بعضهم فعل ذلك لمعارضة ترامب، يبدأ ولايته بتوقعات عالية، فوفق استطلاع جديد للرأي نشرته شبكة "سي أن أن" أمس، يوافق ثلثا الأميركيين (66 في المائة) على الطريقة التي يتعامل بها بايدن مع الانتقال الرئاسي، ويتوقع كثيرون أن يحقق بايدن العديد من الأهداف الرئيسية، بما في ذلك التوقيع على قانون آخر لمواجهة وباء فيروس كورونا (يقول 83 في المائة إن هذا أمر محتمل جداً)، واستعادة العلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة (74 في المائة)، لكن هناك شكوكاً في أنه سيتمكن من تخفيف الانقسامات السياسية في البلاد (يقول 53 في المائة إن هذا غير مرجح).

المساهمون